الكاتب: کیهان برزگر
الناشر: مركز الابحاث العلمية والدراسات الاستراتيجية في الشرق الاوسط/ طهران
ترجمة: م. خالد حفظي التميمي
تحليل: م. مؤيد جبار حسن
مركز الدراسات الاستراتيجية-جامعة كربلاء
نيسان-ابريل 2019
بداية يتساءل الكاتب ما هي استراتيجية السياسة الخارجية الإيرانية لتعزيز موقعها في ميزان القوى الإقليمي وكيفية التعامل مع الوقت والتكيف مع البيئة الإقليمية من وجهة نظر النخب السياسية والأمنية في إيران؟
يحاول الكاتب الاجابة ويؤكد ان هناك علاقة مباشرة بين تعزيز قوة إيران الداخلية والحفاظ على موقعها في ميزان القوى الإقليمية، وذلك لاستغلال وجهة نظر إيران الجيوسياسية تجاه التعاون الاقتصادي لإيران مع المنطقة، ولردع التهديدات التي تمس الأمن القومي المتمثلة ب(الولايات المتحدة الاميركية وإسرائيل ومؤخرًا السعودية) وليس ما يتعلق بـ(داعش والقاعدة) وفقا لراي الكاتب.
في هذا الإطار، كانت الرغبة في تعزيز التعاون الإقليمي قوية دائمًا في السياسة الخارجية الإيرانية. لكن في الوقت نفسه، يجب أن تكون متماسكة مع المبدأ الآخر للسياسة الخارجية الإيرانية المتمثل بـ”الردع الحاسم والناعم للتهديدات في المنطقة” لتحقيق التوازن. فالردع الصارم يتطلب وجود عسكري مباشر في العراق وسوريا ولبنان لمنع التهديدات المباشرة للتيارات الإرهابية المعادية. اما الردع الناعم فهو تعزيز التحالفات السياسية والعلاقات مع القوى والنخب المحلية لتعزيز العلاقات على مستوى إيران وعلى مستوى الدول الصديقة للعب دور في التوترات السياسية الحالية في المنطقة، خاصة بعد تطورات الربيع العربي.
وينطبق الشي نفسه على وجود إيران في المنطقة من قبل منافسيها جيوسياسيا على المستويين الاقليمي والدولي. وذلك لأن إيران تعد وجودها الإقليمي مهم في مواجهة “المشاكل إقليمية” وتعزيز “الأمن النسبي” .
الآن هناك تهديدات جديدة للأمن القومي الإيراني ، بما في ذلك صعود تنظيم داعش التكفيري الإرهابي منذ عام 2014، وكذلك تشكيل التحالف المناهض لإيران بمشاركة سعودية إسرائيلية أمريكية بعد وصول الرئيس الاميركي دونالد ترامب الى الحكم بداية عام 2018 وانسحابه من الاتفاق النووي. ويرى الكاتب ان تلك التهديدات تهدف الى تقويض دور إيران الإقليمي وقوتها.
كما هو الحال مع جميع البلدان ذات الخلفية التاريخية، فأن إيران – وفقا لراي الكاتب – بلدا مميزا نظرا لهيكلية الحكومة وخصائصها، والمطالب التاريخية للأمة ، وتصورات النخب الحاكمة حول القضاء على التهديدات وطرق تعزيز المصالح والأمن القومي، فضلا عن الموقع الجغرافي ، الى حد الذي يرى فيه الاخرون انفسهم امام دولة تعمل على نهج معين لتطوير السياسة الخارجية في بيئتها الجيوسياسية.
أن الجبر الجغرافي[1]، أي الوجود في وسط الانظمة الإقليمية والقوى الدولية، الى جانب الحتمية التاريخية والاجتماعية، أي بلاد فارس والشيعة في بيئة مختلفة، وفرص لعب دور في بيئتها الجيوسياسية، ووجود القيود الاستراتيجية المتمثلة في جهود الجهات الفاعلة الأخرى لكبح الدور الإقليمي والقوة الإيرانية للحفاظ على توازن القوى الإقليمي، كل هذه الامور لا تمنح إيران هذه القدرة الكاملة في أعداد استراتيجيتها على أساس ” الشمولية”.
بناءً على هذا، ومن أجل التكيف مع التطورات الجديدة في البيئة الجيوسياسية الاقليمية، تسعى السياسة الخارجية الإيرانية الى أن تكون الأكثر فاعلية في تحديد العديد من المبادئ الكلية في استراتيجيتها وفقًا للسمات الجغرافية السياسية المحلية والإقليمية، والتي ستكيف سياستها الخارجية مع البيئة السياسية في المنطقة. في هذا السياق، يرى الكاتب وجوب الموازنة بين المبدأين الأساسيين لسياسة إيران الخارجية، وهما تعزيز التعاون الإقليمي وردع التهديد من المنطقة “(في شكل صارم وناعم) بطريقة تحافظ على مكانة إيران في ميزان القوة الإقليمية.
