د. نبراس حسين مهاوش
كلية الإعلام/ جامعة بغداد
أيار/ 2022
المشترك اللفظي: هو اللفظ الواحد الذي يخرج إلى دلالات متنوعة تختلف باختلاف السياق .
إن الألفاظ الكثيرة قد تدل على معنى واحد، وكذلك المعاني المتعددة تدل على لفظ واحد فنطلق اللفظ ونريد به المعاني الكثيرة. فيحدث نتيجة لهذا اللفظ المشترك، ويؤكد قولنا عبارة الفارابي (ت 350هـ): (يتبين لنا شبه الألفاظ بالمعاني، ونحاكي بالألفاظ المعاني التي لا تكون بها العبارة، فيتطلب أن يجعل في الألفاظ الفاظ تعم أشياء كثيرة من حيث هي الفاظ كما إن في المعاني معاني تعم الأشياء كثرة المعاني، فتحدث الألفاظ المشتركة، فتكون هذه الألفاظ المشتركة من غير أن يدل كل واحد منها على معنى مشترك) .
وعرفه محمد نور الدين المنجد بقوله: (كل لفظ مفرد يدل بترتيب حروفه، وحركاته على معنيين فصاعدا دلالة خاصة، في بيئة واحدة، وزمان واحد. ولا يربط بين تلك المعاني رابط معنوي، أو بلاغي. فباشراطنا اللفظ المفرد يخرج التركيب الإسنادي والإضافي، وبترتيب حروفه يخرج القلب المكاني، وبترتيب حركاته يخرج المثلث من الكلام. وبالدلالة الخاصة تخرج العلاقة بين العام والخاص. وبالبيئة الواحدة يخرج اختلاف اللغات، وبالزمان الواحد يخرج التطور الدلالي الصوتي، وبانتقاء الرابط المعنوي يخرج الاشتقاق من أصل واحد، وبانتقاء الرابط البلاغي يخرج المجاز والاستعارة والتورية، وما شاكل ذلك من الدلالات البلاغية) .
والاشتراك يكون في اللفظ الواحد ذي المخارج الواحدة، إلا أنّ هذا اللفظ يختلف معناه في كل جملة، أو عبارة باختلاف السياق. ويؤكد قولنا قول وليد منير: (ان يأتلف اللفظان في الصوت ويختلفا في الدلالة)، مثل لفظة العين التي لها دلالات كثيرة، مثل: العين هو النقد من دنانير أو دراهم، والعين مطـر أيـام لا يقلع، والعين عيـن البئر، وهو مخرج مـائها، والعين القنـاة التي تعمل حتى يظهر ماؤها، والعين الفوارة التي تفور مـن غيــر عمل، والعيـن عيـــن الإنسان، والعين عين الميزان، والعين عين الركبة.
إن للمشترك اللفظي شروطا لابد من توافرها، هي:
أ- أن يكون اللفظ مفردا.
ب- اتفاقه من الناحة الصرفية والصوتية.
ج- تنوع دلالاته.
د- اتحاد الدلالات في العصر والمكان، فالمصادر قد ذكرت لنا إن لبعض الالفاظ في كل عصر دلالة خاصة تتطور بتطوره، ولكل مكان دلالة تتغير بتغيره.
ومن المشترك اللفظي ما يسمى بـ: (الوجوه والنظائر) وهو خــاص بالقرآن الكريـم، وقد ألفت فيه مؤلفات كثيرة تحت هذا الاسم ومعنى الوجوه والنظائر: هو أن تكون الكلمة ذكرت في مـواضع مـن القرآن على لفظ واحــد وحركة واحـــدة، وأريد بكل مكان معنى غير الآخر، فلفظ كل كلمة ذكرت في موضع نظيــر للفظ الكلمة المذكورة في الموضع الآخر هو النظائر، وتفسير كل كلمة بمعنى غير معنى الأخرى هو الوجوه، إذن فالنظائر اسم للألفاظ والوجوه اسم للمعاني.
ولوقوع المشترك اللفظي في اللغة العربية أسباب كثيرة تذكر المصادر منها:
1- كثرة القبائل: إذ إنَّ لكل قبيلة لهجة معينة تستعمل مجموعة من الألفاظ تدل على معانٍ معينة، والقبيلة الأخرى قد تستعمل اللفظ نفسه وترد به معنى آخر، فيؤدي هذا إلى نشوء الاشتراك .
2- الاقتراض من اللغات المجاورة، كأن تتشابه في نطق الألفاظ، إلا إن معاني الكلمات مختلفة فلكل لغة معنى يختلف عن اللغة الأخرى.
3- تطور الكلمات من الناحية الصوتية يؤدي إلى نشأة الاشتراك اللفظي، فهذا يؤدي إلى تشابه في الألفاظ.
4- التشابه في الصيغ الصرفية، كأن يتشابه اللفظ مع لفظ آخر تشابها كبيرا في الصيغة، فيكون على صيغة اسم فاعل، أو مفعول…، فيؤدي إلى تشابه اللفظين، فيكون اللفظ الواحد والمعنى مختلف باختلاف السياق.
5- ومن أسباب نشوء المشترك اللفظي كما تذكر بعض المصادر المجاز، وبعضهم ينكر هذا ويقول: إن المشترك اللفظي يختلف اختلافا كبيرا عن المجاز، ذلك إن المشترك متصل بعلوم اللغة والمجاز متصل بعلوم البلاغة؛ وذلك لأن المشترك يتضمن: الصرف والصوت والنحو، أما المجاز فانه يدخل ضمن الاستعارة والكناية.
على سبيل المثال لفظ (لسان)، تخرج إلى دلالات متنوعة تختلف اختلاف السياق، فهي تستعمل بمعنى عضو الكلام، وتستعمل مجازاً بمعنى اللغة، فمن هذا نستنتج إن هنالك علاقة وثيقة بينهما، وقد لا يكون المجاز سبباً في المشترك دائماً، فالسياق هو الذي يحدد لنا نوع العلاقة عن طريق القرينة، ومثل لفظ الخال التي تعني: أخ الأم، والخال الذي في الوجه، والخال مصدر خلت ذلك الأمر أخاله خالا ومخــالة، وهــو الظن منك للشيء، لم تحققه، والخال السحاب من المخيلة، والخال الكبر، وثياب الخال يمانية.
وقد اختلف علماء العربية في وقوع المشترك اللفظي في اللغة العربية، فبعضهم رفض أو ضيق وجوده لكثرة وقوعه، فبعض المعاني قد اطلقت من غير تركيز أو تدقيق، ومن العلماء الذين اتجهوا ذلك الإتجاه ابن درستويه المتوفى سنة (247 هـ)، ومن المحدثين الدكتور عالم سبيط النيلي، إذ قال: (يجب التقيد بمعنى اللفظ يجوز تغيره عند تغير موقعه في التراكيب التي يرد فيها ذلك اللفظ)، فهو ينكر وقوع المشترك اللفظي في اللغة العربية. فيذكر أنّ اللفظ يبقى واحدا مهما تعددت الظروف.
وأكد بعضهم وجوده، من هؤلاء الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175هـ) وسيبويه (ت180هـ)، والمبرد (ت285هـ)، وبعضهم لا يفرق بين المشترك اللفظي والوجوه، منهم: محمد نور الدين المنجد، إذ إنّه لا يذكر الوجوه والنظائر في القرآن بل يذكر الألفاظ المشتركة في القرآن الكريم.