إيران ما بعد رئيسي: الأوضاع الداخلية والدور الإقليمي

      التعليقات على إيران ما بعد رئيسي: الأوضاع الداخلية والدور الإقليمي مغلقة

أ.م.د. حمد جاسم محمد

رئيس قسم إدارة الأزمات

مركز الدراسات الاستراتيجية –جامعة كربلاء

حزيران/ 2024   

إنَّ حادثة سقوط طائرة الرئيس الإيراني (ابراهيم رئيسي)، ووزير خارجيته، والوفد المرافق له، في شمال إيران يوم الاحد 19 أيار 2024، ومقتلهم جميعًا في هذا الحادث، قد يعدَّه البعض أمرًا عاديًا، سواء على مستوى الداخل الإيراني أو على المستوى الإقليمي، بل وعلى المستوى الدولي. وعلى الرغم من أنَّ إيران الجمهورية، شهدت حوادث مؤلمة خلال تاريخها، أولها كان هروب الرئيس الايراني (ابو الحسن بني صدر) عام 1981 إلى خارج إيران، وانتخاب (محمد رجائي) رئيسًا لإيران عام 1981، الذي اغتِيل مع رئيس وزرائه (محد جواد باهنر) – الغي منصب رئيس الوزراء في تعديل الدستور عام 1989- وعدد من المسؤولين في تفجير في طهران في العام نفسه، وشهدت اغتيالات عديدة شملت مسؤولين كبار، وعلماء في مختلف التخصصات ولاسيّما في المجال النووي، إلا أنَّ مقتل الرئيس الإيراني (رئيسي) في حادث الطائرة، طرح العديد من التساؤلات حول كيفية سقوط الطائرة وطريقة سقوطها، ونسجت القصص حول الحادث، بين حادث عرضي حاله حال العديد من حوادث الطيران في العالم، ومقتل رؤساء دول فيها، وبين نظرية المؤامرة من الداخل، وإنَّ هناك صراعات أجنحة في إيران وتصفيات، وطرح العديد من الشواهد لذلك، وبين من طرح نظرية الأيدي الخارجية ودور الولايات المتحدة واسرائيل في الحادث، ولاسيّما أنَّ المنطقة التي سقطت بها الطائرة، لا تبعد سوى عشرات الكيلو مترات من حدود جمهورية أذربيجان، التي شارك رئيسها مع الرئيس الايراني في افتتاح سد ومنفذ حدودي قبل الحادث بساعات، وإنَّ هذه المنطقة بشكل عام تنشط فيها الاستخبارات الاسرائيلية. وبين هذه الفرضية وتلك فإنَّ التحقيقات الايرانية لم تشر إلى فرضية المؤامرة، أو الايدي الخارجية، بل عدَّته حادثًا جويًا عرضيًا وقضاءً وقدرًا، وحسب المادة (131) من الدستور، تمَّ تنصيب نائب الرئيس (محمد مخبر) قائمًا بأعمال الرئاسة، بدلًا من الرئيس المتوفي (ابراهيم رئيسي)، وتعيين (علي باقري كني) قائمًا بأعمال وزير الخارجية، بدلًا من وزير الخارجية السابق (حسين أمير عبد اللهيان)، ويتم تشكيل هيئة مؤلفة من رئيس مجلس الشورى الإسلامي، ورئيس السلطة القضائية، والنائب الأول لرئيس الجمهورية، تقوم بتهيئة الأمور لإجراء انتخابات رئاسية بمدة أقصاها (50) يومًا، إذ حددت الانتخابات الايرانية في 28 حزيران 2024، وقد أعلن عدد من الاشخاص ترشيحهم من كلا التيارين المحافظ والاصلاحي، وتخضع ملفات المتقدمين إلى مراجعة من قبل مجلس صيانة الدستور، حسب المادة (99) من الدستور.

