الكاتب: غاري أندرسون
ترجمة وعرض: حسين باسم عبد الأمير
تتمثل قوة “داعش” الأساسية بامتلاكها لكادر جيد جدا ومتخصص من المشاة الخفيفة. أما ضُعفها فيتمثل بأنها
ليست قوة حرب عصابات قادرة على الكر والفر. في اللغة العسكرية، فإن امتلاكهم لقوة المشاة الخفيفة تمثل “مركز ثقلهم” ومصدر قوتهم. وبمجرد تدمير هذه القوة، تتحول (الدولة الإسلامية “داعش”) إلى مجرد مجموعة إرهابية أخرى.
احتفل الجيش العراقي والمقاتلون الشيعة المرتبطون به في الشهر الماضي بعد بسط أيديهم على مدينة تكريت العراقية، حيث فاق عدد مقاتليهم بأغلبية ساحقة مقارنة مع مقاتلي “الدولة الإسلامية”. وقد تمكنوا أخيرا من السيطرة على المدينة بعد مدة هجوم طويلة، والذي قيل عنه أنه كلف المئات من المقاتلين الموالين للحكومة. وفي غضون أيام بدأ مقاتلو “الدولة الإسلامية” هجوما في مدينة الرمادي (المدينة الحرجة استراتيجيا) الواقعة إلى الغرب من العاصمة بغداد، وفاجأوا القوات الحكومية العراقية، وهو ما أدى إلى تضاعف ذعر المدنيين ورحيلهم منها. وقد يبدو هذا الاتجاه المعاكس غير منطقي لمتابعي الصراع الاعتياديين، ولكنه كان في الواقع مظهرا متطورا إلى حد ما في توظيف الخطوط الداخلية من قبل المقاتلين.
عبر التاريخ، وجدت الدول نفسها في حروب متعددة الجبهات. وعند حدوث ذلك، فإن ميزتها الوحيدة تكمن في حقيقة أنها يجب أن تُحرك قواتها من جبهة إلى جبهة بسرعة كبيرة للتعامل مع تهديد العدو الأكثر إلحاحا، ومن ثم تحويل تلك القوات للتعامل مع التهديد القادم بشكل أسرع مما يُمكن للأعداء أن يتحركوا به على امتداد محيط الجبهات، وهذا ما فعله الألمان بمهارة أثناء الحربين العالميتين، كما فعلت القوات الكونفدرالية في الحرب الأهلية الأمريكية. وفيما يبدو أن نابليون كان قد رحب بالحروب متعددة الجبهات عندما كان يستمتع بقتال القوات المتحالفة ضده، وكان ماهرا في تحريضهم ضد بعضهم البعض، ولكن التحالف تمكن منه أخيرا.
القتال الناجح عبر الخطوط الداخلية لا يعني التكتيكات الدفاعية بشكل صارم. غالبا ما يتطلب الأمر إلى تكتيكيات هجومية لحرمان العدو من التوازن وعرقلته في توحيد جهوده على جبهات متعددة في آن واحد. على سبيل المثال، إن إسرائيل دائما ما تحارب على الخطوط الداخلية في حروبها المبكرة، حيث سعت إلى إنزال أول ضربة ضد المصريين، إذ تعدهم العدو الأخطر، ثم تتحول إلى العدو التالي الأكثر خطورة (والذي يتمثل عادة بالسوريين).
مشكلة القتال على الخطوط الداخلية هي أن الوقت لصالح الخصوم. فالدول التي تختار محاربة أعداء متعددين في وقت واحد تخسر بشكل عام، حتى لو كانت تحارب ببراعة على المستوى التكتيكي وتمتلك العبقرية العسكرية. وهكذا خسرت ألمانيا الحربين العالميتين، وقضى نابليون – في نهاية المطاف – بواسطة مهاجمة الأعداء له على عدة جبهات في آن واحد. إن الدول التي تحارب على الخطوط الداخلية سجلت خسائر على المدى الطويل، فقط حالات فريدريك الكبير وإسرائيل في حروبها المبكرة كانت استثناءات. فبشكل عام، نجد أن الحروب على طول الخطوط الداخلية عادة ما تكون دفاعية وتستمر لمدة طويلة مع الأمل في أن أحد الخصوم سوف ينهار أولا؛ ولذلك كانت الحروب العربية الإسرائيلية عام 1967 و 1973 من استثناءات هذه القاعدة. فحتى مع وجود عبقرية عسكرية في القيادة مثل نابليون، فإن الطرف الذي يخوض حربا متعددة الجبهات على خطوط الداخلية تتكدس لديه المصاعب، فضلا عن أن هزيمة العدو في القتال على الخطوط الداخلية عادة ما تتطلب وقتا. لقد استمرت الحرب العالمية الأولى أربع سنوات، والثانية ست سنوات، واستغرق ما يقارب عقدين من الزمن للإطاحة بنابليون. وعلى الأرجح فإن العراق لا يملك ما يكفي من الوقت إذا كان يرغب في البقاء كـأمة قابلة للحياة.
