تكامل المنهاج الوزاري مع البرنامج الحكومي والبرنامج الوزاري.. منظور قانوني – اداري في بناء الدولة

      التعليقات على تكامل المنهاج الوزاري مع البرنامج الحكومي والبرنامج الوزاري.. منظور قانوني – اداري في بناء الدولة مغلقة

    م. د سندس الطريحي/ قانون اداري

 مركز الدراسات الاستراتيجية- جامعة كربلاء

           11-12-2025

      إن من أهم مقومات الحكم الرشيد في الدولة الحديثة هو وضوح العلاقة بين المنهاج الوزاري، مع البرنامج الحكومي، والبرنامج الوزاري، فالمنهاج يوفر الرؤية، في حين إن البرنامج الحكومي يقدم الإطار الاستراتيجي التنفيذي، بينما يترجم البرنامج الوزاري هذه الاستراتيجية إلى أرض الواقع بهيئة إجراءات عملية ملموسة، وبهذه العلاقة وهذا الترتيب يتحقق الانسجام بين السياسة والتخطيط والتنفيذ، فتبنى دولة قادرة على الإنجاز، وعلى الاستجابة للتحديات التنموية المعقدة في عالم سريع التغير. تعد منظومة التخطيط الحكومي في الدول الحديثة عملية مركبة تتداخل فيها الرؤية السياسية مع الآليات التنفيذية، وتتجسد عبر ثلاث وثائق مركزية تمثل العمود الفقري للعمل الحكومي، وهي المنهاج الوزاري، والبرنامج الحكومي، والبرنامج الوزاري بالرغم من تشابهها ظاهريًا، إلاّ إنها مختلفة في الوظيفة القانونية والدور الإداري، ومختلفة بالنطاق الزمني والتفصيلي، مما يتطلب فهم العلاقة بينهم للوصول للحوكمة الرشيدة وتحقيق التنمية المستدامة، فالمنهاج الوزاري (وثيقة الرؤية ، والسياسات العامة) إذ يمثل الاطار السياسي- الاستراتيجي الذي يُقدمه رئيس مجلس الوزراء إلى مجلس النواب عند تأليف الحكومة، ويستمد أهميته القانونية بوصفه شرطًا لنيل الثقة، وأداة لتحديد الاتجاهات الكبرى للدولة في الأمن والاقتصاد والحوكمة والخدمات، ويتميز المنهاج بأنه وثيقة رؤية لا تتضمن تفاصيل تنفيذية أو جداول زمنية، بل تضع المبادئ والأولويات العامة الملزمة للحكومة خلال دورتها التقويمية، فهو يُعد بمثابة المنهاج الفكري والسياسي التي تُبنى عليه الخطط اللاحقة.

      أمّا البرنامج الحكومي(تحويل الرؤية إلى خطة تنفيذ وطنية)، فهو المستوى الثاني والأوسع والأكثر حيوية في سلسلة الوثائق الحكومية ، فهو الخطة التنفيذية الشاملة التي تعدها رئاسة الوزراء استنادًا إلى المنهاج الوزاري وتغطي هذه الخطة قطاعات الدولة كافة لا وزارة بعينها، ويتضمن عناصر تنفيذية واضحة مثل المشاريع الوطنية ذات الأولوية ويتطرق إلى توزيع الموارد والنطاق المالي ومؤشرات الأداء والجداول الزمنية وآليات المتابعة والتقييم، فهو يتحول بذلك من البرنامج الحكومي إلى عقد تنفيذي بين الحكومة والمجتمع، وبهذا  يعد مقياسًا لمدى التزام الحكومة بالمنهاج الوزاري، ومدى قدرتها من عدمها على ترجمة الوعود إلى نتائج ملموسة مطبقة أو تطبق على أرض الواقع ، وأما البرنامج الوزاري (الخطة القطاعية لكل وزارة) فهو الحلقة التنفيذية المتخصصة، إذ تقوم كل وزارة بإعداد خطتها القطاعية الخاصة، بما ينسجم مع البرنامج الحكومي، وتحتوي مشاريعها وأولوياتها مع مؤشرات الأداء الخاصة بها وارتباطها بالموازنة السنوية والخطة الاستثمارية، فهي تمثل وثيقة تقنية- إدارية معتمدة على البيانات، والقدرات المؤسسية، والاحتياجات الفعلية لكل قطاع، وهو الأساس الذي من خلاله يتم المساءلة للوزير وفريقه التنفيذي بوصفه الأقرب للواقع  الإداري اليومي، فعند مشاهدة هذه الوثائق من منظور قانوني – إداري فهي تشكل سلسلة تراتبية تبدأ بالرؤية وتنتهي بالتنفيذ( المنهاج الوزاري يحدد الاتجاه والغايات، والبرنامج الحكومي يحدد الاتجاه إلى خطة وطنية قابلة للقياس ثم البرنامج الوزاري يترجم الخطة الوطنية إلى إجراءات محددة فهو يشبه تسلسل السياسات العامة في الدول المتقدمة، فتتدرج العملية من رؤية إلى استراتيجية ثم خطة تنفيذية لضمان وضوح المسؤوليات وتحديد المتوقع من كل جهة حكومية، و بناء على ما ذكر فيمكن التفريق من خلال تعزيز مبادئ الشفافية مع وضوح الالتزامات الحكومية امام البرلمان، مما يسهل المساءلة من خلال تحديد الجهة التي تتحمل مسؤولية الإخفاق، وبالتالي تحدد الكفاءة الإدارية عبر ربط الخطط بالموازنات ومؤشرات الأداء، مما يؤدي إلى الاستقرار السياسي من خلال منع التضارب بين الوعود الانتخابية والمسارات التنفيذية الأمر الذي يسهل على الباحثين والجهات الرقابية متابعة سلسلة الإنجاز الحكومي والوقوف مدى نجاح أو إخفاق الحكومة عبر أدوات منهجية علمية في مدى الوصول للأهداف، و لكل ما تقدم يمكن القول إنه لابد من معالجة القصور التشريعي في نقص التشريعات التي تنظم أدوات التخطيط الاستراتيجي، إذ تفتقر المنظومة القانونية إلى قوانين خاصة بالتخطيط الوطني تفرض على كل حكومة صياغة منهاج يستند إلى خطط طويلة الأمد، مما يخلق انقطاعًا بين المنهاج الوزاري والدستور الاقتصادي والتنفيذي للدولة، وهذا يؤثر على مبدأ استمرارية المرفق العام ، و غياب آليات إلزامية للمتابعة والتقييم إذ لا وجود لنصوص قانونية ملزمة تفرض على الحكومة تقديم تقارير فصلية أو سنوية عن تنفيذ المنهاج الوزاري، مما يجعل المساءلة البرلمانية غير فعّا،لة وهذا يضعف مبدأ الشفافية والمساءلة، فضلا عن إن تشريع قوانين متخصصة بالبيئة تدمج التحول الرقمي وبعض تطبيقات الذكاء الاصطناعي كمحور تشريعي للمنهاج الحديث الذي يتضمن تشريعات تتعلق بالذكاء الاصطناعي لتعزيز الثقة بين المواطن والحكومة، بوجود أولويات محددة وشفافة وقابلة للقياس ترسخ العلاقة والثقة المتبادلة، وكل ما تقدم هو لحرص الحكومة على الوفاء بما تعد به شعبها.