أن ديناميكيات التحولات الإقليمية الحالية تستلزم الحاجة الى مزيج تدريجي من استراتيجيتين للسياسة الخارجية الحالية وإدخال استراتيجية ثالثة أمر لا مفر منه، يمكن الإشارة إليها على أنها استراتيجية “إيران قوية من الداخل”. وأساس هذه الاستراتيجية الجديدة هو تطوير أسس القوة الداخلية الإيرانية من خلال تنويع وتقوية الاقتصاد والترابط مع البيئة المحيطة من جهة، واستغلال النقاط الجيوسياسية لزيادة قوة إيران ودورها الاستراتيجي في التصدي للتهديدات الأمنية المباشرة المتعلقة بمكافحة الإرهاب. ونمو التطرف في محيطه من جهة أخرى. وهذا له أهمية كبيرة لمسايرة الجهات الفاعلة الإقليمية في الوضع الحالي.
ترى إيران في تنميتها المستدامة واستقرارها طريقة اساسية للحفاظ على توازنها الإقليمي. وأن قوة إيران في ميزان القوة الاقليمي يعتمد على التعاون الإقليمي وردع التهديدات في المنطقة إلى حد كبير في إطار التطورات الإقليمية، وخاصة مستقبل العلاقات الإيرانية الأمريكية. من الواضح أن إيران تريد الآن، لأسباب الردع، مواصلة المشاركة النشطة في الشؤون الإقليمية للحفاظ على موقعها في ميزان القوى الإقليمية. تُظهر تجربة الوجود الإيراني في لبنان والعراق وأفغانستان أن وجود إيران النشط في محيطها يخضع لظروف انعدام الأمن بشكل أكبر. لكن في هذه العملية، يتجه ميل إيران نحو الوجود القوي والعسكري في المنطقة إلى الوجود اللين وزيادة النفوذ السياسي من خلال التواصل مع المجموعات السياسية الإقليمية والحفاظ على النفوذ في الدول الصديقة.
التحليل:
يحاول الكاتب في هذه المقالة ان يضع المبررات للاستراتيجية الخارجية الإيرانية الحالية تجاه المنطقة. ويتصور ان بلاده تسعى فعلا الى التعاون الاقليمي وفي نفس الوقت ردع التهديدات (الاخطار من وجه النظر الإيرانية)، وهي على المستوى الدولي الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها التقليديين في المنطقة اسرائيل والسعودية، ثم على مستوى ادنى الارهاب (داعش والقاعدة) .
“التعاون الدولي” الذي يتكلم عنه الكاتب لا يكترث بمصالح الدول الاقليمية ولا يبنى على اساس المنافسة والمطاولة والقوة الناعمة المستمرة. وما تطلق عليه إيران بأنه تعاون هو في الحقيقة تعزيز نفوذ وتأثير. والاكثر خطرا انه لا يبنى في كثير من سياقاته على التعامل مع الحكومات فحسب بل مع جهات فاعلة غير حكومية وهذا ما لم تدرك إيران سلبياته على المدى البعيد. التعاون الاقليمي يتطلب من الجميع العمل وفق رؤية المصالح المشتركة، وبحسن نية، لإرساء سبل التواصل بين الجوار وبما يخدم القيم المشتركة وشعوب المنطقة المتعطشة للسلام والاستقرار والتأخي.
وأن أي دولة تريد المشاركة الفاعلة في محيطها لابد ان تتخلى عن طموحاتها، خاصة التي يرفضها المحيط الاقليمي، وتحاول التواصل مع الجيران وفق صيغة عمل مشتركة تخدم جميع الاطراف وفق مبدأ لا ضرر ولا ضرار، بين الجيران المسلمين.
ومع ولوج المنطقة مرحلة صراع جديدة مفتوحة الابعاد بعد قرار الادارة الامريكية الاخير بإدخال الحرس الثوري الإيراني في قائمة الارهاب، إذ يتوقع ان ترتفع احتمالية المواجهة المباشرة وغير المباشرة عبر الوكلاء في وسط تنتشر فيه الدول الفاشلة والمليشيات والجماعات الاسلامية المتطرفة.
رابط المقال الأصلي:
https://www.cmess.ir/Page/View/2019-03-21/3482
[1] -تؤثر العوامل الطبيعية في الظواهر التاريخية و الثقافية و الاجتماعية لكل مجتمع تأثيرا مصيريا يعرف باسم الجبر الجغرافي و هي تعتبر نزعة فكرية متشددة متعصبة أنانية أحادية الجانب.(المترجم)