
الدبلوماسية القسرية في المفاوضات الإيرانية الأميركية
مركز الأبحاث العلمية والدراسات الاستراتيجية للشرق الأوسط/ طهران
الكاتب: شهاب دليلي
ترجمة: أ. م. خالد حفظي
بعد فوز ترامب في الانتخابات الأمريكية مجددًا، حاول احتواء الصين، وعدم الدخول في حرب جديدة، ووضع حدٍّ للحروب التي لا تنتهي. ومع بدء هجمات الحوثيين على إسرائيل، والسفن في البحر الأحمر، صنّفت الولايات المتحدة الحوثيين جماعةً إرهابية، وشنّت موجةً واسعةً من الهجمات ضدهم في اليمن، ابتداءً من (15) آذار، ولغاية (7) أيار 2025، مستهدفةً مصافي النفط اليمنية، والمطارات، ومواقع الصواريخ التي يسيطر عليها الحوثيون، وسميت هذه الهجمات عملية الراكب الخشن (Operation Rough Rider). إنَّ دراسة تفاصيل هذه الهجمات من منظور كلي، تُظهر أنَّ الهجوم الأمريكي على اليمن، يتجاوز مسألة مواجهة الحوثيين، وضمان أمن إسرائيل، وترسيخ الاستقرار في الشحن التجاري في البحر الأحمر، وإنَّ الهجوم الأمريكي على قوات الحوثيين، له علاقة بـالمفاوضات بين إيران، والولايات المتحدة، وإضعاف نفوذ طهران الإقليمي في الشرق الأوسط بشكل أكبر، وتحسين العلاقات الإقليمية الأمريكية مع السعودية، والإمارات، وإضعاف النظام الدولي الليبرالي، وخفض تكلفة التجارة البحرية بين الولايات المتحدة، وأوروبا، وسعي أمريكا إلى إحلال السلام على الجبهة الأوكرانية، ووضع كل ما سبق تحت السياسة الكلية، المتمثلة في التطلع إلى آسيا، واحتواء الصين.
أهمية مهاجمة الحوثيين في اليمن
لقد مرَّ أكثر من ثلاثة أشهر، منذ أن بدأت إدارة ترامب هجماتها، على قوات الحوثيين في اليمن. ففي شهري مارس وأبريل (2025) وحدهما، تمَّ تنفيذ (680) غارة جوية، ووفقًا لتقرير شبكة (CNN)، أنفقت واشنطن مليار دولار على هذه الحرب خلال هذه الفترة. ومع ذلك، لم تحقق هدفها المتمثل في تدمير الحوثيين، أو وقف هجماتهم على إسرائيل، والسفن التجارية، في البحر الأحمر. ووفقًا لتقرير صادر عن مجلس العلاقات الأطلسية في (7) نيسان (2025)، فقد زادت قدرة قوات الحوثيين على الصمود. ففي السنوات العشر الماضية (من (2015) إلى (2025))، نفذت المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وبريطانيا، والولايات المتحدة، وإسرائيل، (25000) هجوم عسكري على أهداف حوثية، لكن الحوثيين ما زالوا نشطين. وقال ترامب في خطابه: إنَّ هذه الهجمات ستستمر، حتى تتوقف هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر، والأراضي الإسرائيلية، تمامًا. لكن المشكلة تكمن في أنَّ ترامب أعلن في شعاراته الانتخابية، أنَّه لن يدخل في حرب جديدة. والآن، مع تزايد صمود الحوثيين، وتعقيد المفاوضات مع طهران، وانعدام السلام على الجبهة الأوكرانية، وتصاعد حرب الرسوم الجمركية، يبقى أن نرى ما هو القرار الذي ستتخذه واشنطن.
