م.م. علي زكي كامل
قسم الدراسات القانونية
كانون الأول/ 2023
لغة الحوار والسلام هي لغة بنّاءة وإيجابية، تهدف إلى حلّ النزاعات، وبناء العلاقات التي تستند إلى مبادئ الاستماع الفعّال، والاحترام المتبادل، والبحث عن الحلول المقبولة للطرفين، إذ قام الحوار الاجتماعي بدور مهم في تطور مكان العمل الحديث، والقرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي رفعت مستويات عيش الملايين في المجتمع، وخاصة منذ الحرب العالمية الثانية. لكن دواعي القلق تنامت إزاء قدرة مؤسسات الحوار الاجتماعي على تحقيق نتائج في اقتصاد عالمي يتسم بالعولمة. وثمة عوامل عديدة تضعف قدرة العمال التفاوضية وآليات المفاوضة الجماعية، وتشمل هذه العوامل ما يأتي: تزايد المنافسة في سياق العولمة، وإصلاحات سوق العمل، ونُظم ضريبية ونُظم اجتماعية أقل عدلاً في التوزيع، وتزايد البطالة، ولاسيما خلال الأزمات، وتقلص حصة العمل في الناتج المحلي الإجمالي، إلى جانب تقلص الانتساب للنقابات والمفاوضة الجماعية في بعض البلدان وغيرها.
وقد يكون الحوار مفهومًا غامضًا، لكن ثبت أنَّ تطبيقه أساسي لبناء السلام والحفاظ عليه، على الرغم من أنَّ مفهوم الحوار ليس جديدًا، إذ إنَّه لم يعترف به إلا مؤخراً، بعدَّه خطوة ضرورية لبناء السلام، وعنصرًا مكملًا للوساطة في النزاعات المسلحة وغيرها، ووسيلة ذات أولوية في جهود المصالحة، وبناء الوحدة الوطنية، فالحوار جوهري لتعزيز الشمولية، وإشراك المرأة والشباب والفئات المهمشة والمغتربين والأشخاص الذين عادة ما تغفلهم المفاوضات، أو عملية وضع السياسات، ومن شأن الحوار أيضاً أن يزود تلك الفئات بما يلزمها من وسائل وفرص، لكي تسمع أصواتها، ولكي تأخذ حقوقها واحتياجاتها وأولوياتها في الاعتبار، وهو يسمح كذلك باطلاع مجموعة من أصحاب الشأن والمصلحة المختلفة، على عمليات السلام وصنع القرارات، فما هي إلا مهد للطريق نحو تعزيز الشفافية، ودحظ المعلومات المضللة المحتملة، لذا ينبغي أن ينظر إلى الحوار بوصفه تدبيرًا وقائيًا أساسيًا في جميع المجالات الحياتية، وبمختلف مسمياتها وعناوينها.
عليه لا يهدف الحوار إلى تحليل الأمور أو الفوز في الجدال أو تبادل الآراء، بل إلى تعليق الآراء الشخصية والنظر في الآراء الأخرى، والاصغاء إلى آراء الجميع وتعليقها، واكتشاف المغزى الكامل وراء ذلك كله، فإذا استطعنا اكتشاف مغزى آرائنا كلها، يصبح لدينا مضمون واحد مشترك حتى لو لم نكن نتفق تمامًا، وقد يتضح أنَّ الآراء ليست مهمة في الحقيقة، فهي مجرد افتراضات، وإذا تمكَّنا من النظر إليها كلها، ربما نستطيع الانتقال بشكل أكثر ابداعًا نحو اتجاه مختلف، يمكننا بكل بساطة من مشاركة تقديرنا للمعاني، ومن هذا كله تظهر في الحقيقة بدون سابق انذار ومن دون أن نختارها. وربما تعود ممارسة الحوار إلى آلاف السنين، وحتى إلى بداية الحضارة، إذ ازداد في الآونة الأخيرة الاهتمام بالحوار، وانتشر استخدام هذا المصطلح وتطبيقه في سياقات بناء السلام والتنمية وغيرها، وأيضاً في مجالات أخرى، مثل: التعليم والسياسة العامة وغيرهما، ويمكن أن ينسب ذلك جزئيًا إلى الاستقطاب المتزايد والمتنامي في مجتمعات كثيرة حول العالم، وهو يظهر عن طريق المصالح الجيوسياسية الكبرى والمتضاربة، التي تسهم ايضاً في تعزيزها في مسائل متنوعة، مثل: الهجرة وتغيير المناخ وضبط السلاح والحرية الدينية وغيرها، إذ يتسم الخطاب بين السياسيين وفي الإعلام وحتى داخل المجتمعات والعائلات في مواقف متشددة واتهامات حاقدة ورفضاً للحقائق أو الوقائع، وينقص ذلك بشكل كبير من الجهود المطلوبة على المستويات المحلية والوطنية والدولية، من أجل العمل معاً في سبيل التصدي لتحديات التنمية الملحة في العالم، وتحقيق الأهداف الواردة، إذ يعترف الكثيرون بالحاجة إلى مزيد من المساحة والوسائل والانخراط في حوار صادق، ضمن مجتمعات بينها وبين أطراف سياسية، وضمن الهيئات العالمية المتعددة الأطراف، مثل: مجلس الأمن التابع الأمم المتحدة وغيره.