شهدت إيران انجازات داخلية واقليمية خلال فترة حكم رئاسة (رئيسي) وإدارته للبلاد، فقد حققت إيران في ظل رئاسته انفراجًا في العديد من القضايا الداخلية، وشهدت إيران استقرارًا داخليًا، وعمل على تحسين الاقتصاد، والقضاء على كل مظاهر الفساد، وإجراء اصلاحات اقتصادية وقضائية مهمة، ودعم المزارعين وشراء المحاصيل بأسعار تفضيلية، ونمو اقتصادي إيجابي بنسبة (4٪) بعد ركود استمر (10) سنوات، مع نمو اقتصادي بنسبة صفر بالمائة، وفي الخطوة الأولى إلى (3٪) ثم إلى (4٪)، ونمو قطاع الصناعة بنسبة (5.1٪)، في حين زاد نمو مؤشر الشركات المدرجة بنسبة (6.7%)، وكذلك القفزة في تصدير النفط الخام، ومكثفات الغاز في البلاد، ووصولها إلى الرقم القياسي لأعلى كمية مصدرة، وانخفاض معدل التضخم من (60%) إلى نسبة (20٪)، وتنفيذ مشاريع مياه الشرب لأغلب مدن إيران، وتقديم مساعدات للأسر محدودة الدخل، والاهتمام بالبنية التحتية، عن طريق مد سكك الحديد في مدن تعاني من البطالة، كما في سستان وبلوشستان، لتوفير فرص عمل لهم، والدعم الكبير للمؤسسة العسكرية ولاسيّما في مجال التصنيع العسكري، كذلك كان من داعمي البرنامج النووي، وقد شهدت إيران خلال فترة رئاسته، زيادة في وتيرة تخصيب اليورانيوم، على الرغم من كل الضغوط الدولية، والاهتمام بالعلماء والمراكز البحثية، وجعل ايران من الدول المتقدمة علميًا، وتطوير البرامج الصحية والعلاج المجاني، وتحسين شبكات الكهرباء والغاز في البلاد، وزيادة الصادرات، وفتح آفاق تعاون مع دول الجوار، فقد زادت ايران من انتاج النفط.

إقليميًا، زياراته المتكررة إلى دول الجوار ودول العالم الأخرى، وتقديم إيران دولة تقدم استثمارات وخبرات بشروط مقبولة لدول العالم النامي، إذ افتتح مشاريع اقتصادية في سريلانكا، ثم زيارته إلى باكستان وتوقيع اتفاقات اقتصادية مهمة، بعدها انضمت إيران إلى منظمة شنغهاي للتعاون العضو التاسع فيها في 4/7/2023 ()، والتي ستفتح آفاق اقتصادية كبيرة، عن طريق زيادة الصادرات لدول المنظمة، وعضو كامل العضوية إلى منظمة بريكس في آب 2023 ()، وهو انجاز كبير لدول تتعرض لأقسى عقوبات دولية، ثم بعد ذلك استمرت إيران في دورها الإقليمي بدون تراجع، ولاسيّما في دعم جبهة المقاومة، إذ كانت عملية 7 اكتوبر 2023، أكبر عملية يمكن وصفها ضد الكيان الصهيوني على مر تاريخ المنطقة، إذ أصبحت الحرب على حدود الكيان وداخل مستوطناته، ودعم إيران واضح في هذا المجال، كذلك استمر نفوذ إيران في سوريا ولبنان واليمن وبقوة، فقد تمكن أنصار الله الحوثيين، من ارباك التجارة العالمية المارة عبر البحر الأحمر، عن طريق استهداف السفن التي تنقل الضائع إلى الكيان الصهيوني، ثم تطور الأمر إلى استهداف السفن الأمريكية والغربية، وهو تطور كبير في دور إيران الاقليمي في المنطقة، كذلك أصبحت إيران لاعبًا مهمًا في قضايا المنطقة، ولا يمكن تجاوزها في أي تسويات سياسية وأمنية في المنطقة، إذ قبل حادثة الرئيس (رئيسي)، ذكرت بعض المصادر أنَّ هناك مفاوضات غير مباشرة، تجرى بين إيران والولايات المتحدة حول التهدئة في المنطقة، لمنع الانجرار إلى المواجهة المباشرة، وهذه المفاوضات تبين عجز الإدارة الأمريكية عن حماية مصالحها في المنطقة بدون إيران، ولاسيّما بعد أزمة غزة التي أضرت كثيرًا بسمعة الولايات المتحدة والغرب، وجعلت العديد من شعوب العالم ولاسيّما في دول الغرب نفسها، يقفون ضد سياسة الابادة الجماعية في غزة، ويرفضون الدعم المقدم لإسرائيل. إنَّ إيران في عهد (رئيسي) زاد دورها الإقليمي واتَّسع وأصبح يستخدم القوة ضد الخصوم، فقد تمَّ توجيه ضربة صاروخية وطيران مسير ضد الكيان الصهيوني، بعد قصفه القنصلية الايرانية في دمشق، وهي تحدث لأول مرة في المنطقة، أن توجه دولة ضربة بهذا الحجم ضد الكيان الصهيوني.

