خطة الرئيس الأمريكي (ترامب) لوقف الحرب في غزة: سلام أم استسلام

      التعليقات على خطة الرئيس الأمريكي (ترامب) لوقف الحرب في غزة: سلام أم استسلام مغلقة

أ.م.د. حمد جاسم محمد

باحث في مركز إدارة الأزمات

مركز الدراسات الاستراتيجية / جامعة كربلاء

تشرين الأول/ 2025

منذ اندلاع المواجهات بين حركة حماس الفلسطينية، والكيان الإسرائيلي، في (7) تشرين الأول (2023) إلى الآن، والولايات المتحدة الأمريكية مستمرة في دعم الكيان الإسرائيلي دبلوماسيًا، وعسكريًا، وماليًا، فقد زودتهم بمختلف أنواع الأسلحة، فضلًا عن المشاركة الفعلية، عن طريق إرسال حاملات طائرات إلى المنطقة، وتهديد الدول العربية، ومنعها من تقديم أي دعم حتى الماء، والغذاء، لأهالي غزة، كذلك توجيه ضربات إلى دول قدمت مساعدات إلى غزة، مثل اليمن، ولبنان، وإيران، واستمر الدعم غير المحدود للكيان الإسرائيلي، على الرغم من المجازر التي ارتكبت ضد المدنيين، ومنع كل المساعدات الإنسانية عنهم، وإعطائه الضوء الأخضر في توجيه ضربات لقادة المقاومة الفلسطينية في قطر، ولبنان. إنَّ تصريحات الرئيس الأمريكي (ترامب) تناقض أفعاله، في العديد من المحطات التي مرت بها حرب غزة، وعلى الرغم من وقف إطلاق النار في لبنان، على أساس قرار (1701)، إلا أنَّ الكيان الإسرائيلي لم يلتزم بها، واستمر في توجيه ضربات جوية، واحتلال أراضٍ في جنوب لبنان، كذلك تدخل القوات الإسرائيلية في سوريا، والمنطقة.

إلا أنَّ الرئيس الأمريكي (ترامب)، أعلن في (29) أيلول (2025)، خطة مفصلة من عشرين نقطة، تدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، وببرنامج شامل لإعادة الإعمار، وتنظيم إدارة القطاع، والوضع الأمني فيه، ومن أبرز نقاطها نزع سلاح المقاومة، لمنع قيام أي تهديد لإسرائيل، وإعادة الإعمار، ووقف إطلاق النار فورًا، وانسحاب القوات الإسرائيلية إلى نقاط متفق عليها، من أجل إطلاق سراح كل الأسرى الإسرائيليين، الأحياء، والأموات، وتطلق إسرائيل سراح (250) أسيرًا فلسطينيًا محكومًا بالمؤبد، فضلًا عن (1700) من سكان غزة، الذين اعتُقلوا بعد (7) تشرين الأول (2023)، ومنح أعضاء حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، الذين يلتزمون بالتعايش السلمي، والتخلي عن أسلحتهم، عفوًا عامًا، أمَّا من يرغب منهم في مغادرة غزة، فسيوفر لهم ممرات آمنة، وإرسال المساعدات بشكل فوري إلى قطاع غزة عبر معبر رفح، وتوزع عن طريق الأمم المتحدة، ووكالاتها، والهلال الأحمر، فضلًا عن مؤسسات دولية أخرى، ليست مرتبطة بأي شكل من الأشكال بأحد الطرفين، وتأهيل البنية التحتية من المياه، والكهرباء، والصرف الصحي، والمستشفيات، والمخابز، وإدخال المعدات اللازمة لإزالة الركام، وفتح الطرق، وإدارة غزة عبر حكومة انتقالية مؤقتة، تتكون من لجنة تكنوقراط فلسطينية غير سياسية، وسيقود الهيئة، ويترأس اجتماعاتها الرسمية، الرئيس ترامب، مع أعضاء، ورؤساء، دول آخرين، منهم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، ويسمح للسكان للذين يرغبون في الخروج من غزة، والعودة إليها، أخذ ضمان من شركاء إقليميين، لضمان التزام حماس، والفصائل الأخرى، بعدم تهديد أمن إسرائيل، وتطوير قوة استقرار دولية مؤقتة، لنشرها فورًا في غزة، وتوفير الظروف لمسار ذي مصداقية نحو تقرير المصير الفلسطيني، وإقامة الدولة، وهو ما يعترف به طموحًا للشعب الفلسطيني. وقد وافقت حركة حماس، وإسرائيل، على هذه المبادرة بشكل إيجابي، وسط ترحيب دولي.

