أ.م. علي مراد النصراوي / قسم إدارة الأزمات.
بعد قرابة الثلاثة وأربعين عاماً من تنظيم العراق لآخرنسخة كروية، من مسابقات الخليج العربي لكرة القدم في بغداد، ليعقبها دخول العراق في حرب الثماني سنوات مع ايران، ومن ثم اجتياح الكويت وتدهور علاقات العراق الخارجية، لاسيما مع دول مجلس التعاون الخليجي، والتي وصلت حد القطيعة في كل شيء، قبل أن تعاود تلك العلاقات بصورة تدريجية في اعقاب التغيير السياسي عام 2003، واسقاط نظام صدام حسين والشروع بعملية التحول الديمقراطي، إلا إنَّ ذلك التغيير لم يرُق لبعضٍ من تلك الدول، مما شهدت العلاقات توترًا وبرودًا، فضلا عن تهم متبادلة لاسيما مع السعودية وقطر، كذلك ملف ديون العراق للكويت التي لم تتنازل عن أي منها، وما بين الأعوام 2007 إلى 2014 لم تُقدَّم أي بوادر واقعية لتصفير مشكلاتالعراق مع دول الخليج بصورة جدية، إلا إنَّ هجوم تنظيم داعش الارهابي وتهديده باجتياح دول الخليج، وتصدي العراق للملف بصورة كبيرة، ومقاتلة التنظيم وطرده، فضلا عن أنَّ ولاية رئيس الوزراء الاسبق السيد العبادي، قد شهدت انفتاحًا حقيقيًا مع دول الخليج لاسيما السعودية، كذلكتولي محمد بن سلمان ولاية العهد قد أثر كثيراً، فضلا عنسعي العراق الدائم إلى التعامل مع ايران كدولة جارة،وتغيير نظرة بعض دول المنطقة حول الولاء لإيران وما شابه، لاسيما الإعلام الذي كان يسعى إلى إيصال صورة سوداوية عن العراق ووضعه الأمني وعلاقاته بإيران، وفي اعقاب تولي السيد الكاظمي للحكومة ازداد انفتاح العراق على دول المنطقة ككل ولاسيما الخليج، وكان من ثمار ذلك اختيار العراق لتنظيم بطولة خليجي 25، بعد ايفاء العراق بكل متطلباته من بنية تحتية وملاعب وما شابه، كذلك حالة الاستقرار الأمني واختيار البصرة لاحتضان ذلك المحفل الرياضي. والموضوع هنا لا يقتصر على حدث رياضي عابر، بل تعداه لأبعاد سياسية واجتماعية واقتصادية، ويمكن أن نستعرضها بالآتي:
على المستوى السياسي، ابرزت تقاربًا كبيرًا ما بين العراق ومحيطه الخليجي، وذوبت الكثير من الخلافات، وتجاوزت بعض التشنجات لاسيما الحضور الرسمي العراقي في كثير من الفعاليات التي رافقت تلك البطولة، وتبادل زيارات كما حصل في استضافة السيد رئيس الوزراء للوفود الرياضية الممثلة لتلك الدول المشاركة، فضلاً عن ذلك الدور الإعلامي الكبير الذي اظهرته القنوات الإعلامية العربية والخليجية، إذ تركت بصمة مختلفة، ونقلت صورة ايجابية عن العراق والبصرة، واخذت تتجول بين الأزقة وتلتقي بمختلف الشرائح، عبر إظهار وجه العراق الحضاري والثقافي والاجتماعي، ولا يفوتنا أن نذكر تسهيلات الدخول للأراضي العراقية، والتي أسهمت بدخول الآلاف من المشجعين عبر مختلف المنافذ. وعلى المستوى الاجتماعي، فقد أظهر العراقيون أصول كرم الضيافة، عبر الترحيب بمختلف الوافدين، وفتح منازلهم وابداء الضيافة لهم، الأمر الذي أثار اندهاش كل من مرَّ بأراضي العراق. وعلى المستوى الثقافي، كان للافتتاحية التي بدأت معها البطولة أثرها الكبير، عبر إظهار جوانب مشرقة من تاريخ العراق، والمزج ما بين الماضي والحاضر، وتقديم لوحة فنية تليق بالحدث.أمّا على المستوى الاقتصادي فقد انعشت الحركة الرياضية الأخيرة جانبًا كبيرًا من السوق، عبر النقل والتنقل والسكن وشراء البضائع، كما أنَّها فتحت آفاقًا جديدة ومشجعة نحو امكانية دخول رؤوس الأموال الخليجية للاستثمار لاسيما في مدينة البصرة، وفي الوقت نفسه حجم البطولة وجاهزية الملاعب قد فتحت شهية العراق نحو السعي إلى استضافة بطولة كأس العرب، وهو أحد الملفات التي سيسعى إليها العراق، لذلك بطولة الخليج العربي الاخيرة في البصرة لم تقتصر على حفل رياضي عابر، بل رسائل متعددة ومتنوعة سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية .