استهداف إسرائيل للقنصلية الإيرانية والمنظمات الدولية والانسانية

      التعليقات على استهداف إسرائيل للقنصلية الإيرانية والمنظمات الدولية والانسانية مغلقة

 

قراءة في الأسباب والنتائج

أ.م.د. حمد جاسم محمد

قسم إدارة الأزمات

مركز الدراسات الاستراتيجية –جامعة كربلاء

نيسان/ 2024

تعد البعثات والمقار الدبلوماسية (السفارات والقنصليات ومنازل الدبلوماسيين)، كذلك المنظمات الأممية والإنسانية، من الأماكن المحمية في القانون الدولي العام، فضلا عن أنَّ البعثات الدبلوماسية، تمثل أراضي تابعة للدول التي تتبعها، وإنَّ أي اعتداء عليها يعد اعتداءً على الدولة نفسها، إذ لا يجوز انتهاكها، أو اقتحامها، أو استهدافها من قبل أي جهة، وفي أي وقت سواء في وقت السلم أو الحرب، إذ تمثل حقًا دوليًا ملزمًا، يتعين على الدول الالتزام به وتحقيقه. وأصل هذه الحماية من مبدأ احترام السيادة الوطنية، والاحترام المتبادل بين الدول، ومن أجل تعزيز دور البعثات الدبلوماسية والدبلوماسيين في تحقيق التفاهم والتعاون الدولي، وقد حددت اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لسنة 1961، نطاق هذه الحماية، لكي تمكن أعضاء البعثة الدبلوماسية، من أداء ما تفتضيه وظيفتهم باستقلالية من جهة، ومن جهة أخرى حماية للمقر ومشتملاته من الاعتداءات والانتهاكات، وتضع من ينتهكها تحت طائلة المسؤولية الدولية. وهذا ينطبق أيضا على حماية أفراد المنظمات الدولية ومقراتها، من أي استهداف أو انتهاك أثناء الحروب، لأنَّها تقوم بأعمال إنسانية وتنظيمية وفق القانون الدولي.

إنَّ استهداف الكيان الاسرائيلي للمدنيين في غزة، وقتل وجرح مئات الآلاف منهم، وتدمير البنى التحتية والمستشفيات، ومنع الغذاء عن أهل غزة، هو بحد ذاته انتهاك للقانون الدولي والإنساني، إلا أنَّ إمعان إسرائيل في العدوان، قاد إلى استهدافها البعثات الدبلوماسية، والقوات الأممية والانسانية، إذ استهدفت إسرائيل دورية لقوات حفظ السلام، التابعة للأمم المتحدة في لبنان، وهو ما أسفر عن (4) جرحى يوم 30/3/2024، علما أنَّ هذه القوات مميزة من حيث الزي العسكري، وإنَّ أماكن وجودها معلومة لكل الأطراف، وهي قوات أممية تأسست في لبنان، بواسطة مجلس الأمن في آذار 1978، للتأكيد على انسحاب الكيان الإسرائيلي من لبنان، واستعادة الأمن والسلام الدوليين، ومساعدة الحكومة اللبنانية على استعادة سلطتها الفعالة في المنطقة، علما أنَّه تم تعديل مهمتها مرتين، عام 1982 وعام 2000، نتيجة التطورات لحدوث تطورات في المنطقة، كذلك أنَّ استهداف الجيش الاسرائيلي، للقنصلية الإيرانية في العاصمة دمشق، يوم الاثنين 1/4/2024، ومقتل (13) شخصًا، (7) عسكريين إيرانيين و(6) سوريين، والدمار الذي لحق بالقنصلية، وهو انتهاك آخر للقانون الدولي، وانتهاك للسيادة الايرانية التي تمثلها القنصلية في دمشق، ولم يتوقف الاستهداف الاسرائيلي على هذا، بل قصف الطيران الصهيوني، قافلة عمال إغاثة تابعة لمنظمة إنسانية (المطبخ المركزي العالمي)، في قطاع غزة يوم الاثنين 1/4/2024، تقوم بتوزيع الطعام في غزة، مما أدى إلى مقتل (7) منهم، هذه الاستهدافات تمت في أوقات متقاربة جدا، وهي تبين الطابع العدواني للكيان الاسرائيلي، ضد القانون الدولي وانتهاكه.

إنَّ استهداف الكيان الاسرائيلي للمقار الدبلوماسية، والقوات الأممية والمنظمات الانسانية، لم يأتِ عن خطأ أو عدم معرفة بها، لأنَّ هذه القوات، والبعثات، والمنظمات الانسانية، مميزة بعلامات وأماكن معروفة للكل، بل أغلب التحليلات تضع نظرية المؤامرة، والتعمد في هذا الاستهداف، لتحقيق غايات عديدة، منها:

  • إنَّ الكيان الاسرائيلي حتى قبل تأسيسه عام 1948، اعتمد على أسلوب الترهيب، والقوة، وارتكاب المجازر، الترهيب ضد السكان الفلسطينيين، أو ضد الأفراد، والبعثات الدولية والأممية، ومنع أي قوة، أو فرد، يقف في وجه تحقيق أهدافها، فقد ارتكب العديد من المجازر في فلسطين، وتهجير سكانها، كذلك اغتيال الوسطاء الدوليين، وهو (الكونت برنادوت ) في 17أيلول 1948، وهو سويدي الجنسية، والذي اقترح خطته للسلام في 27 حزيران 1948، والتي تقضي بقاء القدس بأكملها، تحت السيادة العربية، وعودة اللاجئين الفلسطينيين، الذين فروا من القتال، أو طردتهم القوات اليهودية إلى بيوتهم، واستعادة ممتلكاتهم. لهذا فإنَّ استهداف المنظمات الانسانية في غزة، هو لمنع وصول الغذاء والدواء إلى أهل غزة، وترهيب أي منظمة انسانية من مخالفة ذلك. حتى أنَّ عدم فتح المعابر الدولية، ومنها معبر رفح، هو خوف مصر من عواقب ذلك عليها، وما قد تجره من نشوب حرب بين الطرفين.
  • إنَّ استهداف البعثات الدبلوماسية هو أسلوب إسرائيلي آخر، وذلك من أجل خلط الأوراق في حرب غزة، ومحاولة جر دول أخرى لهذا الصراع، لكسب التأييد الغربي، الذي بدأ يتآكل بشكل واضح، ولاسيّما أنَّ الاستهداف المستمر للوجود العسكري في سوريا ولبنان وقنصليتها أخيرًا، هو محاولة الانتقام من إيران لوقوفها إلى جانب المقاومة، كذلك محاولة لدخول إيران للحرب، وخلط الأوراق في المنطقة.
  • إنَّ استهداف قوات اليونيفيل الدولية في لبنان، لم يكن الأول ولن يكون الأخير، وهي محاولة أخرى لإخراج هذه القوات من لبنان، وفتح جهة قتال أخرى، من أجل كسب التأييد الداخلي لحكومة رئيس الوزراء الاسرائيلي (بنيامين نتياهو)، الذي بدأ يواجه معارضة داخلية شرسة، سواء من جانب أحزاب المعارضة، أو من جانب الشارع الإسرائيلي، الذي بدأ بإلقاء اللوم على رئيس الوزراء في هذه الأحداث.
  • إرسال رسالة إلى الأمم المتحدة، ولاسيّما الآمين العام (انتونيو غوتيريش)، الذي عارض الحرب على غزة، وندّد بالانتهاكات الصهيونية، كذلك رسالة إلى مجلس الأمن ولاسيما بعد قرار مجلس الأمن الأخير، بإيقاف الحرب على غزة خلال رمضان، وموافقة أغلب الدول على القرار، كذلك محاولة رئيس الوزراء الاسرائيلي (نتياهو)، بأنَّ اسرائيل لن تلتزم بالقرارات الدولية، وأنَّها سوف تستهدف كل من يعارض، أو يقف عائقًا أمام خططها وجرائهما.

الانتهاكات الاسرائيلية للقانون الدولي، واستمرار ارتكاب الجرائم، والاغتيالات، والقتل، والتهجير، لن تمر بدون رد على المستوى الدولي، أو الإقليمي، أو حتى من جانب فصائل المقاومة الفلسطينية، وستقود إلى نتائج عديدة، منها:

