تاريخ الذكاء الاصطناعي

      التعليقات على تاريخ الذكاء الاصطناعي مغلقة

م.م عبد المحسن عبد الأمير إبراهيم

الدراسات القانونية

كانون الأول/ 2023

يمكن تعريف الذكاء الاصطناعي (AI)، بأنَّه: عملية محاكاة الذكاء البشري عن طريق أنظمة وآلات وبرامج خاصة، تكون نسبة الخطأ فيها قليلة جدا. وذهب البعض إلى أنَّ تعريف الذكاء الصناعي: هو جزء من التطور التكنولوجي عن طريق إدخال أنظمة ومدخلات جديدة، من أجل استيعابها وتحليل هذه المدخلات، والخروج بنتائج مستقبلية قليلة الخطأ.

إنَّ تاريخ الذكاء الاصطناعي في بداياته الأولى كانت في مجالين، هما: (الأدب والسينما)، عن طريق تصوير الخيال الواسع لأفلام سينمائية، وتصورات لدى الأدباء عن طريق القصص والروايات. أمّا كمصطلح فكان المؤتمر الأول (مؤتمر دارتموث)، الذي انعقد في صيف عام 1956، من قبل وزارة الدفاع الأمريكية بكلية دارتموث بهانوفر، نيوهامبشير، وقد ضمَّ هذا المؤتمر علماء الحاسوب والرياضيات والفيزياء وغيرهم، وكان أشهر المشاركين هو جون مكارتي (John McCarthy)، أستاذ علوم الكمبيوتر وعلوم الإدراك، ومارفين مينيسكي (Marvin Minsky)، وناقش المؤتمر عدة موضوعات متعلقة بالحاسوب، مثل: معالجة اللغة الطبيعية، وحل المشكلات، والتعلم الآلي، وفي الختام ذكر المؤتمر خارطة الطريق، من أجل أبحاث الذكاء الاصطناعي، وتطوير البرمجيات والخوارزميات التي تخص الكمبيوتر. ويعدّ هذا المؤتمر هو الأول الذي ذكر مصطلح الذكاء الاصطناعي، ولقد أثار هذا المصطلح موجة كبيرة للبحث والابتكار في هذا المجال، وقد وجه المؤتمر أن التطور في الذكاء الاصطناعي، يعتمد على وجود مختبرات خاصة ورسمية وإنشائها لهذا الخصوص, وقد واصل جون مكارثي وزملائه تطوير أول لغة خاصة ببرامج الذكاء الاصطناعي(Lisp)، في مختبر الذكاء الاصطناعي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، واقترح عالم الرياضيات (آلان ماتيسون تورنج) البريطاني الأصل، بوجوب اختبار للآلات المستخدمة لمعرفة مدى النتائج، وهل يمكن أن تكون قريبة لتفكير الانسان، وبالفعل أصبحت فكرة التجربة داخل الأبحاث والمختبرات، هو معيار مهم لقياس التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي، وأصبح هذا المؤتمر واضعًا خارطة الطريق الأولى للبحث في مجال الدراسة، وأثارت موجة من الابتكارات فيما بعد. وفي عام 1958 طور عالم الهندسة والكهرباء الأمريكي (فرانك روزينبلات)، إذ أدخل مصطلح البيرسبترون (Perceptron) المعني ببنية شبكة عصبية أو اصطناعية، إذ يقوم الباحثون ببناء أنظمة للذكاء الاصطناعي، لتقليد الدماغ البشري، وكسب الخبرة، وتحسين أدائها بمرور الوقت، مثلما يفعل البشر عن طريق التجارب وتعديل المخرجات. كان هذا المصطلح هو غامض بالنسبة للباحثين في هذا المجال، ولذلك ظهر فعليا حيز التنفيذ في سبعينيات القرن العشرين، وأحدث طفرة في مجال الذكاء الاصطناعي.