هل ستدخل الأراضي اليمنية برًا، بمساعدة القوات الجنوبية المدعومة من الإمارات، لكسب الحرب في اليمن والقضاء على الحوثيين؟ كيف سترد على قاعدة ناخبيها، بشأن تكلفة دافعي الضرائب الأمريكيين في هذه الحرب؟ كيف ستتعامل مع هذا الهجوم، وتتفاوض مع طهران، وترسي السلام في أوكرانيا، وتعالج هدفها الرئيس، وهو احتواء الصين؟
١. الوضع الداخلي للحوثيين: من المؤكد أنَّ الحوثيين أصبحوا قوة عسكرية ضاربة خلال العقد الماضي، وتحظى بدعم قوى دولية كروسيا، ويمكنهم تنفيذ تهديداتهم البحرية، ومهاجمة إسرائيل. إذ يتمتعون بقدرة عالية على الصمود في وجه الهجمات، مدعومين بـقيادة كاريزمية، وهيكل هرمي قوي، وروابط عائلية. فضلًا عن ذلك، تمكنوا من الحصول على موارد مالية كبيرة، عبر موانئ الحديدة، ورأس عيسى، المهمة، وأصبحوا الحلقة الأهم في محور المقاومة الحالي.
مع سقوط حكومة بشار الأسد في سوريا، توصلت الجهات الفاعلة الإقليمية، والخارجية، إلى استنتاج مفاده أنَّه يجب عليها اتباع نهج جديد بعد التطورات في سوريا، وإضافة ترامب للحوثيين إلى القائمة الأمريكية للمنظمات الإرهابية. ووفقًا لمجلس الشرق الأوسط، اختارت الرياض حتى الآن سياسة “المسافة الاستراتيجية” من الحوثيين، وتفضل ترك هذه المعركة لصراع داخلي في الأراضي اليمنية، بمشاركة الأمم المتحدة، والولايات المتحدة، بدلاً من مواجهة الحوثيين.
في الواقع، تفضل الرياض الاستقرار النسبي، بعد وقف إطلاق النار في 21-6-2022، على أي عمل آخر. كما تبنت الإمارات السياسة نفسها مع بعض الاختلافات. وردًا على السعودية والإمارات، أعلن الحوثيون أنَّ “ذلك اليوم الذي تساعد فيه الدول العربية أمريكا لن يأتي”، لأنَّ لدينا القدرة على تدمير جميع البنية التحتية للإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية”.
السيناريو المقترح الأكثر ترجيحًا، له محوران: الأول، هو الدعم المالي من الرياض، وأبو ظبي، للهجمات العسكرية الأمريكية على الحوثيين. والثاني، هو دعم الميليشيات الموالية للحكومة في اليمن. ومن ثَمَّ، اشتعال الحرب الأهلية الكامنة مجددًا، واغتيال قادة الحوثيين، وتطور صراع على الخلافة بينهم، وتقليص أو إيقاف هجمات الحوثيين، وعملياتهم عبر الحدود في البحر الأحمر، والأراضي الإسرائيلية.
2. دور روسيا والصين في حرب اليمن: خلصت الولايات المتحدة، والمجتمع الغربي، إلى أنَّ الحوثيين، فضلًا عن الدعم المالي، والعسكري، الذي يتلقونه من إيران، يتلقون أيضًا دعمًا من الروس. يوضح تقرير وول ستريت جورنال، أنَّه فضلًا عن المساعدات المالية، والأسلحة، للحوثيين، ترسل روسيا لهم بيانات استخباراتية، لاستهداف الأهداف المقصودة في البحر الأحمر بدقة أكبر. كما تقدم موسكو تدريبًا للحوثيين على الأراضي اليمنية، لجعلهم أكثر قدرة على مواجهة الهجمات. فضلًا عن ذلك، فإنَّ هذا التعاون ثنائي، كما يتم إرسال قوات الحوثيين أيضًا إلى الجبهة الأوكرانية، بناءً على طلب روسيا. وفي هجماتهم في البحر الأحمر، يمنحون مرورًا آمنًا للسفن الروسية، ولا يهاجمونها. وعن طريق زعزعة استقرار المرور، والملاحة، في البحر الأحمر، فإنَّهم يساعدون في إضعاف النظام الدولي الليبرالي، الذي لا تريده موسكو، وبكين.
