أ.م. علي مراد النصراوي
قسم إدارة الأزمات/مركز الدراسات الاستراتيجية
بعد أكثر من عام على إجراء الانتخابات المبكرة، والتي على أساسها تشكلت حكومة السيد الكاظمي، في أعقاب استقالة حكومة عادل عبد المهدي على اثر احتجاجات تشرين، وفعلاً جرت الانتخابات في 10/10/2021 في ظل تقدم الكتلة الصدرية بـ(73) مقعدا، إلا إنَّ عقدة عدم تمكن أحد الاطراف من تحقيق جلسة انتخاب رئيس الجمهورية دون تحقيق نصاب الثلثين أي لأكثر من (220) نائبا، بعد عدم توافق قوى الإطار التنسيقي في مقابل التيار الصدري،الذي شكل التحالف الثلاثي مع بعض القوى الكردية والسنة، ودخل البلد في انسداد سياسي واشتداد، ومن ثَمَّتظاهرات واعتصامات واستقالة جماعية لنواب الكتلة الصدرية من عضوية مجلس النواب، وصولاً لأحداث الخضراء وما رافقها من أحداث دامية أدت إلى نهاية اعتصام التيار الصدري أمام مجلس النواب بأمر من زعيم التيار السيد مقتدى الصدر، في مقابل ذلك سارعت قوى الإطار في فتح حوار مع القوى الكردية والسنية، وتمكنوا من تكوين تحالف الدولة الذي تمكن بدوره من انتخاب رئيس الجمهورية، الذي كلف بدوره مرشح قوى الإطار السيد محمد شياع السوداني، الذي نالت حكومته الثقة من مجلس النواب، ليبدأ مرحلة حكومية جديدة. وهنا لا بد أن نستعرض أهم فرص النجاح والمعوقات.
تأتي هذه الحكومة في ظل وفرة مالية كبيرة جداً، إذ تشير الأرقام إلى أنَّ الاحتياطي النقدي قد تجاوز الـ (90) مليار دولار، يرافقه ارتفاع في أسعار النفط عالميا، على اثر الأزمة الروسية الأوكرانية، وربما تستمر بالارتفاع نتيجة استمرار الأسباب، كما أنَّ ارتفاع سعر صرف الدولار في العراق قد رفد خزينة الدولة بوفرة مالية، كما أنَّ العراق كان قد وطّد علاقاته مع دول الاقليم والدول المجاورة، والانفتاح على كثير من دول العالم، وهذا يعدّ عاملًا داعمًا لموقف الحكومة، إذا ما سعت إلى المحافظة عليه، وتعزيز مكانة العراق ما بين تلك الدول، ايضاً إنَّ هذه الحكومة جاءت وفق تأييد قوى سياسية كبيرة، وهي: الإطار والقوى الكردية والقوى السنية، وهذا يوفر لها أغلبية مريحة في مجلس النواب، مما يضمن التصويت على مشاريع القوانين التي ترسلها الحكومة للبرلمان في سبيل تشريعها، كما أنَّ السيد السوداني هو من عراقيي الداخل، وربما هذه المرة الأولى التي تتسنم منصب رئاسة مجلس الوزراء شخصية عراقية من الداخل، يضاف إلى ذلك إنَّ السيد السوداني قد تدرج وظيفياً من قائمقام إلى محافظ إلى وزير لأكثر من وزارة إلى عضو برلمان لأكثر من دورتين، ويفترض، بعد هذا التدرج الوظيفي المتنوع، أن يكون قادرا على تشخيص مكامن الخلل في مختلف مؤسسات الدولة. وهناك عامل مهم جداً وهو الاستقرار الأمني إلى حد كبير بعكس الحكومات السابقة، التي كان ضمن سلم اولوياتها حفظ الامن، وهنا يفترض التوجه لملف الخدمات والإعمار وفرض القانون.
في مقابل تلك الفرص هناك تحديات، يأتي في مقدمتها أنَّالحكومة ناجمة من توافق سياسي ما بين عدة كتل سياسية،وربما تختلف فيما بينها ويحدث تخلخل بالتوازنات، كما أنَّهذه الاحزاب والجهات الداعمة له تبحث عن مصالحها،فكيف سيوازن السيد السوداني ما بين متطلبات العمل الحكومي وإرضاء تلك الأطراف، مع وجود قوى لم تشترك في هذه الحكومة، كقوى تشرين التي تمثلها كتلة امتداد، وكتل أخرى تمتلك مقاعد نيابية أو مستقلين، هؤلاء ليس لهم ممثل في الحكومة لذلك هو تحدٍ آخر، والاهم من كل ذلك إنَّالتيار الصدري، وهو قوى اجتماعية وسياسية كبيرة، لم يشترك ونوابه قدموا استقالتهم، لذلك قد يمارس دور المعارضة الشعبية وربما التظاهر أو الاعتصام إلى جانب بقية الفئات، في حالة لم تتمكن حكومة السيد السوداني من الايفاء بوعودها الاصلاحية، لذلك أطلق البعض على هذه الحكومة تسمية حكومة الفرصة الأخيرة، لاسيما من قبل بعض القوى السياسية التقليدية، لإعادة ثقة الشعب بتلك القوى، والعمل على الحد من الفساد، وتقليل نسب البطالة،والحد من السلاح المنفلت، وبسط هيبة الدولة، وإعادة الاستقرار، وتنشيط علاقات العراق مع الخارج، والنهوض بالبنية التحتية. وما بين الفرص والتحديات تبقى الأمور رهن إرادة الكتل السياسية في دعم عمل الحكومة أو البحث عن المكاسب.