دول الخليج بعد حرب إسرائيل وإيران: ثلاث دروس مستفادة

      التعليقات على دول الخليج بعد حرب إسرائيل وإيران: ثلاث دروس مستفادة مغلقة

الكاتب: إليونورا أرديماني باحثة مُشارِكة أولى في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI)، ومُساعِدة في الهيئة التعليمية في الجامعة الكاثوليكية في ميلانو.
الناشر: المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية
ترجمة: مترجم اقدم هبه عباس محمد علي

The Gulf States After the Israel-Iran War: Three Lessons Learned

كان اندلاع الحرب بين إسرائيل وإيران بداية لفصل سياسي جديد لدول مجلس التعاون الخليجي في المنطقة، وان للمخاطر الناتجة عنها عواقب وخيمة على اقتصادات هذه الدول. ورغم أن وقف إطلاق النار بين تل أبيب وطهران جاء متوافقًا مع تطلعات دول مجلس التعاون نحو خفض التصعيد واستعادة استقرار الخليج، لكنها باتت تملك تجربة مباشرة تكشف حجم هشاشتها في حال اندلاع حرب تمتد إلى المنطقة. وقد أسهمت استراتيجياتها الدبلوماسية والدفاعية في الحد من التهديد الإيراني، لكنها لاتزال غير قادرة على منعه بشكل كامل.
وبهذا وجدت دول مجلس التعاون الخليجي نفسها أمام ما يمكن تسميته بـ”عصر المخاطر”، بعد الأزمة التي امتدت لاثني عشر يومًا وأسفرت عن استخلاص ثلاث دروس رئيسة. أولها ضرورة المضي بالجهود الدبلوماسية مع إيران، وهو ما أبدت العواصم الخليجية استعدادها للقيام به بشكل مستقل، وانعكس في اجتماع السابع من تموز في جدة الذي جمع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي. ثانيًا، إن النظام الإقليمي في الشرق الأوسط القائم على البعد العسكري الذي تسعى إليه إسرائيل يختلف عن النظام الذي تطرحه السعودية والقائم على البعد الاقتصادي، وهذان النظامان غير قابلين للتوافق. ثالثًا، يتعيّن على دول مجلس التعاون أن تستثمر أكثر في تعزيز وحدة الخليج، إذ إن السبيل الوحيد لتقوية أمن كل دولة يتمثل في التوقف عن المماطلة والعمل على إنشاء منظومة إنذار مبكر منسقة لمواجهة الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، على الأقل.
ايران تهديد نشط وعلى الدبلوماسية الخليجية احتواءه
خلال حرب إسرائيل وإيران، حافظت دول الخليج على حياد دبلوماسي مع إيران لخفض التصعيد دون الانحياز لأي طرف. وعلى الرغم من ذلك، اثر هجوم إيران الصاروخي على القاعدة الأمريكية في قطر على أمن المنطقة. و كشف تصدعًا في الثقة بين السعودية وإيران رغم الاتفاق الدبلوماسي لعام 2023. وعرّض أمن الدوحة للخطر. واثبت استعداد إيران لوضع مصالحها الوطنية فوق حسن الجوار، وهذا هدد أمن الخليج.
تعترف دول مجلس التعاون الخليجي بضرورة التواصل المباشر مع إيران، وقد تكون الوساطة الخارجية غير مجدية. وقد أدى تدخل القوى العالمية، مثل الضربات الأمريكية على إيران، إلى زيادة مخاطر الأمن الخليجي، وهو ما اكده الهجوم على قاعدة العديد. وقد لعبت الصين وروسيا أدوارًا محدودة، حيث افتقرت الصين للنفوذ على إيران، بينما حافظت روسيا على علاقاتها مع كل من طهران ودول الخليج دون التدخل عسكريًا.
نهج إسرائيل تجاه المنطقة لا يمكن أن يكمل النهج السعودي
