أ.م. علي مراد النصراوي/ قسم إدارة الأزمات
جامعة كربلاء/ مركز الدراسات الاستراتيجية
كانون الثاني/ 2024
لسنا هنا بصدد الرجوع لأسباب الحرب وتداعياتها، إذ تطرقنا لمثل هذا في مقالات سابقة، إلا ان، وبعد قرابة المائة يوم من الحرب التي يشنها الكيان الصهيوني على غزة، لا تزال المقاومة الفلسطينية صامدة، وهو عكس المتوقع تماماً، إذ إنَّ أغلب التقديرات من كبار المتابعين، كانت تشير إلى أنَّ العملية البرية ستكون سريعة وخاطفة، وتسفر عن تحرير الرهائن، والقضاء على حركة حماس، واغتيال قادتها، وهذا ما روج له الإعلام الإسرائيلي، إلا أنَّ الواقع غير ذلك تماماً، فعلى الرغم من الفارق الكبير الذي لا يقارن، ما بين جيش الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة، من حيث المعدات والإمكانات والتكنلوجيا والمساحة، وحجم الدعم الدولي والأمريكي، وسياسة الأرض المحروقة، التي اتبعها الاحتلال في تدمير كل شيء على الأرض، إلا أنَّ الاحتلال كان قد فقد عنصر المباغتة، إذ إنَّ المقاومة هي من بدأت الحرب، وبطبيعة الحال قد استعدت جيداً وتهيأت لذلك لحرب برية طويلة وهذا ما يثبته الميدان، فضلا عن تطور قدرات المقاومة محلياً، لاسيما المضادة للدروع والمسمى محلياً ياسين (105)، ونجح في تدمير مئات الدبابات كلياً أو جزئياً، إضافة إلى عبوات الشواظ والصواريخ البعيدة والقصيرة المدى، كذلك من ضمن فشل الاحتلال لاتزال صواريخ المقاومة تتساقط على الأراضي المحتلة لاسيما تل أبيب.
أمّا عن صمود المقاومة في غزة، فبالرغم من كل آلة الحرب، وارتفاع عدد الشهداء المدنيين، لقرابة الـ (90) ألف ما بين شهيد وجريح، وحجم الدمار الهائل، والتهجير القسري، وانعدام الخدمات، وتعثر وصول المساعدات، لا يزال الشعب الفلسطيني في غزة صامداً، وهو ما يظهر في إصراره على مواصلة الدفاع عن غزة، ورفض كل أشكال التسوية، ما لم تشمل وقفاً دائماً لإطلاق النار، والشروع بمفاوضات ربما تشمل إطلاق سراح غالبية الأسرى، في صفقة لأي تبادل محتمل. في جانب آخر كلفة الحرب مع تصاعد وتيرتها، وهنا نتحدث عن خسارة تقدر بمليارات الدولارات، مع توقف شبه تام للحياة الاقتصادية والسياحية، وتوتر ما بين كبار قادته، فضلا عن الجبهة الشمالية لإسرائيل والجنوبية في لبنان، لاسيما أنَّها شهدت تصاعداً كبيراً قد تشعل الجبهة بأكملها، وسط إخلاء لغالبية سكان تلك المستوطنات، وهو ما يمثل تحدياً للداخل الإسرائيلي، فضلاً عن جبهة الجولان وما تمثل من تحدٍ، إذا ما دخلت على خط الحرب، وفوق كل ذلك ما يحصل في البحر الأحمر، وكيف تأثر ميناء ايلات، وتجنب السفن المتجهة للكيان الصهيوني المرور من باب المندب، وما نتج عنه من تضاعف لكلفة الشحن العالمي، وتضرر إسرائيل الكبير من جرّاء ذلك، بالرغم من دخول الأمريكان وبريطانيا ودول عدة على خط الحماية، ومحاولة التصدي للحوثيين، إضافة إلى شن ضربات أمريكية على بعض الفصائل في الداخل العراقي، بداعي الرد على هجمات قاموا بها، استهدفت قواعد أمريكية في العراق وسوريا.
إضافة إلى ما جاء آنفا، هناك صمود آخر وهو بنوعين: الأول لا تزال المقاومة الفلسطينية تحتفظ بالأسرى، على الرغم من كل العروض التي قدمت لها، وضغوط الميدان، وظروف الحرب، وهذا مؤشر على خبرة المقاومة وحنكتها وصبرها للمناورة بهذه الورقة الرابحة. النوع الثاني هو صبر سكان غزة وصمودهم، إذ لا نرى تذمراً أو شكوى أو تحميل فصائل المقاومة السبب، بل العكس، مع تصاعد الهجمات، وزيادة أعداد الشهداء المدنيين، نرى السكان، وبالرغم من قلة المساعدات، يحاولون التكيف قدر الامكان، ورفض دعوات التهجير خارج القطاع، ويحاولون قدر المستطاع دعم المقاومة. لذلك، وبعد قرابة المائة يوم، لا تزال المقاومة صامدة، وتوثق صور قتالها، مع اعتراف جيش العدو بتجاوز قتلاه الـ (500) جندي، منذ السابع من اكتوبر، من غير الجرحى الذين يقدر عددهم المعلن لأكثر من ثلاثة آلاف جريح، من غير المعاقين أو الذين يعانون من اضطراب نفسي. وبذلك فإنَّ الصمود الأسطوري قد بدأ يحقق أهدافه.