العراق يحتاج إلى نوع جديد من الشراكة مع الولايات المتحدة الأميركية: الطريق نحو التعاون المستدام
الكاتب: محمد شياع السوداني/ رئيس الوزراء العراقي
الناشر:Foreign Affairs / واشنطن 11/نيسان 2024
ترجمة وتحليل: د. حسين أحمد دخيل
14 نيسان 2024
قبيل زيارته إلى واشنطن، كتب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني مقالة، بعنوان: (العراق يحتاج إلى نوع جديد من الشراكة مع الولايات المتحدة الأميركية: الطريق نحو التعاون المستدام)، نشرتها مجلة Foreign Affairs، يوم (11) نيسان الجاري، وهي مجلة أميركية تصدر كل شهر، عن مجلس العلاقات الخارجية، ومتخصصة في السياسة الخارجية الأميركية، جاء فيها:
قبل عقدين من الزمن، ساعدت الولايات المتحدة الشعب العراقي، في إسقاط النظام الدكتاتوري لصدام حسين، ووضع الأسس لنظام ديمقراطي. فقد مكّن العراقيين من تذوق طعم الحرية لأول مرة، فقضى على القمع، وسوء استخدام الموارد، الذي كان سبباً في مشكلات ليس للعراق فحسب، بل أيضاً للمنطقة على نطاق أوسع.
ومنذ ذلك الحين، مرت العلاقات الأميركية العراقية، بفترات صعود وهبوط، وفترات من الاشتباك وفك الارتباط، إذ كانت المواقف تتسم بالتقارب تارة، وتشوبها التوترات تارة أخرى. ولكن طوال الوقت، كان هناك تفاهم مشترك بين قادة البلدين، على أنَّ علاقتنا ستظل أولوية استراتيجية، مدعومة بالمصلحة المشتركة، والجهود التعاونية للتغلب على الصعوبات. فقد هزمنا الإرهاب معًا، وقد أتاح لنا التعاون الأمني، إعادة بناء الجيش العراقي، وبناء قوات أمنية كفوءة وفعّالة.
اليوم، نحتاج إلى حماية شراكتنا الاستراتيجية، عن طريق الانتقال بها إلى مرحلة جديدة، مرحلة تدعم سيادة العراق واستقلاله، دون التخلي عن التعاون المثمر بين بغداد وواشنطن. ففي أواخر كانون الثاني/يناير الماضي، قمنا بتشكيل اللجنة العسكرية العليا، المؤلفة من كبار المسؤولين العسكريين، من كل من الولايات المتحدة والعراق، لتقييم التهديد المستمر الذي يشكله ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية (المعروف أيضًا باسم داعش)، وقدرات أجهزة الأمن العراقية، والظروف التشغيلية في جميع أنحاء البلاد. وقد أدى هذا الجهد إلى اتفاق بين جميع أصحاب المصلحة، على إنهاء التحالف الدولي بطريقة تدريجية ومنظمة، وفق جدول زمني متفق عليه. وللمضي قدمًا، ستقوم اللجنة العسكرية العليا، بوضع خريطة طريق للعلاقات المستقبلية، بما في ذلك وجود مستشارين أمريكيين. إنَّ هذه التحركات، ستسمح لنا بالانتقال إلى مرحلة جديدة من الشراكة، على أساس التعاون الذي يتجاوز الشؤون الأمنية والعسكرية، إلى قطاعات أخرى.
إنَّ العلاقة بين الولايات المتحدة والعراق، تشكل عنصراً أساسياً لاستقرار الشرق الأوسط، فضلاً عن ازدهار شعوب المنطقة. وفي السنوات الأخيرة، نشأت التوترات بين الحين والآخر بين بلدينا، نتيجة للصراع مع الجماعات المسلحة، التي كانت موجودة في العراق على مدى العقدين الماضيين. وقد نشأت هذه الجماعات، نتيجة الظروف المعقدة التي واجهها العراق، أثناء مواجهته للإرهاب. لكن شيئاً فشيئاً، ومع استعادة الأمن والاستقرار، ستختفي الحاجة الى السلاح الخارج عن سيطرة الدولة ومؤسساتها. ونحن نعمل بشكل متضافر لتحقيق هذه الغاية.
أمام العراق طريق طويل ومليء بالتحديات، وتدرك حكومتي موقفها الحساس، والتوازن الدقيق الذي يجب عليها الحفاظ عليه، بين الولايات المتحدة والجماعات التي تدخل أحياناً في صراع مباشر، مع القوات الأمريكية. لكن رؤيتنا لهذا الوضع واضحة: نحن نرفض الهجمات على المصالح الأميركية في العراق أو في الدول المجاورة. وفي الوقت نفسه، نحن بحاجة إلى الوقت لإدارة التعقيدات الداخلية، والتوصل إلى تفاهمات سياسية مع مختلف الأطراف. وإنَّ قرار الحرب والسلم يجب أن يكون شأناً خاصاً بالدولة، ولا يمكن لأي طرف آخر أن يطالب بهذا الحق.