  • الإدانات الدولية للحرب الاسرائيلية على غزة، فضلا عن المعارضة الشعبية الواسعة، فقد انطلقت المعارضة من الدول الغربية، وهي تعد أقرب حلفاء إسرائيل. إذ أعلنت كندا مثلا، وقف بيع الأسلحة لإسرائيل، فضلا عن خروج مظاهرات واحتجاجات شعبية واسعة، في هذه الدول ضد اسرائيل، والدعوة إلى وقف الحرب، وفتح الحصار، ودخول المساعدات، هنا بدأت إسرائيل تواجه معارضة دولية غير مسبوقة في تاريخها، وإنَّ استهداف المنظمات الانسانية والدولية، والمقرات الدبلوماسية، سوف يزيد من وتيرة الانتقادات الدولية. فقد انتقدت بريطانيا والولايات المتحدة، وهم أقرب حلفاء لإسرائيل، استهداف منظمات الاغاثة الدولية في غزة.
  • إنَّ قواعد الاشتباك بين إيران وإسرائيل، اخذت في التغير، مما قد يؤسس لمرحلة جديدة على صعيد المواجهة. وإنَّ استهداف اسرائيل للقنصلية الايرانية في دمشق، وردود الفعل الايرانية، وعلى أعلى المستويات، بأنَّ الجريمة لن تمر دون عقاب، وكثرة التحليلات حول طريقة الرد، بين استهاف سفارات اسرائيل في المنطقة، وهذا لن يتحقق بسبب سحب إسرائيل طاقمها الدبلوماسي، من عدد من دول المنطقة. أو الرد عن طريق فصائل المقاومة. كذلك الرد الايراني المباشر، وهو الاحتمال الأكثر تحقيقًا، حتى أنَّ الولايات المتحدة، نأت بنفسها عن الضربة الاسرائيلية في رسالة لإيران، قد يقود ذلك إلى حدوث مواجهات مباشرة بين الطرفين، وضرب الاستقرار في المنطقة، لاسيّما أنَّ استهداف القنصلية، يعد اعتداءً اسرائيليًا مباشرًا على إيران، وإعلان حرب ضدها، وهو ما جعل الولايات المتحدة، تتنصل عن أي مسؤولية، أو علمها بالضربة الإسرائيلية، وإنَّ إيران لن تترك الحادثة بدون رد، لأنَّها استهداف مباشر لسيادتها.
  • على الرغم من إفلات إسرائيل من المسؤولية الدولية، عن جرائمها بحق الشعب الفلسطيني، أو اعتداء على دول المنطقة، ووجود حماية أمريكية غربية لها، إلا أنَّ الوضع الدولي الحالي تغير نوعًا ما، فقد أصبحت العديد من الحكومات الغربية وشعوبها، من أكثر المعارضين لحرب إسرائيل على غزة، والداعين إلى رفع الحصار، وعدَّ ذلك مخالفة أخلاقية، قبل أن تكون انتهاكًا للقانون الدولي والإنساني. كذلك أنَّ استمرار طرح القرارات الدولية، من قبل أعضاء في مجلس الأمن، لوقف الحرب، أحرج الولايات المتحدة، وهو ما جعلها تصوت أخيرا، على قرار وقف اطلاق النار في رمضان، فضلا عن الوضع الداخلي لدول الغرب، وانطلاق المظاهرات التي بدأت تؤثر في الاستقرار، وفي الجو الانتخابي في هذه الدول.
  • تحرك بعض الدول إلى المنظمات الدولية، كما في تحرك دولة جنوب افريقيا، أمام محكمة العدل الدولية، وتقديمها شكوى ضد اسرائيل، لانتهاكها القانون الدولي والانساني، وارتكاب جرائم حرب، وحضور ممثل إسرائيل للمرافعة أمام هذه المحكمة، وهي أول مرة تحدث في تاريخ الكيان الاسرائيلي. فضلا عن تقديم مجموعة من المحامين، شكوى للمحكمة الجنائية الدولية ضد اسرائيل، وإن حضور اسرائيل إلى المحاكم الدولية، سوف يقود إلى فتح ملفات جنائية أخرى ضدها، وستكون ملزمة لها، لأنَّ اسرائيل من الدول الموقعة، بالانضمام إلى محكمة العدل الدولية، والجنائية الدولية، والملتزمة بقوانينها.

إنَّ ما تقوم به إسرائيل من جرائم ضد الشعب الفلسطيني، واستهداف دول المنطقة والمنظمات الدولية والانسانية، هي أعمال أصبحت مكشوفة لكل دول العالم وشعوبه، إذ إنَّ وسائل التواصل الاجتماعي، بدأت بنقل كل المجازر ضد أهالي غزة، ومنع وصول الغذاء والدواء لهم، فضلا عن لجوء اسرائيل إلى استهداف المنظمات الدولية، والمقرات الدبلوماسية، وهي أعمال تتنافى مع القانون الدولي، والانساني، والأخلاق، وظهورها دولة تنتهك القانون الدولي، أمام شعوب العالم، وهو ما يؤثر في مستقبلها في المنطقة وأمنها، وهو سيجبرها على تغيير سياستها الخارجية، ووقف المجازر، وفتح الحصار عن غزة.