من خلال الحرب ؛ تعلمت دول الخليج درسا مفاده أن نهجها المرتكز على الاقتصاد في معالجة الأمن يتعارض مع النموذج العسكري الذي تتبعه إسرائيل في الشرق الأوسط. وفي الوقت الذي تعتمد دول مجلس التعاون على الدبلوماسية والتعاون الاقتصادي لإدارة التهديدات، تفضل إسرائيل استخدام القوة لمعالجة الأمن القومي. و بالنسبة للسعودية، يعد الاستقرار الإقليمي امر ضروري لتحقيق الازدهار، في حين تضع إسرائيل الأمن فوق أي اضطراب إقليمي محتمل.
أعرب المعلقون الخليجيون عن قلقهم من الإجراءات الأحادية لإسرائيل، خشية أن تزيد من عدم الاستقرار الإقليمي على المدى الطويل. تعترف قيادة دول مجلس التعاون بالفجوة الجوهرية بين نهجها المرتكز على الاقتصاد والنموذج العسكري الذي تتبعه إسرائيل، بغض النظر عن اتفاقيات أبراهام. وهناك قضيتان تعقدان المشهد: أولًا، أصبح إنشاء دولة فلسطينية محور خلاف كبير بين السعودية وإسرائيل، وهو خلاف تفاقمه طريقة تعامل تل أبيب مع سياستها الإقليمية. ثانيًا، أثار سلوك الإدارة الأمريكية خلال الحرب التي استمرت اثني عشر يومًا تساؤلات بين قادة دول مجلس التعاون، إذ أن الرئيس ترامب، الذي تبنّى النموذج الخليجي القائم على الاقتصاد، قرر لاحقًا دعم النموذج الإسرائيلي القائم على النهج العسكري، مما عرّض الاستثمارات التي كان قد رعاها للخطر
وحدة دول مجلس التعاون الخليجي هي الحل لتنسيق الدفاع
أظهرت دول مجلس التعاون الخليجي وحدة سياسية كبيرة خلال الحرب بين إسرائيل وإيران، وقد تعززت هذه الوحدة أكثر بعد هجوم إيران على قطر. وفي عام 2019، دفع الهجوم الإيراني على منشآت (أرامكو السعودية) السعودية والإمارات إلى إعادة ضبط سياساتهما الخارجية من «التنافس الاستقطابي» إلى «التعاون المستقر».
لقد أعاقت الخلافات الثنائية ونقص الثقة التكامل الدفاعي بين دول الخليج. وأبرزت الحرب بين إسرائيل وإيران المخاطر التي تواجه دول مجلس التعاون وكشفت عن نقاط الضعف في الاتصال الخليجي. ويُعد هذا أمرًا بالغ الأهمية خصوصًا بالنسبة لقطر والبحرين والكويت، التي لا تمتلك بدائل للوصول البحري للخليج سواء للتجارة أو تحلية المياه.
منح الهجوم الإيراني الفرصة لقطر في اظهار قدرات قواتها الجوية بالتنسيق مع القوات الأمريكية، لكنه كشف أيضًا عن ثغرات في الدفاع ضد الصواريخ والطائرات المسيّرة وفي تنسيق أنظمة الإنذار المبكر. ولا تزال دول مجلس التعاون الخليجي عرضة لقدرات إيران الصاروخية والطائرات المسيّرة والقدرات البحرية غير المتكافئة. وتشمل التهديدات الإضافية هجمات الحوثيين باستخدام الزوارق المسيّرة في البحر الأحمر، والهجمات المتكررة بالطائرات المسيّرة على القواعد العراقية دون إعلان المسؤولية عنها، ما يزيد من المخاطر الإقليمية.
تعتمد دول الخليج على الولايات المتحدة في الدفاع الجوي، وظهر ذلك من خلال افتتاح أول وحدة من منظومة الدفاع الجوي (thaad) في السعودية. ونرى ان المخاطر الإقليمية تحتم ضرورة تفعيل رؤية مجلس التعاون للأمن الإقليمي عبر نظام لتنسيق الدفاع ضد الصواريخ والطائرات المسيّرة. لذا فإن التحدي الرئيس هو مشاركة البيانات والاستخبارات، إذ تركز الرؤية الحالية على إدانة توريد الأسلحة للفصائل وليس على الدفاع الجماعي.
على الرغم من ضعف ايران لكنها لاتزال تشكل تهديداً لجيرانها ، وأن الموقف العسكري لإسرائيل يزعزع استقرار المنطقة، مما جعل قادة الخليج يدركون ضرورة الاعتماد على أنفسهم لحماية أمنهم عبر مزيج من الدبلوماسية والدفاع، خاصة مع وجود خطوات تعاون مشجعة كصناعة الدفاع.