وبمساعدة أصدقائه -ولاسيّما الولايات المتحدة- تمكن العراق من هزيمة المنظمة الإرهابية، الأكثر وحشية في التاريخ الحديث. والآن، لم يتبقَ سوى مجموعات صغيرة من داعش؛ وتلاحقهم قواتنا الأمنية عبر الصحارى والجبال والكهوف، لكنهم لم يعودوا يشكلون تهديدا للدولة. وقد عزز هذا الصراع بشكل كبير تجربة قواتنا الأمنية، ووضعها بين أفضل الجيوش في مكافحة الإرهاب. وقد حان الوقت لطي الصفحة، وإعادة توجيه مواردنا وقدراتنا، من شن الحروب إلى تعزيز التنمية.
إنَّ النصر النهائي على الإرهاب، أمر بعيد المنال من دون تنمية حقيقية، بما في ذلك توفير مستوى لائق من الرعاية الصحية والتعليم، وغير ذلك من الخدمات الأساسية. هذا هو هدف البرنامج الذي طورته حكومتي، وهي عازمة على تنفيذه: الدفع بالإصلاحات الاقتصادية والمالية، وتعزيز حقوق الإنسان، وتمكين المرأة، وتعزيز مبادئ الحرية والديمقراطية بشكل عام. ومن الأهمية بمكان أيضاً أن نكافح الفساد ـ وهو الوجه الآخر للإرهاب، إذ إنَّ تأثيره لا يقل تدميراً ـ وأن نضمن توجيه أموال الشعب العراقي، نحو أهداف ذات معنى. ويتعين علينا أيضاً أن نعمل على تنويع اقتصادنا، بعيداً عن الاعتماد على النفط، حتى عندما نستفيد من مكانتنا، بوصفنا ثاني أكبر دولة مصدرة للنفط في منظمة أوبك، (فضلا عن امتلاكنا لاحتياطيات كبيرة من الغاز الطبيعي). ولتحقيق هذه الغاية، نعمل على تطوير المشاريع العابرة للحدود، مثل: (المناطق الصناعية مع الدول المجاورة) وطريق التنمية، الذي يعمل على ربط منطقة الخليج بتركيا وأوروبا.
وكجزء من هذا الجهد، لدينا الآن فرصة لتحويل العلاقة بين العراق والولايات المتحدة، من علاقة أحادية الجانب، إلى علاقة شاملة. لقد حان الوقت لتفعيل بنود اتفاقية الإطار الاستراتيجي كافة، الموقعة عام 2008 بين العراق والولايات المتحدة. ويذهب هذا الاتفاق إلى ما هو أبعد من مجرد الشؤون الأمنية والعسكرية، التي هيمنت على العلاقة خلال معظم العقدين الماضيين، ويتضمن شروطاً للتعاون في مجالات، مثل: الاقتصاد والاستثمار، والطاقة والمناخ، والزراعة والصناعة، والتكنولوجيا والتعليم.
ونظراً لتضحياتهم الجماعية، فإنَّ الشعبين العراقي والأميركي، يستحقان رؤية فوائد مستمرة من هذه الشراكة. إنَّ الاستقرار الحالي في العراق، يجب أن يشجع الشركات الأمريكية على المشاركة في مشاريع تنموية مهمة، في مجالات الطاقة والاتصالات والإسكان والرعاية الصحية والتعليم والنقل وغيرها. إنَّ حاجتنا الملحة للخبرة والتكنولوجيا الأمريكية، تمتد إلى الطاقة النظيفة والاقتصاد الأخضر، حيث نهدف إلى تطوير قطاعات مستدامة ومتجددة. وقد أرسى اتفاق الإطار الاستراتيجي الأساس القانوني لهذه الأنشطة. وعن طريق الاستثمار فيها، يمكننا وضع العراق في مكانة تمكنه من تعزيز ديمقراطيته، وتقوية الدولة، وتعزيز سيادة القانون، وهي الركائز التي ستسمح لنا باستعادة العراق إلى رونقه التاريخي.
العراق أولا:
إنَّ المبدأ التوجيهي لعلاقاتنا الخارجية، هو “العراق أولاً”، أي بناء شراكات قوية تقوم على المصالح المشتركة، مع الدول الصديقة في منطقتنا وخارجها. ويعني هذا المبدأ أننا نتعامل مع كل دولة، على قدم المساواة، حتى لا يتحول العراق إلى ساحة لتصفية حسابات أي جهة خارجية. ويجب التعامل مع العراق على أساس السيادة والاحترام المتبادل، وليس بعدَّه وكيلاً لصراعات أخرى.
