من غزة إلى الفاشر … جرائم مستمرة وصمت عربي مطبق

      التعليقات على من غزة إلى الفاشر … جرائم مستمرة وصمت عربي مطبق مغلقة

أ.م.د. حمد جاسم محمد

باحث في قسم إدارة الأزمات

مركز الدراسات الاستراتيجية / جامعة كربلاء

تشرين الثاني/ 2025

 

بعد أحداث (7) أكتوبر (2023) في غزة، وما تلاها من حرب طاحنة، وإبادة جماعية، ضد شعب أعزل قوته الوحيدة إرادته، وصبره، ومقاومته الأبية. إذ ارتكب الكيان الصهيوني المحتل، بمساعدة، ودعم عسكري، ومادي، ومعنوي، غير مسبوق من الإدارة الأمريكية، أبشع الجرائم، من قتل، وتهجير، ونسف للمنازل، وإعدام الأسرى، وتدمير البنى التحية، من محطات مياه، وصرف صحي، ومستشفيات، ومدارس، ودور عبادة. استمرت هذه الأعمال لمدة سنتين كاملتين، لم تجرؤ أي دولة عربية، على أن تقدم أي مساعدة إلى أهالي غزة، أو تعترض على الأعمال الوحشية الصهيونية الأمريكية. وأكثر من ذلك، قدمت دول الخليج العربية ما يقدر بأكثر من (4) ترليون دولار، لإدارة الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب). لم تأتِ المساعدات، والمواقف، سوى من دول بينها، وبين فلسطين، آلاف الكيلو مترات، مثل: دول المقاومة، وفصائلها في المنطقة، ودولة جنوب إفريقيا، التي قدمت إلى محكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية، ما يثبت ارتكاب الكيان الصهيوني لجرائم حرب، وإبادة في غزة، وهو ما ساعد على إصدار مذكرات توقيف، بحق رئيس وزراء العدو (بنيامين نيتياهو)، وبعض وزرائه. ثمَّ جاء اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، والذي كان لضغط المقاومة، وفشل العدو في تحرير أسراه، والتكاليف الباهظة للحرب، ان يوافق العدو مع الولايات المتحدة على وقف إطلاق النار، في صفقة في قمة شرم الشيخ (8) تشرين الأول (2025)، شملت إطلاق سراح أسرى الكيان الصهيوني، مقابل وقف إطلاق النار، وإطلاق أسرى فلسطينيين، وتشكيل قوة، وإدارة دولية في غزة، ودخول المساعدات. إلا أنَّ الانتهاكات الصهيونية ما زالت مستمرة ضد أهالي غزة.

بعد أحداث غزة، جاءت أحداث مدينة الفاشر السودانية، فالأحداث في السودان، والتي بدأت في الخامس عشر من نيسان (2023)، بين القوات المسلحة السودانية، وقوات الدعم السريع، هي الأخرى تمَّ تحريكها بأيادٍ خارجية. وعلى الرغم من أنَّها أسبق من أحداث غزة بعدة أشهر، إلا أنَّ ما جرى في مدينة الفاشر، التي دخلتها قوات الدعم السريع في (26) تشرين الأول (2025)، بعد حصار استمر لمدة (18) شهرًا، وما ارتكبته هذه القوات من قتل، وحرق الجثث، وتنكيل، وارتكاب المحرمات، تفوق الوصف. فقد جاء دخول المدينة، وانسحاب الجيش السوداني منها، بعد أيام من عقد اتفاق غزة، وهو مؤشر على وجود تواطئ، وتعاون جهات عربية، مع الولايات المتحدة الأمريكية، والكيان الصهيوني، وذلك للفت الأنظار بعيدًا عن غزة، واتفاق وقف إطلاق النار، وتسليط الضوء على أحداث أخرى في المنطقة، ولاسيَّما في السودان. فمع التزام حماس بشروط وقف إطلاق النار بشكل كامل، إلا أنَّ الكيان الصهيوني ما زال ينتهكه بحجج واهية، وأصبح الإعلام بعيدًا عن غزة، وأصبحت القضية الفلسطينية ثانوية لأحداث المنطقة، بعد أن كانت تتصدر صفحات الصحف، وشاشات الإعلام. إنَّ استمرار الجرائم في غزة، والفاشر، وبشكل مأساوي، يقابله صمت عربي مطبق، بل وصل الأمر إلى أنَّ أغلب الدول العربية، أصبحت تتجه نحو الانضمام إلى اتفاقات ابراهام، وبعضها اتجه وبشكل سريع جدا، من العَداء لأمريكا، والكيان الصهيوني، إلى إقامة صداقة، وتعاون عسكري، إذ أعلن عن وجود اتفاق سوري أمريكي، بإقامة قاعدة عسكرية أمريكية في دمشق، وهو تحول لم تشهده علاقات الدولتين من قبل. كذلك وجود دعم خليجي واضح للمشاريع الأمريكية في المنطقة، والذي يستهدف أي مقاومة أو دولة معادية لهذه المشاريع، ودعمها عن طريق الإعلام أو الدعم المادي المباشر، والوقوف مع الولايات المتحدة ضد فصائل، ودول المقاومة. أصبح الصمت العربي اليوم غير مسوغ، وأعطى ذريعة للولايات المتحدة، والكيان الصهيوني، ليستمروا في جرائمهم ضد الشعوب العربية.