إنَّ هذه المبادرة وما احتوته من نقاط، تبين أنَّ إسرائيل، والولايات المتحدة الأمريكية، وعلى الرغم من كل الجرائم التي ارتكبت في غزة، من قتل، وتهجير، ومنع الماء، والغذاء، وتدمير البنية التحتية، من مستشفيات، ومدارس، وجوامع، فإنَّ الانتصار في هذه المواجهة عسكريًا، وإنهاء حماس، وصل إلى طريق مسدود، وظهور القضية الفلسطينية مرة أخرى إلى العلن، بعد أن كادت أن تنسى، وتغيّر الموقف الدولي تغيرًا كبيرًا، عن طريق الاعتراف بدولة فلسطين، من قبل عدد كبير من دول العالم، ولاسيَّما من الدول الأوربية حلفاء أمريكا، وإسرائيل، وخروج احتجاجات في الدول الاوربية، وأوقفت بعضها دعم إسرائيل عسكريًا، وصدور قرار من محكمة العدل الدولية، بإلقاء القبض على رئيس وزراء الكيان الاسرائيلي، وبعض وزرائه، لارتكابهم جرائم حرب. لقد تعرضت إسرائيل لانتكاسة أخلاقية غير مسبوقة على مستوى العالم، وتراجع علاقاتها الدولية، وهو ما جعلهم يبحثون عن خطط جديدة، من أجل تحقيق أهدافهم في غزة. هنا كانت مبادرة الرئيس الأمريكي (ترامب)، والتي أصبحت لهم طوق النجاة. وعلى الرغم من أنَّ البعض نظر إلى بنود المبادرة، على أنَّها استسلام من قبل حماس، وأنَّها سوف تنهي المقاومة الفلسطينية في غزة، وتنزع السلاح، وأنَّها كانت لصالح إسرائيل، إلا أنَّ ما يمكن ملاحظته أنَّ رد حماس كان ذكيًا للغاية، وأنَّهم جعلوا مصلحة الشعب الفلسطيني فوق الاعتبارات الأخرى، فقد أعلنت الحركة أنَّ إدارة قطاع غزة، وتشكيل سلطة سياسية فيه، يعود إلى الشعب الفلسطيني، وهو صاحب الشأن فيه، وهو من يقرر طريقة الحكم، وشكله، كذلك أنَّ تسليم الأسرى الإسرائيليين سوف يتم دفعة واحدة، بعد تنفيذ انسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع، ذلك أنَّ المطالبة بتسليم حماس سلاحها، هو مطلب رفضته الحركة أكثر من مرة، فضلًا عن أنَّ أغلب سلاحها هو محلي الصنع، ومن النوع الخفيف، أي إنَّ تسليمه ليس مشكلة لحماس، وإنَّ أغلب الانفاق هي انفاق سرية لا يمكن الوصول إليها، كذلك تأكيد حماس على إقامة الدولة الفلسطينية، هو إعلان مهم جدا، وهو ضمن نقاط المبادرة. إنَّ موافقة حركة حماس على الخطة، من دون التنازل عن الثوابت الوطنية، يعني أنَّها اختارت التجاوب الإيجابي، مع الإطار العام للخطة، بدلاً من الرفض المباشر، ما نقل الضغط نحو الاحتلال، وأظهرها كطرف يسعى إلى وقف الحرب، وإنَّ تمسكها بالثوابت، وعلى رأسها وقف شامل لإطلاق النار، وانسحاب كامل لقوات الاحتلال من القطاع، وعودة النازحين دون شروط، وإعادة الإعمار، وكسر الحصار، هي أساس أي مفاوضات مستقبلية. ركز البيان بذكاء على الوفاق الوطني الفلسطيني، لاسيَّما في اليوم التالي لإدارة غزة، ويجعل قضية غزة إلى حد ما قضية وطنية لجميع الفلسطينيين، وليس موقفًا داخليا خاصا بحركة حماس، واعتبار غزة، ومستقبلها، شأناً لجميع الفلسطينيين، لإضفاء الطابع الشامل على إجراءات حماس، وسياساتها، بوصفها سياسة، واستراتيجية، عربية – فلسطينية. إنَّ ما تبحث عنه حماس، وفصائل المقاومة، هو سلام يحقق تطلعات الشعب الفلسطيني، ومنع أي عمليات إبادة من جانب أمريكا، وإسرائيل، ضده، كذلك استثمار الموقف الدولي الداعم للشعب الفلسطيني، وإقامة دولته، وعاصمتها القدس الشريف، ولو كانت الموافقة على المبادرة الأمريكية، استسلامًا كما يظنَّها البعض، لما بقيت غزة، وحماس، صامدة لهذه المدة من القتال، وتقديم التضحيات. إنَّ حماس تدرك المأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في غزة، من قتل، وإبادة، وتهجير، وجوع، وهي سياسات صهيونية متعمدة، من أجل لي ذراع فصائل المقاومة، ولكن أثبتت الأيام أنَّ الشعب الفلسطيني لم يتخلَ عن المقاومة، وكان يقدم التضحيات بنفس أبية، ويقف أمام الجوع، والقهر، بثبات دون خوف، لهذا فإنَّ موافقة حماس، كانت من أجل إحقاق الحقوق الدولية للشعب الفلسطيني.