ولهذا السبب أيضاً، نسعى إلى استعادة دور العراق المحوري في الشرق الأوسط، مستفيدين من موقعنا الاستراتيجي. ونحن نرحب بفرصة العمل مع الولايات المتحدة، لنزع فتيل الأزمات، وخفض التوترات في الشرق الأوسط. ومع ذلك، فإننا عازمون على تجنب الوقوع في صراع بين اثنين من شركائنا، إيران والولايات المتحدة. نحن نعدّ أنَّ التهدئة الشاملة في الشرق الأوسط، تصب في مصلحة العراق والولايات المتحدة. ويتطلب ذلك، قبل كل شيء، إنهاء الحرب في قطاع غزة بشكل عاجل، واحترام الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
عندما أزور واشنطن، وألتقي بالرئيس جو بايدن في 15 نيسان/أبريل، ستكون تلك فرصة لوضع الشراكة الأميركية العراقية، على أساس جديد وأكثر استدامة. وستؤكد مناقشاتنا على الأهمية المستمرة لعلاقاتنا الاقتصادية، والتعاون في مكافحة غسل الأموال، وتمويل الإرهاب، واستخدام الأدوات السياسية والدبلوماسية، لنزع فتيل التوترات الإقليمية. وستظل الحرب ضد الإرهاب، موضوعاً مركزياً لحكومتينا.
نحن ندرك ونقدر الدور الحاسم الذي تقوم به الولايات المتحدة، والأعضاء الآخرون في التحالف الدولي، لمحاربة داعش في هزيمة الإرهاب. وقد ساعد هذا الدعم العراق على تحقيق الاستقرار، وتحقيق خطوات كبيرة على طريق الديمقراطية وسيادة القانون، وضمان احتكار الحكومة لاستخدام القوة. ومع ذلك، فإننا نعتقد أنَّ الوقت مناسب لتصبح علاقتنا أوسع، مع الاعتراف بالقدرات المتنامية لقواتنا، للدفاع عن العراق وضمان سلامة مواطنيه، والمساهمة بطرق أساسية في بناء عراق مزدهر ومستقر. في شكلها الجديد، يمكن لشراكتنا أن تمثل مصدراً للمنفعة المتبادلة لكلا بلدينا، وقوة دافعة لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط.
تحليل:
في كل مرة، وقبيل زيارتهم إلى واشنطن، نلاحظ أنَّ رؤساء الحكومات العراقية، ينشرون مقالات في صحف ومجلات ومواقع اميركية، معروفة لها تأثيرها في الرأي العام الأميركي. ويمكن أن توصل رؤية الحكومة للملفات التي سيتم مناقشتها، خلال اللقاء في البيت الابيض.
يُراد من هذه المقالات توضيح رؤية الحكومة العراقية، للعلاقات مع الولايات المتحدة الاميركية، في وقت لا تملك أي من الحكومات استقلالها السياسي داخليا وخارجيا، في اتخاذ قرارا مباشرا وواضحا، بشأن العلاقات مع واشنطن. وهذا معلوم وواضح في الداخل الامريكي، على مستوى صناع السياسات والمراقبين، ووسائل الإعلام ومجتمع الاعمال.
ما هو مدرك في الداخل الامريكي، أنَّ الحكومات العراقية السابقة، وعلى الرغم من تبني رؤسائها رؤية ايجابية، تغازل الرؤية الاميركية، وتريد التقرب من صناع السياسات وصانعي القرار في واشنطن، في مقالات يكتبوها بأيديهم، إلا أنَّهم عجزوا عن تجسيد تلك الرؤية، وترجمتها الى قرارات واجراءات، تقود إلى ترسيخ العلاقات المتعددة مع الولايات المتحدة.
فالإطار العام والمؤسس لتلك العلاقات، هو اتفاقية الإطار الاستراتيجي، وهي ما يتغنى بها رؤساء الحكومات دائما، إلا أنَّهم عاجزون عن تنفيذ أبوابها على أرض الواقع، بسبب التأثيرات الداخلية والخارجية. الحكومة الحالية، كما وصفها رئيس الحكومة السيد السوادني، أنَّها حكومة الاطار التنسيقي، والصوت الاعلى في الإطار، هو مع تحديد وكبح العلاقات مع واشنطن، استجابة لرؤية ايران في المنطقة.
ما زالت ملفات القرار السياسي العراقي المستلب والهش، وعدم الوضوح في رؤية الحكومة في التعامل مع الفواعل من غير الحكومة، والنشاط المسلح لها داخل العراق وخارجه، وانعدام القدرة على مواجهة الفساد والفاسدين، وملفات حقوق الانسان، وامكانية مشاركة الشركات الاميركية في الاستثمار في العراق، وحقوق الاقليات، والعلاقات مع اربيل. هي ابرز الملفات التي تهيمن على صانعي السياسات، ومجتمع الاعلام في الولايات المتحدة. ولا نرى أي امكانية للحكومة الحالية – كما الحكومات السابقة – على أن تكون واضحة ومباشرة، فيما يخص هذه الملفات.