إنَّ الحادث وإن لم يكن الأول في ايران، وإنَّها دولة دستورية يمكنها تجاوز مثل هذه الأزمات كما اسلفنا، إلا أنَّ وفاة الرئيس وعددًا من مرافقيه، في هذا التوقيت والظروف التي تمر بها إيران، سيكون له آثار داخلية وإن كانت ضعيفة الأثر، منها:

داخليا: إنَّ شخصية الرئيس الراحل (رئيسي) من الشخصيات المهمة في إيران، ومن رجالات الثورة، وله خبرة كبيرة في إدارة البلاد، وتدرجه في المناصب، من تسلمه القضاء في عدة مدن إيرانية، إلى رئيس السلطة القضائية، وتوليه منصب عضو مجلس خبراء القيادة، وتقلده منصب رئيس الجمهورية منذ عام 2021، وهو أبرز وأهم مرشح لتولي منصب المرشد الأعلى بعد المرشد الحالي (علي خامنئي)، لهذا فإنَّ وفاته المفاجئة جعلت البحث عن خليفة للمرشد الأعلى، مقبول من قبل النظام السياسي، والشعب الإيراني، صعبًا نوعًا ما في ظل وجود صراع، وإن كان خفي، بين أجنحة النظام الايراني وما يسمى بالحرس القديم والجديد لأبناء الثورة، فقد خسرت ايران قادة كانوا من المرشحين الأساسيين لخلافة المرشد الأعلى الحالي، منهم: (علي أكبر هاشمي رفسنجاني)، و(محمود هاشمي الشاهرودي)، وهو ما يضع العديد من التساؤلات والغموض الذي أحاط بوفاة الرئيس (رئيسي).

كما أنَّ عملية إجراء انتخابات رئاسية في مدة (50) يومًا، قد يكون فيها نوع من الصعوبة، في وجود شخصية يمكنها السير على خطا الرئيس (رئيسي)، ولاسيّما في قضايا داخلية تتطلب نوعًا من السياسة، والحزم، والخبرة، والدراية، والحفاظ على منجزات الثورة الايرانية، ومنع تغلغل عناصر معادية لها، كذلك وجود قضايا إقليمية حساسة في هذه المرحلة، من صراعات وحروب اقليمية في أكثر من جبهة محيطة بإيران، تتطلب سياسات فعالة لمواجهتها والتحكم بها والدفاع عن المصالح الايرانية، إذ إنَّ بعضًا من الذين تقدموا بطلبات الترشيح، وكان عددهم (80) شخصًا، كانوا قد تقلدوا منصبًا رئاسيًا سابقا وهم من المتشددين، وشهدت فترة رئاستهم اضطرابات داخلية وتوترات إقليمية، أو إنَّهم رفضوا من قبل مجلس صيانة الدستور، أو رشحوا سابقا ولم يحصلوا على أصوات تؤهلهم للمنصب، فباستثناء المرشح (علي لاريجاني) الذي تسلم منصب رئيس مجلس الشورى الايراني من 2008-2020، وهو حاليا عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام، والذي قد يحظى بدعم المرشد الأعلى (علي الخامنئي)، فإنَّ أغلب المرشحين سوف يتم رفض ترشيحهم، أو إنَّهم لن يحصلوا على ثقة المرشد وتأييده، لذا فإنَّ من الصعوبة ايجاد شخصية كارزمية كشخصية الرئيس الراحل (رئيسي) في هذه المرحلة.