وبهذه الطريقة، تنشغل بعض القوات الأمريكية بالقتال في اليمن، ويوجه جزء من اهتمام واشنطن وقوتها إلى هذه الحرب، وهو هدف لا تعارضه بكين أيضًا. بهذه الطريقة، يُركّز جزء من قوة الولايات المتحدة في السياسة، على التطلع إلى آسيا، واحتواء الصين على الحرب في أوكرانيا، وجزء آخر على اليمن. يُظهر تقرير صادر عن مركز سيانان الشهر الماضي، أنَّه بعد (100) هجوم شنّه الحوثيون في البحر الأحمر، وإغراق سفينتين، فإنَّ (70%) من الشحن التجاري، الذي كان يمرّ سابقًا عبر البحر الأحمر، يختار الآن الطريق الأطول إلى جنوب القارة الأفريقية، ورأس الرجاء الصالح.
بعبارة أبسط، ارتفعت تكلفة التجارة الخارجية الأوروبية مع الصين. بالطبع، من الممكن أن تنخفض التجارة الصينية مع أوروبا بشكل كبير، وعلى المدى الطويل، ستلجأ بكين إلى إيجاد عملاء جدد، وزيادة التكاليف على أوروبا، أو التفكير في حل دبلوماسي للحرب اليمنية.
الدبلوماسية القسرية من التفاوض إلى الهجوم العسكري
في نهج الدبلوماسية القسرية، يستخدم أحد الجانبين النفوذ، لإقناع أو إجبار الجانب الآخر، على الموافقة على المطالب المقدمة أثناء المفاوضات، وفي الوقت نفسه يمارس الضغط على الجانب الآخر، لقبول المطالب في النهاية.
من هذا المنظور، فإنَّ مفاوضات عُمان، والحرب في اليمن، وجهان لعملة واحدة، وفي ظل نهج ترامب الدبلوماسي القسري تجاه إيران، فإنَّه يحاول إقناع أو إجبار طهران، على قبول مطالب الجانب الأمريكي.
وتُظهر وثائق تحليل السياسة الخارجية، أنَّه بعد سقوط الأسد في سوريا، واغتيال قادة حزب الله في لبنان، وإضعاف نفوذها الإقليمي في الشرق الأوسط، قررت طهران الرد على هجوم القوات الأمريكية على مواقع الحوثيين في اليمن، عن طريق:
1- سحب قواتها مؤقتًا من اليمن، وتقليل دعمها لقوات الحوثيين بشكل كبير.
2- تتجنب إيران المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة، وبطبيعة الحال، إسرائيل في الوضع الحالي.
3- تعيد طهران النظر في سياستها تجاه القوات بالوكالة.
ترى تل أبيب، وواشنطن، في هذا الوضع فرصة تاريخية، مع فارق أنَّ ترامب يسعى إلى مفاوضات مع طهران، وذلك أيضًا عن طريق الدبلوماسية القسرية؛ في حين يسعى نتنياهو إلى هجوم عسكري على المراكز النووية، والعسكرية، الإيرانية. وبهذه الطريقة، يتم تفسير سقوط الأسد في سوريا، والهجوم على حماس في غزة، واغتيال قادة حزب الله في لبنان، والهجوم في اليمن، على أنَّها حلقة نار تحيط بالنفوذ الإقليمي لإيران، وتحصر طهران داخل حدودها. ومع ذلك، مع بدء المحادثات الإيرانية الأمريكية في عُمان، أصبح من الواضح أنَّ واشنطن لا تعطي الأولوية للهجوم العسكري عمليًا، وأنَّ ترامب يحاول قدر الإمكان، عدم جرّ الولايات المتحدة إلى حرب جديدة. في غضون ذلك، تتطلع تل أبيب إلى استغلال الفرصة التاريخية، المتمثلة في ضعف إيران في الشرق الأوسط.
عُقدت جولتان من محادثات عُمان، ركزتا في القضية النووية يومي (12 و20) نيسان الماضي، وكان لدى كلا الجانبين، وجهة نظر إيجابية نسبيًا بشأن تقدم المحادثات. ومع ذلك، عزز انفجار ميناء الشهيد رجائي، التكهنات بأنَّ إسرائيل ستستفيد بشكل مباشر أو غير مباشر، من هذا الحادث. بعبارات أبسط، إنَّ انفجار جزء كبير من وقود الصواريخ، الموجود في هذا الميناء، له نتيجتان:
1. تشير التقديرات إلى أنَّ حجم الانفجار هذا، يعادل وقود (250) صاروخًا، مما يعني أنَّ القدرة الدفاعية لإيران، ضد هجوم إسرائيلي محتمل، قد انخفضت.
