م.د. بلسم عباس حمودي
مركز الدراسات الاستراتيجية/ جامعة كربلاء
حزيران/ 2022
التشبيه: هو عقد مشاركة ومماثلة بين شيئين (المشبه والمشبه به) في صفة أو عدة صفات بينهما تسمى (وجه الشبه) وذلك بواسطة أداة تسمى (أداة التشبيه).
فإذا أردت إثبات صفة لموصوف مع التوضيح، أو وجه من المبالغة، عمدت إلى شيء آخر، تكون هذه الصفة واضحة فيه، وعقدت بين الاثنين مماثلة، تجعلها وسيلة لتوضيح الصفة، أو المبالغة في إثباتها؛ لهذا كان التشبيه أوَّل طريقة تدل عليه الطبيعة لبيان المعنى.
وللتشبيه رونق وجمال، وموقع حسن في البلاغة؛ وذلك لإخراجه الخفي إلى الجلي الواضح، يزيد المعاني جمالاوبيانًا، ويكسبها حسنًا وفضلًا.
(أركان التشبيه) :
حدد البلاغيون أربعة أركان للتشبيه، هي:
1- المشبّه: هو الأمر الذي يُراد إلحاقه بغيره.
2- المشبه به: هو الأمر الذي يلحق به المشبه.
3- وجه الشبه: هو الوصف المشترك بين الطرفين، ويكون في المشبه به أقوى منه في المشبه، وقد يُذكر وجه الشبه في الكلام، وقد يُحذف كما سيأتي توضيحه.
4- أداة التشبيه: هي اللفظ الذي يدل على التشبيه، ويربط المشبه بالمشبه به، وقد تُذكر الأداة في التشبيه وقد تُحذف.
كما يظهر في قوله تعالى: ﴿وألقِ عصاك فلما رآها تهتزُ كأنَّها جانٌ ولَّى مُدبِرا﴾
فالضمير في (كأنها) العائد إلى العصا مشبّه وكلمة (جان) مشبه به و(الاهتزاز) الذي هو شدة الاضطراب في الحركة : وجه الشبه ، و(كأن) هي أداة التشبيه .
ويقال للمشبه والمشبه به طرفا التشبيه. ولا يمكن الاستغناء عنهما في التشبيه، فلابد أن يعتمد التشبيه على طرفي التشبيه، وهما: المشبه والمشبه به. أمّا الاداة ووجه الشبه فيطلق عليهما تسمية ركني التشبيه. ويمكن الاستغناء عن أداة التشبيه وكذلك وجه الشبه ويمكن الاستغناء عنهما معا.
أنواع التشبيه:
1. التشبيه المرسل: هو التشبيه الذي ذكرت أداته، وانك بذكر الأداة نصصت على وجود التفاوت بين المشبه والمشبه به، ولم تترك بابا للمبالغة.
قال الشاعر:
يا شبيهَ البدرِ حسناً وضياءً ومنالاً
المشبه : المحبوب المشبه به : البدر أداة التشبيه : شبيه
وجه الشبه : الحسن والضياء والمنال
قال تعالى : ﴿ثُمَّ قسَتْ قلوبُكُم من بعدِ ذلك فهي كالحجارَةِ أو أشدَّ قسوَة﴾
المشبه : قلوبكم المشبه به : الحجارة الأداة : الكاف وجه الشبه : القسوة
2. التشبيه المؤكد: هو التشبيه الذي حذفت أداته، وفيه بلاغة وذلك انك ادعيت الاتحاد بين المشبه والمشبه به، فالمشبه هو المشبه به نفسه لا شيء سواه مبالغة.
هم البحورُ عطاءً
هم: المشبه البحور : المشبه به الأداة : محذوفة وجه الشبه : العطاء
3. التشبيه المفصل : هو التشبيه الذي ذكر فيه وجه الشبه ، وإنك بذكرك وجه الشبه حصرت التشابه فلم تدع للخيال مجالا في الظن بأن التشابه في كثير من الصفات
قال الشاعر:
كأنَّ أخلاقَك في لطفِها ورقةٍ فيها نسيمُ الصباحِ
المشبه : الأخلاق المشبه به : نسيم الصباح أداة التشبيه : كأنَّ وجه الشبه : اللطف والرقة
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (المؤمنُ للمؤمنِ كالبنيانِ يشدُّ بعضُه بعضاً)
المشبه : تماسك المؤمنين أداة التشبيه : الكاف المشبه به : البنيان
وجه الشبه : يشد بعضه بعضا
4. التشبيه المجمل : هو الذي حذف منه وجه الشبه، وفيه بلاغة وذلك انك بحذف وجه الشبه بين المشبه والمشبه بهادعيت تشابههما في كل شيء، وأطلقت المجال للخيال في الظن بأن التشابه في كثير من الصفات.