إن الأطراف التي تخوض حربا متعددة الجبهات عادة ما يكون ذلك نتيجة لفشل استراتيجيتها الكبرى. وقد كان هذا هو قلق “بسمارك الكبير”، المستشار الحديدي في ألمانيا. وعندما تمت إقالة بسمارك بواسطة القيصر “فيلهلم الثاني”، الذي لم يكن استراتيجيا ملحوظا، كان ذلك بمثابة بذور كارثة الحرب العالمية الأولى. هجوم هتلر على روسيا قبل أن ينهي تعامله مع بريطانيا أثبت كارثية ألمانيا في الحرب العالمية الثانية. “الدولة الإسلامية” تحتاج إلى أعداء لتبرير استمرارها في حالة الحرب، إذ يحتاج قادتها جهادا مستمرا للحفاظ على محاربيهم المضطربين وإشغالهم. ومثل التحالفات التي واجهها نابليون، تتعامل “الدولة الإسلامية” مع مجموعة من الأعداء ممن يكرهون بعضهم البعض بقدر ما يكرهون الجهاديين، وهذا ما يسمح لتنظيم “داعش” بنقل قواته من جبهة إلى جبهة بما يحرم أعدائه من تحقيق التوازن ضده. على سبيل المثال، فإنه لن يكون من المستغرب مشاهدة تنظيم “داعش” وهو يعيد مهاجمة تكريت بعد أن حولت القوات العراقية نشاطها العسكري لتواجه التهديد في الأنبار.
التعقيد النسبي لحملة تكريت والرمادي أبرزت كل من عناصر القوة والضعف للـ”دولة الإسلامية” من منظار عسكري. فقوتها الأساسية تتمثل بامتلاكها كادر جيد جدا ومتخصص من المشاة الخفيفة. أما ضعفها فيتمثل بأنها ليست قوة حرب عصابات قادرة على الكر والفر. فقد أمسك الجهاديون بالتضاريس وأصبح عليهم الدفاع عنها. في اللغة العسكرية، فإن امتلاكهم لقوة المشاة الخفيفة تمثل “مركز ثقلهم” ومصدر قوتهم. وبمجرد تدمير هذه القوة، تتحول (الدولة الإسلامية “داعش”) إلى مجرد مجموعة إرهابية أخرى.
إذا كان مقدرا للعراق وزعيمه رئيس الوزراء حيدر العبادي البقاء على قيد الحياة، يجب أن يتم هزم جيش “الدولة الإسلامية” وتدميره في الموصل، ويجب أن يتم ذلك قبل نهاية العام. كما أن ذلك سيحتاج ما لا يقل عن 10000 من القوات البرية الأمريكية المنتشرة بشكل مؤقت في العراق لإعادة السيطرة على الموصل في الوقت المناسب.
هناك نوعان من الأسباب الاستراتيجية الجيدة للقوات البرية الأمريكية لكي تنخرط في هذه الحالة، الأول: هو أن التدمير السريع للـ”دولة الإسلامية” سوف يمنعها من أن تصبح ملاذا آمنا لإطلاق هجمات إرهابية في المستقبل على الأراضي الأمريكية كما كانت أفغانستان في العقد الماضي. ثانيا: إنه قضاء على إيران كلاعب أساس في الأمن العراقي، وتقليل من مخاوف حلفائنا في المنطقة في أننا لم نتنازل عن الشرق الأوسط للإيرانيين. بمجرد هزيمة “الدولة الإسلامية”، والحفاظ على لواء من القوات مستعد وقادر على إعادة تدريب الجيش العراقي، من شأنه أن يقطع شوطا طويلا في ترسيخ وإدامة دورنا كلاعب إقليمي.
الرهان على قدرة حيدر العبادي في تحقيق وعوده بتسوية الخلافات العرقية والطائفية في العراق هي مخاطرة محسوبة، غير أنها جديرة بأن يُخاض غمارها. بعد أن تم إنفاق المليارات من الدولارات والآلاف من الأرواح لبناء عراق فعال، يجب علينا المحاولة مرة أخيرة.