ميثاق مناحي العيسى
قسم الدراسات السياسية
كانون الثاني/ يناير 2022
تتواصل محادثات الأطراف الدولية بشأن الاتفاق النووي بالعاصمة النمساوية فيينا، من أجل الوصول إلى نقاط أو أرضية مشتركة بين كل الأطراف، وسط تمسك كل من إيران والأطراف الأخرى في المحادثات، وعلى رأسها الولايات المتحدة، بمواقفها المعلنة قبل جولة المفاوضات الحالية. وعلى الرغم من التفاؤل الإيراني والروسي الذي ساد الجولة السابعة من المحادثات، إلا أنّ إيران ما تزال تتمسك بتفاوضها المشروط، بموازاة ذلك، تأخذ طهران فشل المحادثات بنظر الاعتبار، والدور الإسرائيلي في الضغط على الجانب الأمريكي، من أجل إفشال المحادثات أو تغيير مسارها، بشيء لا يمكن أي يخدم إيران؛ لذلك لم تخفِ الإدارة الإيرانية نواياها العسكرية عن المشهد السياسي، ولعل المناورات العسكرية الإيرانية التي سميت بـ (الرسول الأعظم 17)، التي قام بها الحرس الثوري في 20 كانون الأول، مع قيادة القوات الجوية والبرية والبحرية، على الشواطئ الشمالية للخليج العربي، بدعم من “المنظمة الإلكترونية السيبرانية” الجديدة، مؤشر واضح وصريح على تلك النوايا؛ مما يعني أنّ إيران بدأت تأخذ احتمال نشوب نزاع مسلح على محمل الجد، بما يكفي للمضي قدماً في الدخول في حرب، إذا ما فشلت المحادثات الجارية في مدينة فيينا، ولاسيما مع التهديدات الإسرائيلية الأخيرة.
إنَّ هدف إيران الأساسي من هذه المحادثات، هو رفع العقوبات، والغرض منها هو إيجاد طريقة للقيام بذلك وحل الخلافات، لأن الأمريكيين لا يؤمنون برفع العقوبات دفعة واحدة. إذ تسعى إيران عن طريق هذه المحادثات إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسة:
أولاً: رفع العقوبات الأمريكية.
ثانياً: التحقق من قبل إيران بأنّ الرفع بات نافذا.
ثالثاً: ضمان عدم انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق من جديد، مهما كانت طبيعة الإدارة الأمريكية القادمة وتوجهاتها السياسية. وهذا بالتأكيد يصطدم بالرغبة الأمريكية والإسرائيلية، اللتان تدفعان باتجاه مختلف عن الرغبة الإيرانية والأطراف الدولية الأخرى، ولاسيما ما يتعلق بهدف إيران الأخير، بتقديم ضمان بعدم الانقلاب على الاتفاق “إذا ما تم التوصل إليه” كما تم الانقلاب على اتفاق عام 2015 في عهد الإدارة الأمريكية السابقة في أيار/ مايو 2018، لأن القانون أو الدستور الأمريكي، لا يوفر مظلة حقيقية لهكذا ضمانات أو اتفاقيات، وإنّ أي إدارة أمريكية، سواء الإدارة الحالية أم القادمة، لا يمكنها أن تتعهد بهكذا شكل من الضمانات؛ لهذا نجد الرؤية الإيرانية للمحادثات الحالية، ممزوجة بين المساعي الدبلوماسية والمناورات العسكرية، التي من شأنها أن تكون عامل ضغط على الأطراف الدولية المشاركة في المحادثات، من أجل الوصول إلى صيغة تفاوضية تحقق الرغبة الإيرانية، وتحافظ على مكاسبها بما يحقق أهدافها المشروطة، صيغة ربما لا تصل إلى صيغة اتفاق عام 2015، إلا أن من شأنها أن تنتشل إيران من الوضع الاقتصادي المتردي، عن طريق تعديل أو رفع العقوبات التي تمنع إيران من الوصول إلى مواردها، ويحصل الاقتصاد الإيراني على مكاسب واضحة من ذلك. وعلى الرغم من أن كل أطراف المحادثات، ولاسيما طهران، تحاول إنجاح المحادثات والدخول في صيغة توافقية نهائية، إلا أن سيناريو تعثر المحادثات وارد جداً، وان حدوث هذا السيناريو ربما لا يصب في مصلحة إيران؛ لذلك من الممكن أن تشهد الجولات القادمة، التي ستنطلق بعد نهاية أعياد رأس السنة، بعض المستجدات على مستوى المواقف والاشتراطات الإيرانية، أي من الممكن أن تتراجع طهران عن بعض شروطها التفاوضية، كالشرط المتعلق بالضمان الأمريكي بعدم الانسحاب مستقبلاً من الاتفاق، بموازاة رفع العقوبات الأمريكية عن الاقتصاد والنفط الإيراني والأموال المجمدة، أو إذا ما خُيرت بين الأمرين. ولاسيما إذا ما أخذنا النتائج المترتبة على فشل محادثات فيينا، والموقف الإسرائيلي بنظر الاعتبار، على الرغم من تأكيد وزير الخارجية الإيراني على كونهم عازمين على الاتفاق، والتوصل إلى نتيجة مقبولة في محادثات فيينا، ورفضهم التنازل عن مصالحهم، أو إضافة بنود أخرى خارج الاتفاق، التي تسعى إليها بعض الأطراف الدولية المشاركة في المحادثات، ولاسيما الجانب الأمريكي. هذه التصريحات ربما تكون إعلامية أكثر مما هي سياسية، ومن الممكن أن تتراجع عنها الإدارة الإيرانية، من أجل إحراز تقدم في بنود تبدو أكثر أهمية بالنسبة لها على المستوى السياسي والاقتصادي، ولاسيما إنّ إيران أبدت مرونة في مسارها التفاوضي بين الجولتين السابعة والثامنة، من اجل الوصول إلى هدفها الأساسي في رفع العقوبات وتصدير النفط ورفع القيود عن الأموال الإيرانية المجمدة في الخارج؛ لكونها تدرك جيداً، بأن كل السيناريوهات من دون التوصل إلى صيغة اتفاق، تكون مكلفة بالنسبة لها. هذه المرونة أكدتها بعض المصادر التي تقول بأن كبير المفاوضين الإيرانيين (علي باقري) أبلغ الأطراف الأوروبية باستعداد طهران للعودة إلى الاتفاق، والالتزام بكل بنوده، بشرط عودة الولايات المتحدة إليه ورفع العقوبات. مع ذلك لا تستبعد الإدارة الإيرانية خيار المواجهة أو التحضيرات العسكرية من المشهد، إذا ما فشلت المفاوضات الجارية، ولاسيما في حال أصرت واشنطن وطهران على شروطهما التفاوضية، ولم تصلا إلى صيغة مشتركة، كتلك الصيغة التي وصلا إليها عام 2015.