أمّا في عام 1976 إلى 1980 فقد عرفت هذه الفترة بشتاء الذكاء الاصطناعي الأول، نظرا لتراجع الشركات والحكومات الداعمة لهذا البرنامج عن عدم دعمها، والسبب في ذلك كانوا ينظرون إلى أنَّ الذكاء الاصطناعي صعب المنال، من أن يصل إلى الدماغ البشري ويتفوق عليه. وفي مطلع الثمانينيات من القرن العشرين، تم إجراء بحث حول التعلم الآلي والعميق، وهي عملية تحاكي اتخاذ القرار عند الانسان. وجاءت فترة الشتاء الثانية للذكاء الصطناعي من عام 1982 إلى 1990، يستثنى من هذه الفترة ما قام به اليابان، حيث استثمر أموالًا طائلة بهدف إحداث ثورة في تطور الكمبيوتر، لكن لم ينل اليابانيون ما طمحوا له خلال هذه الفترة، وجاء عام 1997 حيث هُزم بطل الشطرنج (غاري كاسبروف) في لعبة الشطرنج من برنامج (لكسوش ديب)، الذي تم تطويره بواسطة شركة جوجل. وفي العام نفسه طورت الشركة برنامج التعرف على الصوت، الذي أحدث  طفرة الذكاء الاصطناعي في التسعينيات من القرن العشرين، أما السنوات الأخيرة من القرن العشرين فهي فترة تقدم كبير، فقد اهتم علماء الكمبيوتر وباحثون في مجال الرياضيات والخوارزميات بتطوير الذكاء الصناعي، واكتشفوا طرقًا جديدة لإنشاء الآلات الذكية وبرمجتها، لأداء المهام التي تتطلب ذكاءً بشريًا لفهمها. في البداية واجهوا ظهور بعض العيوب، فركزوا في مجالات التفكير الرمزي (هو نوع من التفكير يستخدم الرموز لتمثيل المعلومات ومعالجة اللغة الطبيعية)، والتعلم الآلي، وأهمل البيرسبترون خلال هذه الأعوام. في هذه الحقبة وجهت الولايات المتحدة الأمريكية اهتمامًا كبيرًا بالذكاء الاصطناعي، وقد مولت المشاريع البحثية والمختبرات بأموال كبيرة، معتمدة على وكالة خاصة بمشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة، وقد زودت هذه الوكالة الباحثين بما يحتاجونه لمعالجة المشكلات المتزايدة وحلها، وتوجت هذه الحقبة بتطوير العديد من الأنظمة المهمة، عن طريق نظام ((GPS، وحل المشكلات العامة عن طريق العالم (هيربرت سايمون) و(الين نيويل)، وأنشأ (جوزيف ويزنباوم) برنامجًا يختص باللغة الطبيعية، وعدّت هذه الفترة فترة تقدم كبير في أبحاث وتطوير الذكاء الصناعي، عن طريق تطوير اللغات وأدوات مصممة خصيصا لتطبيقات الذكاء الصناعي.

شهد العقد الأول من القرن (الحادي والعشرين)، تقدمًا كبيرًا في مجال الذكاء الاصطناعي، إذ تم تطوير العديد من التقنيات الجديدة، التي أدت إلى تحسين أداء الآلات في مجموعة واسعة من المهام. أحد أبرز التطورات في هذا العقد هو ظهور التعلم الآلي، وهو مجال من الذكاء الاصطناعي يركز في تطوير خوارزميات، يمكنها تعلم المهام من البيانات دون الحاجة إلى البرمجة بشكل صريح، كالتعرف على الكلام والصور والترجمة.

أمّا العقد الثاني من القرن (الحادي والعشرين)، فقد استمر في التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي، إذ تمَّ تطوير العديد من التقنيات الجديدة، التي أدت إلى تحسين أداء الآلات في مجموعة واسعة من المهام. أحد أبرز التطورات في هذا العقد كان ظهور(التعلم العميق)، وهو مجال من الذكاء الاصطناعي يركز في تطوير خوارزميات يمكنها تعلم المهام من البيانات، باستخدام شبكات عصبية اصطناعية معقدة كالقيادة الذاتية، حيث تستخدم السيارات ذاتية القيادة، الذكاء الاصطناعي لتحديد الطريق والتحكم في السيارة والرعاية الصحية، عن طريق تحليل البيانات الطبية، وتحسين كفاءة الإنتاج، ومراقبة الجودة في مجال التجارة.

ويتوقع أن يشهد العقد الثالث من القرن (الحادي والعشرين)، استمرارًا في التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي، أكثر مما هو عليه في السنوات الماضية.