
م.م علي حمد عاجل
قسم الدراسات السياسية
تمثل الانتخابات في العراق مظهرًا من أبرز مظاهر التحول الديمقراطي بعد عام 2003، إذ أصبحت آلية رئيسة لتشكيل السلطة السياسية، والتعبير عن الإرادة الشعبية. إلا إن سلوك الناخب العراقي ما يزال متأثرًا بالكثير من العوامل المتشابكة، تتداخل فيها الانتماءات الدينية والطائفية والعشائرية مع الظروف الاقتصادية والسياسية.
إن فهم هذا السلوك الانتخابي يُعدّ ضرورة لفهم طبيعة النظام السياسي العراقي، ومسار تطوره الديمقراطي، وحدود المشاركة الشعبية في صنع القرار.
من هذا المنطلق فإنّ سلوك الناخب العراقي يتأثر بدرجة كبيرة بالانتماءات الدينية والعشائرية، والمصالح السياسية الضيقة أكثر من تأثره بالبرامج الانتخابية أو الأداء الحكومي، مما يحدّ من تطور الوعي الديمقراطي الفعّال.
ولفهم العلاقة بين الدين والمجتمع والسياسة في بناء القرار لدى الناخب، علينا النظر إلى التفاعل بين ثلاث منظومات أساسية: المنظومة الدينية، والمنظومة الاجتماعية، والمنظومة السياسية، وكل منها يمارس تأثيرًا متبادلاً في توجيه اختيارات الناخب وسلوكه.
أولاً: الدين كعامل مؤثر في القرار الانتخابي
يُعد الدين واحدًا من أكثر العوامل تأثيرًا في المجتمعات العربية، ولا سيما في العراق، إذ يشكل الانتماء المذهبي والديني جزءًا من الهوية الفردية والجماعية. وتأثير الدين من الناحية النفسية يمنح الناخب شعورًا بالانتماء واليقين الأخلاقي، فيتجه نحو مرشح أو حزب يرى أنه يمثل قيمه الدينية ، ومن الناحية الاجتماعية تتألف جماعات انتخابية حول بعض الرموز الدينية ، مما يخلق ما يُعرف بـ (التصويت الطائفي أو الهويّاتي)، في حين إن تأثيره من الناحية السياسية يبرز في توظيف بعض الأحزاب الخطاب الديني لكسب الشرعية الشعبية، أو لتسويغ مواقفها السياسية و إضفاء قبول رسمي عليها.
ثانيًا: المجتمع بوصفه المسرح للسلوك الانتخابي
المجتمع العراقي يتميز بتنوعه القبلي والمناطقي والمذهبي، الإمر الذي يجعل الانتماء الاجتماعي واحدًا من المحددات الجوهرية لتوجه الناخب.
فالعشيرة والعائلة تلعب دورًا في توجيه الأصوات، إذ يشعر الأفراد بالولاء للجماعة أكثر من التوجه نحو البرامج السياسية.
والبيئة الاقتصادية والتعليمية تؤثر بدورها؛ فكلما ارتفع مستوى الوعي والتعليم، قلّ تأثير الانتماءات الضيقة، وزادت القدرة على التمييز بين الخطاب الوطني والطائفي.
ثًالثًا: السياسة كإطار منظم للعلاقة بين الدين والمجتمع
النظام السياسي في العراق يقوم على التعددية الحزبية، لكنّه ما يزال متأثرًا بالهويات الدينية والطائفية التي تُترجم إلى تحالفات انتخابية.
والدين هنا لا يعمل بمعزل عن السياسة، بل يدخل في تفاعلاتها عبر الأحزاب ذات الصبغة الدينية.
في المقابل، تسعى بعض التيارات المدنية إلى فصل الدين عن القرار السياسي، لتأسيس دولة المواطنة لا دولة الطائفة.
من خلال الانتخابات، يتجلّى هذا الصراع بين الخطاب الديني التي توظفه الأحزاب الدينية لاستقطاب الناخبين، والخطاب المدني الذي يدعو إلى تجاوز الولاءات المذهبية لصالح البرامج الوطنية.
اذن، العلاقة بين الدين والمجتمع والسياسة في عملية اتخاذ القرار الانتخابي في العراق هي علاقة تفاعلية معقدة:
فالدين يمنح المضمون القيمي والرمزي، و المجتمع يوفّر الإطار الهويّاتي والسلوك الجمعي، في حين إن السياسة تحدد الآلية المؤسسية لتوظيف هذا التفاعل في صناديق الاقتراع.
وبهذا يمكن القول إن العملية الديمقراطية في الوطن العربي بشكل عام– إن وجدت-، والعراق بشكل خاص رهينة للعوامل الثلاثة الدينية الاجتماعية والطائفية.




