
م.م أثير مكي عبد علي/ قسم الدراسات السياسية
مقدمة
تُعدّ شركة هاليبرتون (Halliburton) واحدة من أكبر شركات الخدمات النفطية والهندسية في العالم، وظهرت بصورة بارزة خلال حرب العراق (2003 وما بعدها) بوصفها متعاقدًا رئيسيًا مع القوات الأمريكية والسلطات الانتقالية التي تلت الغزو. وقد أثارت عقودها في العراق جدلاً واسعًا حول أسلوب منح العقود (بما في ذلك عقود من دون مناقصة)، والمبالغات في الفواتير، وعلاقات المصالح السياسية، وتأثير هذه الممارسات على موارد الدولة العراقية وموازناتها. (The New Yorker)
السياق: كيف دخلت هاليبرتون سوق العراق؟
بعد غزو 2003َ تشكّلت سلطات احتلال وإدارة انتقالية تولّت مسؤولية إدارة موارد العراق لفترة مؤقتة، ومن ثم توقيع عقود إعادة الإعمار وإدارة النفط والبنية التحتية. استغلت شركات أمريكية عدة هذا الفراغ الإداري والتعاقدي. هاليبرتون، وبالأخص شركتها الفرعية آنذاك KBR (Kellogg Brown & Root)، حصلت على عقود ضخمة لتوريد الوقود وخدمات اللوجستيات وإصلاح المنشآت النفطية، وأُشير إلى إن جزءًا من تمويل هذه العقود جرى دفعه من أموال عراقية متاحة (صناديق مؤقتة) وليس فقط من ميزانيات المساعدات الأميركية . (The Washington Post)
ادعاء محوري موثق: ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن نحو 1.9 مليار دولار من أموال العراق ذهبت إلى مقاولين أمريكيين، منها مبلغ كبير تلقّته شركة مرتبطة بهاليبرتون (KBR) مقابل توريدات الوقود وغيرها. (The Washington Post)
أشكال العقود وأنماط المحاسبة
النوعان الأبرز من العقود اللذين صادفا عراق ما بعد 2003 هما:
1. عقود الخدمات اللوجستية الواسعة (مثل LOGCAP) التي تديرها وزارة الدفاع الأمريكية وتمنح أوامر تنفيذ ضخمة.
2. عقود إعادة تأهيل حقول النفط ومرافق التكرير التي أُعطيت لشركات متعددة عبر سلطات احتلال مع توزيع جغرافي ومجالي شكاوى الرقابة تضمنت نقاط ضعف إشرافية حول منح العقود بدون منافسة، وضعف تدقيق الفواتير، واعتماد سلاسل تعاقدية فرعية مع شركات وسيطة مكلفة، و تقارير مفصّلة من منظمات وصحف تحقيقية وثّقت حالات «تضخيم فواتير» وسوء إدارة ونفقات مبالغ فيها . (www2.law.umaryland.edu)
من ربح فعلاً؟ أرقام ومبالغ
- تقارير حكومية وصحفية وصفت أن عقود الشركات الأمريكية في العراق بلغت عشرات المليارات خلال السنوات الأولى من الاحتلال، وإن هاليبرتون/كِيه بي آر كانت من أكبر المستفيدين، إذ ارتفعت قيمة عقودها بشكل حاد في 2003–2004. (icij.org)
- صحيفة واشنطن بوست أشارت صراحة إلى 1.9 مليار دولار ذهبت إلى مقاولين أمريكيين من أموال العراق، منها حصة كبيرة ذهبت إلى KBR لتوريد الوقود. (The Washington Post)
- تحليلات لاحقة أظهرت أن الدفعات، والإيرادات، والأرباح لهذه الشركات تشكّل نسبة معتبرة من نشاطها السنوي؛ ففي 2003 مثلاً سجّلت هاليبرتون أرباحًا وارتفاعًا في إيراداتها بفضل عقود الحكومة الأمريكية. (The Washington Post)
أثر هذه العقود على موارد العراق وموازنته
1. تحويل أموال عراقية إلى عوائد شركات أجنبية: بحسب التقارير، ذهبت مبالغ من صناديق عراقية مؤقتة إلى شركات أمريكية لتغطية خدمات أساسية — وهو ما أثار نقاشًا حول ما إذا كانت هذه المدفوعات تمثّل «استنزافًا» مباشرًا للموارد الوطنية أم دفعًا مقابل خدمات ضرورية أثناء إدارة انتقالية. (The Washington Post)
2. تكاليف إعادة الإعمار مقابل الفساد والهدر: بعض الوثائق والرافعات القضائية أشارت إلى إن جزءًا من الأموال قد أُنفِقَ بكفاءة منخفضة نتيجة لأساليب التعاقد الضعيفة وغياب الشفافية، ما أدّى إلى خسارة محتملة لفرص استثمارية محلية وتقليل قيمة ما استفادته الدولة العراقية من العائدات. (Policy Archive)