2. يتم إثارة الرأي العام داخل إيران، بطريقة لم يحقق فيها البرنامج النووي أي فوائد لإيران (صناعة الكهرباء، وإنتاج الأدوية، والردع، وما إلى ذلك)، ولم تحقق صناعة الصواريخ مثل هذا الإنجاز، فضلًا عن ذلك، فإنَّه ينطوي أيضًا على مخاطر، وانفجار بندر عباس ليس سوى مثال واحد. وبهذه الطريقة، يتم رسم حلقة نار إقليمية على حدود إيران، مما يوفر أرضية للاحتجاجات في الشوارع، هذه الاحتجاجات التي قد تنطلق بسبب التوترات في السوق، ردًا على فشل المفاوضات، ومخاطر صناعة الصواريخ، وعدم ربحية البرنامج النووي، وتشديد العقوبات، وما إلى ذلك.
إنَّ استخدام العبارة الشهيرة (حلقة النار) إشارة إلى العقارب؛ فهي تعني أنَّه إذا وُضع عقرب في حلقة نار، فلن يقاوم بعد فترة، وسيُقدم على الانتحار بلسع نفسه. ومن المرجح أنَّ لدى إسرائيل تفسيرًا مشابهًا للوضع الإيراني الحالي في الشرق الأوسط، ولكن لتحقيق هذا السيناريو، يجب أن تسير الحرب في اليمن، والمفاوضات في عُمان، على نحو ناجح. لذلك، من الضروري:
1. أن تُدرك الولايات المتحدة أنَّ الهجوم العسكري وحده لن يُجدي نفعًا، وأنَّ كسب الحرب اليمنية يتطلب اتباع استراتيجية متعددة الجوانب. أي أنَّه بالإضافة إلى العمليات العسكرية، ينبغي أن تشمل هذه الاستراتيجية أيضًا عمليات برية، وتشديد الحصار البحري، ودبلوماسية إقليمية فعّالة، وجر الحرب إلى الأراضي اليمنية، والتسلل البري، وما إلى ذلك.
2. إنَّ اغتيال زعيمهم الكاريزمي، من شأنه أن يزعزع هيكلية الأسرة الحوثية الهرمية، وقد يؤدي اغتياله إلى تحويل حرب الحوثيين عبر الحدود، إلى معركة داخل الجماعة.
3. إنَّ مهاجمة الموانئ المهمة في اليمن، قد يؤدي إلى تعطيل الموارد المالية للحوثيين، وتقليص قدرتها على الوصول إلى هذه الموانئ بشكل كبير.
4. قد يكون تصعيد الهجمات على اليمن، في الأيام التي سبقت محادثات عُمان، أداة ضغط على إيران. كما أنَّ نشر أنباء عن استعداد سوريا في عهد الجولاني لقبول اتفاق إبراهيم، له تأثير مماثل، ويُظهر حدود نفوذ إيران الإقليمي.
5. إنَّ تحسين عملية السلام في أوكرانيا، ومنح التنازلات لموسكو، من شأنه أيضاً أن يزيد من تصميم بوتن، على إقناع طهران بالتفاوض مع الولايات المتحدة.
6. كما أنَّ سفر ممثلي الدول الإقليمية إلى طهران، والمفاوضات الموازية، يخلق أجواءً في الحكومة تدفع الدول المجاورة أيضاً، إلى الموافقة على اتفاق طهران، وواشنطن.
7. إنَّ تصعيد إسرائيل لأعمالها تجاه غزة، ولبنان، وحتى إيران، قد يشكّل أداة ضغط أخرى في الدبلوماسية القسرية التي تنتهجها أميركا.
رابط المقال الأصلي:
https://www.cmess.ir/Page/View/2025-04-28/11502