إقليميا، لا بدَّ من وجود شخصية يمكنها السير على خطا الرئيس الراحل (رئيسي)، فيما يتعلق بالقضايا الاقليمية الحساسة، كحرب غزة، والصراع في اليمن وسوريا، وملف إعادة العلاقات مع دول الخليج العربية، إذ كان لحكومة الرئيس الراحل (رئيسي)، دور فعال في إعادة العلاقات مع السعودية، بعد قطيعة دامت لأكثر من ثماني سنوات، كذلك وجود رغبة بحرينية لإعادة العلاقات مع إيران، إذ أكد ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، في لقائه مع رئيس مجلس الدولة لجمهورية الصين الشعبية لي تشيانغ، عن رغبة بلاده في إعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، وهو ما يؤكد وجود خطوات ايرانية في إزالة مخاوف البحرين وبناء الثقة، كما أنَّ دور الرئيس الراحل (رئيسي) الكبير، في انضمام إيران إلى منظمة شنغهاي وبريكس، كبير ومهم، وفتح لإيران آفاقًا اقتصادية واسعة، ولاسيّما أنَّ التجمع يضم دول ذات وزن اقتصادي وسياسي عالمي كبير. إنَّ بناء العلاقات الاقليمية لإيران مهم جدا ولاسيّما في الجانب الاقتصادي، وذلك لتجاوز آثار العقوبات الأمريكية على إيران، وهو ما يتطلب قيادة سياسية بحجم الطموح والتحديات.

إنَّ وفاة الرئيس الايراني (ابراهيم رئيسي)، حتى وإن كانت أسبابها طبيعية وحادث عرضي، فإنَّ آثارها واضحة على إيران، وسوف تحتاج إلى سنوات لتجاوزها. إنَّ وفاة شخصيات رئيسة، وذات وزن سياسي، ومن رجالات الثورة وقادتها الأساسيين، مثل: (رئيسي ورفسنجاني وشاهرودي)، سيكون لها وقع وتأثير في مستقبل النظام السياسي والسياسة الداخلية والخارجية لإيران مستقبلا.

–  وهي منظمة دولية اسست في الصين في مقاطعة شنغهاي في عام 2001، تعنى بالجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية، كانت في بدايتها من ست دول (الصين، وكازاخستان، وقرغيزستان، وروسيا، وطاجيكستان، وأوزبكستان)، وفي عام 2017 انضمت اليها كلا من (الهند وباكستان)، وتمتعت كلا (أفغانستان وبيلاروسيا، ومنغوليا وإيران) بصفة مراقب، ثم اصبحت ايران عضوا فيها عام 2023. للمزيد ينظر، رسميا.. إيران عضوا في منظمة شنغهاي للتعاون لتكون بذلك العضو التاسع في التكتل الإقليمي، خبر منشور بتاريخ 4/7/2023،  على موقع الرابط الالكتروني https://www.aa.com.tr/ar/%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A/%D8%B1%D8%B3%D9%85%D9%8A%D8%A7-%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D8%B9%D8%B6%D9%88%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D9%86%D8%B8%D9%85%D8%A9-%D8%B4%D9%86%D8%BA%D9%87%D8%A7%D9%8A-%D9%84%D9%84%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D9%88%D9%86-/2936844

– ضمن المجموعة في بداية تأسيسها عام 2006، أربع دول هي (البرازيل وروسيا والهند والصين) أطلقوا عليها “بريك” (مستخدمين الحرف الأول من اسم كل دولة)، وفي عام 2010 انضمت جنوب أفريقيا إلى المجموعة، ليصبح الاسم “بريكس”. للمزيد ينظر، ما هي مجموعة البريكس وما هي الدول الجديدة التي ستنضم إليها؟ خبر منشور على موقع البي بي سي العربية بتاريخ 19/12/2023، على الموقع الالكتروني https://www.bbc.com/arabic/articles/c13ygyp4y3vo