3. الآثار طويلة الأمد: اعتماد الحكومات المؤقتة على مقاولين أجانب لمهام تشغيلية أساسية أعاق بناء قدرات مؤسساتية عراقية وأضعف الاستفادة المحلية من اتفاقيات إعادة الإعمار، الأمر الذي يمكن عدّه واحدًا من أشكال «تكلفة الفرصة» على المدى المتوسط والطويل. (www2.law.umaryland.edu)
مناقشة نقدية: هل كل الربح يُعدّ فسادًا؟
من المهم التفريق بين: (أ) أرباح/عوائد مشروعة لقاء خدمات منصوص عليها في عقود، و(ب) مبالغ ناتجة عن ممارسات فاسدة أو منحت بدون منافسة، أو بممارسات تضليلية. الوثائق تظهر أن كلا الحالتين وُجدتا: عقود مشروعة بمبالغ كبيرة، وفي الوقت نفسه شواهد على ممارسات مشبوهة وتجاوزات رقابية، لذا وصف كل ربح بـ«فساد» تبسيط مخل؛ لكن وجود حالات فساد وهدر يؤكد وجود تأثير ضار على الموارد الوطنية العراقية . (The New Yorker)
توصيات لمساءلة واحتواء الاستنزاف
1. نشر قواعد شفافة للمشتريات، ودعوة شركات دولية، ومحلية للمنافسة في عقود إعادة الإعمار. (Policy Archive)
2. إجراء مراجعات محاسبية مستقلة لعقود ما بعد الحرب، لتحديد الدفعات الموجهة من أموال عراقية وتفاصيلها. (EveryCRSReport)
3. تعزيز القدرة المؤسسية المحلية لتقليل الاعتماد على مقاولي طرف ثالث للمهام التشغيلية الأساسية. (www2.law.umaryland.edu)
4. متابعة قضائية دولية ومحلية لحالات الفساد المثبتة، واسترداد أي مبالغ يمكن إثبات تبديدها أو دفعها نتيجة ممارسات غير قانونية. (Reuters)
خاتمة
قصة هاليبرتون في العراق تمثل مثالًا مركبًا عن كيفية استفادة شركات كبيرة من أوضاع الصراع والتحول السياسي، وعن حدود الرقابة والمساءلة في بيئة طارئة. بينما حققت الشركة وأشباهها أرباحًا ضخمة — أحيانًا مقابل خدمات ضرورية — فإن الأدلة تشير أيضًا إلى ممارسات رقابية مشكوك فيها، وأساليب منحت مزايا جعلت جزءًا من موارد العراق يذهب إلى جهات خارجية بأكثر مما قد يكون مطلوبًا أو مسوغًا، والتحليل الدقيق والفصل بين أرباح مشروعة وممارسات فاسدة يظلّ شرطًا أساسيًا لأي مساءلة عادلة، ولتصميم سياسات منع تكرار هذه التجربة في المستقبل.
قائمة المراجع والمصادر
1. Cha, Ariana Eunjung. “$1.9 Billion of Iraq’s Money Goes to U.S. Contractors.” The Washington Post, 3 Aug. 2004. (The Washington Post)
2. “Halliburton Gets More Iraq Work.” The Washington Post, 16 Jan. 2004. (The Washington Post)
3. “Halliburton Reports $85 Million Profit From Iraq Operations.” The Washington Post, 9 Mar. 2004. (The Washington Post)
4. “Contract Sport.” The New Yorker, 16 Feb. 2004. (The New Yorker)
5. “Halliburton to pay $559 million to settle bribery probe.” Reuters, 26 Jan. 2009. (Reuters)
6. “Halliburton contracts balloon.” ICIJ / The Center for Public Integrity, 2012. (icij.org)
7. “War Profiteering And Halliburton.” Global Policy Forum (archive), May 2003. (archive.globalpolicy.org)
8. “Defense Contracting in Iraq: Issues and Options for Congress.” CRS Report, May 2008. (www2.law.umaryland.edu)
9. “Documents reveal concern regarding Halliburton contracts.” ICIJ, 12 Mar. 2012. (icij.org)
10. Vanity Fair features and investigations (2005, 2007) — تقارير استقصائية عن تعاملات KBR وهاليبرتون ومبلّغين عن فساد. (vanityfair.com)
11. “Iraq to sign deal with Halliburton to develop Nahr Bin Omar oilfield – BOC manager.” Reuters, 16 Jan. 2025. (للاطلاع على التطورات الحديثة حول أنشطة هاليبرتون في العراق). (Reuters)
12. تقارير ومراجعات إضافية: تقارير SIGIR، تقارير المراجعة المالية الدولية، وملفات مركز Business & Human Rights. (EveryCRSReport)




