تقديم
في الثاني من آب سنة 1990 وقع صدام حسين رئيس النظام العراقي –آنذاك-بخطأ جسيم نتيجة التقدير السيء للحسابات الإقليمية والدولية في منطقة الخليج العربي، عندما اتخذ قرارا متهورا باجتياح الكويت، فكانت عواقب هذا القرار كارثية على العراق والعرب وعموم منطقة الشرق الأوسط، وما زالت هذه العواقب مستمرة على الرغم من مرور 29 سنة على حصول الاجتياح.
ان منطقة الخليج العربي هي منطقة عالية الحساسية للشعوب القاطنة فيها وللعالم، بحكم موقعها الجغرافي الحيوي، وحجم ثرواتها الضخمة لاسيما النفط والغاز، وارثها التاريخي، وطبيعة الصراعات التي تدور على ساحتها… ولا يمكن لمنطقة بهذه الأهمية ان تُترك قراراتها وقواعد اللعبة الإقليمية والدولية فيها رهنا بالمواقف المستعجلة وغير الحكيمة لقادتها وللقوى الفاعلة فيها، فالتهور والقرارات غير المدروسة نتائجها وخيمة على الجميع، ويكفي لإدراك قيمة هذه المنطقة انها في الدراسات الاستراتيجية الحاضرة تعد واحدة من بين خمسة مناطق في العالم مهيئة لإشعال فتيل الحرب العالمية الثالثة، بل وأكثرها ترجيحا.
وفهم ما يجب ان تكون عليه سياسات القيادات الشرق الأوسطية، ومواقف القوى الإقليمية والدولية، والتحالفات والتوازنات في الخليج العربي، وآلية حسم النزاعات والصراعات القائمة، وقواعد اللعبة الأفضل لمصالح الجميع يقتضي ان تبذل الحكومات والمنظمات الإقليمية والدولية وجميع القوى المؤثرة من خلال مؤسساتها الاستشارية والأكاديمية ومراكز البحوث والدراسات جهودا مكثفة ومركزة حول سبل الحفاظ على السلام في هذه المنطقة، وادامة السلام بكافة السبل الممكنة، ومهما يقتضيه الحال من جهود وتضحيات لتحقيق هذا الهدف، وان يكون محور قواعد اللعبة ربح الجميع ولا ترتكز على مباراة صفرية تجعل ما يربحه طرف او اطراف محددة خسارة تامة لطرف او اطراف أخرى، كما لا ترتكز على احكام مسبقة في الصداقة والعداوة، فوجود مثل هذه الاحكام يدل على ضعف الحكمة واستحكام العاطفة في علاقات دولية تحكمها المصالح لا العواطف.
لقد دفع الإحساس بخطورة الأوضاع في منطقة الخليج العربي، والادراك التام لأهميتها الاستراتيجية على الامن الوطني العراقي أولا، وعلى امن جميع بلدانها الإدارة والباحثين في مركز الدراسات الاستراتيجية في جامعة كربلاء الى إعطائها الاهتمام الذي تستحقه في الدراسات والخطط البحثية المقررة سنويا، فكان واحدا من الفعليات العلمية التخصصية هو عقد مؤتمر دولي يومي الرابع عشر والخامس عشر من شهر تشرين الثاني-نوفمبر 2018 تحت عنوان (مستقبل مجلس التعاون الخليجي وتأثيره على الامن القومي العربي في ظل التحديات الراهنة)، وعلى مدار يومي المؤتمر تنافس الباحثون من العراقيين والعرب على تقديم بحوثهم واوراقهم البحثية التي تجاوزت الخمسين لعرض تصوراتهم الدقيقة والعلمية حول الموضوع.
ان التركيز على مجلس التعاون الخليجي في المؤتمر ينطلق من إدراك ان هذا التجمع العربي المهم يشكل ركيزة أساسية في حماية أمن الخليج، والامن القومي العربي، وليس من مصلحة أحد زعزعة أسس التعاون بين أعضائه، بل الضرورة تقتضي تمتين العلاقات بين اطرافه، وانفتاحه لقبول أعضاء آخرين، فالخليج بحاجة الى استراتيجية جماعية للأمن، والسياسات الفردية مصيرها الفشل ما لم تتكامل مع سياسات الامن الإقليمي والدولي في المنطقة. وان للعراق مصلحة حيوية في تحقيق أمن واستقرار جواره الخليجي كجزء لا يتجزأ من أمنه واستقراره لتحقيق مصالحه العليا.
وفي هذا الكتاب بأجزائه الثلاثة نضع مجمل البحوث المشاركة في المؤتمر، لتكون مرجعا وقاعدة بيانات، لصناع القرار، والباحثين، والمؤسسات ذات العلاقة عسى أن تستفيد من الاطروحات الواردة فيها، للمساعدة في إيجاد رؤية استراتيجية لأمن خليجي شامل.
الأستاذ الدكتور
خالد عليوي العرداوي
رئس اللجنة التحضيرية للمؤتمر ومدير مركز الدراسات الاستراتيجية في
جامعة كربلاء