ويمكن القول إنَّ فهم الحوار في بناء السلام، وفي تعزيز التماسك الاجتماعي اليوم، لابد من وضعه في سياق ديناميكيات النزاع، وفي خضم التحولات في الجهود الدولية، لبناء السلام والحفاظ عليه. وفي هذا الإطار ينبغي النظر في ثلاثة أبعاد: يتمثل البعد الأول في خصائص النزاعات العنيفة المتغيرة، التي تدول وتتفاقم بشكل مطرد، نتيجة التدخلات غير المباشرة والتدخلات العسكرية الخارجية، التي تترتب عليها، أو تبعات عابرة للحدود واقليمهم، وتشمل التطورات الأخرى انتشار الجهات الفاعلة غير الحكومية، ونمو الحركات المتطرفة وغيرها. أمّا النزاعات المتصلة بالتغيير المناخي، فتؤدي إلى تهديدات أمنية جديدة، وغالباً ما تكون العلاقة بين النزاع المسلح والعنف غير واضح، إذ يسهم العنف الحضري والعنف المتعلق بالعصابات والجرائم المنظمة، في نشوء حالة من عدم الاستقرار، وعلى ذلك تشكل الحقائق الديموغرافية المتغيرة من آثار التوسع الحضري السريع والكبير، في تحديات اضافية على السلام، ومنها تحديات استجابات جديدة تشمل التوسع في استخدام الحوار. في حين يتمثل البعد الثاني الأكثر ايجابية في بلوغ اتفاقات ارفع مستوى فيما يتعلق بالسلام، والاستناد أكثر فأكثر في العمليات الشاملة والمعقدة، التي تقوم على أدلة مفادها أنَّ زيادة الشمولية قوة إلى مزيد من الاستدامة، فضلا عن الاعتراف بدور المرأة والشباب في بناء السلام والحفاظ على السلام.
أمّا البعد الثالث في الاعتراض ضمن الوساطة المعنية بالسياسات، وفي المجتمع الدولي على نطاق اوسع، بالحاجة إلى الحفاظ على السلام مع الوقت، باستخدام مقاربة شاملة تتمحور حول الوقاية، وفي هذا الإطار يزداد احتمال تطبيق الحوار كأداة فعالة ومقاربة مفيدة، لتعزيز الجهود الرامية إلى الحفاظ على السلام.
وعليه تستخدم لغة الحوار والسلام في مجموعة متنوعة من السياقات، بما في ذلك يمكن استخدامها لحل النزاعات بين الأفراد أو المجموعات، وبناء العلاقات مع الآخرين، وتعزيز التفاهم المتبادل، والتواصل الفعال مع الآخرين، والتعبير عن الأفكار والمشاعر بطريقة واضحة وبناءة.
ومن هنا فإنَّ لغة الحوار والسلام هي لغة مهمة للتعلم، فهي إذاً تساعد على حل النزاعات، وبناء العلاقات وتحسين التواصل.