قال تعالى : ﴿سَابِقُوٓاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍۢ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْبِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ﴾.
المشبه : عرض الجنة المشبه به : عرض السماوات والأرض الأداة : الكاف
قال الشاعر:
إنَّما الدنيا كبيتٍ نسجَتْهُ العنكبوت
5. التشبيه البليغ: هو الذي حذف منه وجه الشبه وأداة التشبيه معا، ويبقى الطرفان (المشبه – المشبه به) ويعد من أقوى أنواع التشبيه، وذلك انك ادعيت الاتحاد بينهما بحذف الأداة، والتشابه في كل شيء بحذف الوجه، ولذا سمي هذا تشبيها بليغاً.
قال الشاعر:
الأمُ مدرســـةٌ إذا أعددْتَها أعددتَ شعباً طيبَ الأعراقِ
قال الشاعر:
وكنَّا غصوناً أنت زهرةُ روضِها وكنَّا نجوماً أنت من بينها البدرُ
6. التشبيه التمثيلي: هو تشبيه حالة بحالة متعددة الأجزاء ويأتي وجه الشبه موضحا أكثر من صفة.
قال تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا﴾
المشبه : حالة اليهود الذين يحفظون التوراة ولم ينتفعوا بما جاء فيها
المشبه به : حالة الحمار الذي يحمل الكتب النافعة ولا ينتفع بما جاء فيها
الأداة: الكاف
وجه الشبه: التعب في الشيء النافع دون الانتفاع به .
7. التشبيه الضمني : هو تشبيه حالة بحالة مثل (التشبيه التمثيلي) ولكن لا يوجد فيه أي ركن من أركان التشبيه صراحة بل يستنتج ويفهم من مضمون الكلام ولذلك سمي (التشبيه الضمني) ويأتي بعد فكرة تحتاج إلى دليل على شكل مثل أو حكمة غالباً.
قال المتنبي:
منْ يَهُنْ يسهُلِ الهوانُ عليه مـا لجرحٍ بميّتٍ إيلامُ
لا يوجد أي ركن من أركان التشبيه ولكن نفهم من مضمون الكلام أن :
المشبه: الشخص الذي اعتاد الذل وهانت عليه كرامته يسهل عليه تحمله دون أن يتألم لأنه فقد إحساسه .
المشبه به: الميت إذا جرح لا يتألم لأنه فقد احساسه .
فلا يوجد رابط بينهما مثل حرف التشبيه وكأن المشبه بهمستقل عن المشبه ولكن في الحقيقة المشبه به يوضح المشبه ويبرهن عليه فالميت لا يؤلمه الجرح كالرجل الذليل لا يؤلمه الذل .
قال أبو فراس :
تهونُ علينا في المعالي نفوسُنَا ومنْ خطبَ الحسناءَ لم يُغلِها المهرُ
لا يوجد أي ركن من أركان التشبيه ولكن نفهم من مضمون الكلام أن:
المشبه: حالة القوم في طلب المعالي وتفانيهم في سبيلها واسترخاص كل غال من أجلها .
المشبه به: حال من يخطب الحسناء فلا يضن عليها بزيادة المهر مهما بلغ.
قال أبو تمام :
لا تُنكري عطلَ الكريمِ من الغنى فالسيلُ حربٌ للمكانِ العالي
أي لا تنكري خلو الرجل الكريم من الغنى فإن ذلك ليس عجباً لأن قمم الجبال وهي أعلى الأماكن لا يستقر فيها ماء السيل .
قال المتنبي:
فإنْ تفُقْ الأنامَ وأنت منهم فإنَّ المسكَ بعضُ دم الغزالِ
شبه حالة تفوق الممدوح على الناس على الرغم من أنه منهم بحالة تفوق المسك على الدم وهو من الدم (دم الغزال