الأقليات: القوة الناعمة داخل حدود الدولة وخارجها

      التعليقات على الأقليات: القوة الناعمة داخل حدود الدولة وخارجها مغلقة

م.م مصطفى محمود
مركز الدراسات الاستراتجية/ قسم إدارة الأزمات
أيلول/ 2025
يشير مصطلح الأقليّة إلى جماعة من البشر، تسكن داخل الحدود الإدارية لدولة ما, وتختلف عن الأغلبية السائدة في خاصية، أو أكثر، من الخواص التي تميّز الأغلبية، ومن تلك الخواص (اللغة، والعرق، والثقافة، والانتماء الديني، والقومية). وتتميز هذه الجماعة بوجود هوية خاصة بها، تسعى إلى الحفاظ عليها.
أمَّا القوة الناعمة فيعرّفها (جوزيف نايف)، بأنَّها: القدرة على التأثير في الآخر، بواسطة الاستمالة، والاقناع، بدلاً من الإكراه، والإخضاع. ومن هذا المنطلق، فإنَّ الأقليات بتصنيفاتها كافة، وبما لديها من ثقافة، وعادات، وتقاليد، ولون خاص بها يميزها عن غيرها، فإنَّها تمثل موردًا حيويًا، يمكن للدول توظيفهُ لتعزيز قوتها الناعمة. وهذهِ هيّ الفكرة الأساسية التي سنتطرق إليها في هذا المقال. تمثّل الأقليات في الدول المتقدمة، أحد أهم أركان التنوع الثقافي، والاجتماعي، على الرغم من أنَّها قد تكون تحديًا كبيرًا لصانع القرار، والسياسة العامة، في موضوع صياغة هوية وطنية جامعة، تنصهر بداخلها الهويات الفرعية كافة. وهنا أقول: تنصهر، ولا أقول: تلغىُ أو تُهمش، كون صانع القرار، والسياسة العامة، إذا نجح في صهر الهويات الفرعية، داخل هوية أم جامعة، مع احترام خصوصياتها في ممارسة طقوسها الخاصة، والتعبير عنها، فإنَّه بذلك ينجح في اعتماد موضوع الهويات الفرعية، والأقليات، كمصدر استراتيجي مهم، في تعزيز مكانة الدول عالميًا، عن طريق القيم المشتركة، بحيث يمكن النظر إلى الأقليات هنا، على أنَّهم (جسر ثقافي)، يربط هوية الدولة الأم بالمجتمع الدولي، عن طريق قنوات مشتركة اجتماعية، وثقافية، وسياسية، وهو ما يجعل للأقليات دورًا بالغ الأهمية، في صياغة صورة إيجابية للدولة أمام المجتمع الدولي. ويتجلى ذلك باستخدام محاور عدة، هي:
– الدبلوماسية الشعبية: عن طريق مشاركة الأقليات في الرياضة، والفنون، والسياسة، والاقتصاد.
– الأقليات كقوة ناعمة ثقافية: تسهم الهوية الاجتماعية للأقليات، ومساهماتها الفنية، والثقافية، في إغناء الهوية الثقافية للدولة الأم، وإعطاء صور إيجابية عن التسامح، والمحبة، للعالم الخارجي.
– الأقليات كقوة ناعمة اقتصادية: يتم ذلك عن طريق الجذب السياحي لمناطق الأقليات، ومعالمها الأثرية، لينتج عنه إدخال العملة الصعبة إلى البلاد، مع إمكانية تعزيز فرص التجارة، والاستثمار .
– الأقليات كقوة ناعمة سياسيًا: يمكن لعموم المهاجرين ولاسيَّما الأقليات، أن يمثلوا ورقة ضغط على حكومات الدول الموجودين فيها، لمصلحة دولتهم الأم، عبر تنظيم الاحتجاجات، وقنوات الاتصال المرئية، والمسموعة، والمكتوبة.
ولعل أبرز الأمثلة الناجحة على ذلك، التجربة السويسرية، فهذهِ الدولة على الرغم من صغر مساحتها، وقلة مواردها، تعدُّ نموذجًا متميزًا في إدارة ملف الأقليات (الايطالية، والفرنسية، والالمانية)، هذا النجاح منحها صورة دولية إيجابية، كدولة مستقرة، وقادرة على التعايش السلمي، وهو ما عزز من مكانتها في مؤسسات الوساطة، والدبلوماسية العالمية. كذلك النموذج الأمريكي، والهندي، كنموذج ناجح، ومقارب للنموذج السويسري. في المقابل هنالك نماذج فشل، مثل التجربة الصينية في ملف (تركستان الشرقية)، في شمال غرب الصين، فهي تضمّ سكانًا مسلمين من الأويغور، وغيرهم من الشعوب التركية، إذ وثقت التقارير الدولية انتهاكات حقوق الإنسان، والاحتجاز الجماعي للأويغور، أدت إلى إدانة واسعة، هذا الملف قلَّل بشكل كبير من جاذبية نموذج الحكم الصيني، ورسّخ صورة سلبية تنتهك القيم العالمية لحقوق الإنسان، والتنوع، مما أثَّر سلبًا في قبول سياساتها الخارجية في الغرب، والعديد من الدول الأخرى.
الخلاصة، عن طريق ما تقدم في هذا المقال، والاستعراض لبعض النماذج، يتضح جليًا أنَّ ملف الأقليات يمكن توظيفهُ كقوة ناعمة، إذا ما تمَّ التعامل معها وفق مبدأ الاندماج، والمشاركة، واحترام خصوصياتها، لتتحول من أقلية هامشية، إلى مصدر إثراء للدولة، وللهوية الوطنية، مما يتطلب من صانع السياسة العامة، العمل على الاعتراف بهذا التنوع المجتمعي داخل الدولة، كذلك ضرورة الاعتراف، وحماية الهوية الفرعية للأقليات، حتى تدمج بهوية وطنية جامعة بصورة صحيحة، كذلك أن تتضمن السياسات العامة تساوي الحقوق، ومنع التمييز، والتهميش، لهذه الجماعات المجتمعية .