م.م قسمة عزيز فرج
قسم إدارة الازمات
مركز الدراسات الاستراتيجية
17/ نيسان/ 2024
على الرغم من مرور (36) عامًا على انتهاء عمليات الأنفال، والإبادة الجماعية سيئة الصيت، التي ارتكبها النظام المقبور بحق أبناء الشعب الكردي، والتي بدأت في 21 شباط عام 1988، واستمرت لغاية 6 أيلول عام 1988، إلا أنَّ آثارها في السكان والبيئة، لاتزال شاهدًا على تلك الجرائم، فهي أبشع جرائم القرن العشرين، فقد استخدم النظام فيها الأسلحة المحرمة دوليا، ولاسيما السلاح الكيمياوي من نوع الخردل، والسيانيد، وغاز الأعصاب، والفسفور، ضد المدنيين، مما أدى إلى إبادة عوائل كاملة. عشرات الآلاف من المدنيين تم إعدامُهم بِلا رحمة، ومنهم من دُفِنوا أحياءً تحت التراب في مقابِرَ جماعية، وتهجير الآلاف، فضلا عن إسقاط الجنسية العراقية عن عدد كبير منهم. وعلى الرغم من مرور (21) عامًا على سقوط نظام الحكم في العراق، لكن ما زال الكثيرون مفقودين ومصيرهم مجهولًا. وبالرغم من أنَّ ملف الأنفال ضمّه مئات الأسماء من المتهمين، لكن تمَّ استجواب المنفذين الرئيسين لهذه الجرائم ومحاكمتهم، وهم: (علي حسن المجيد أمين سر مكتب الشمال لحزب البعث، وسلطان هاشم قائد الجيش، وصابر عبد العزيز الدوري رئيس مؤسسة الاستخبارات العسكرية، وحسين رشيد التكريتي نائب المسؤول عن تنفيذ حملات الأنفال، وفرحان مطلق الجبوري مسؤول الاستخبارات العسكرية في شمالي العراق، وطاهر توفيق العاني محافظ نينوى، الذي أُطلق سراحه لعدم كفاية الأدلة). وقد اصدرت المحكمة الجنائية العراقية العليا الخاصة بجرائم الانفال، يوم الاحد 24/6/2007، أحكامًا بالإعدام والسجن المؤبد على خمسة متهمين في قضية الأنفال. أمّا صدام حسين رئيس النظام البائد، فقد أعدم قبل أن يمثل أمام المحكمة، بخصوص عمليات الأنفال، وأقرت المحكمة العراقية العليا الجنائية، أنَّ جريمة الأنفال تعد جريمة إبادة جماعية، وجريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية.
وعلى الرغم من أنَّ السلطات زعمت أنَّها كانت تخمد تمردًا، بحجة وقوف بعض الأكراد مع الجانب الإيراني خلال الحرب الإيرانية العراقية، بين عامي: 1980 و1988 إلا أنَّ ذلك ليس مسوغًا للقيام بعمليات القتل والتهجير تلك، لاسيما أنَّ أغلب ضحايا تلك الإبادة الجماعية، هم من الأطفال والنساء، إضافة إلى كيف يمكن لنظام ما أن يقوم بعقاب جماعي، لمن يعدون من أبناء شعبه؟؟؟ وحسب منظمة هيومن رايتس ووتش، إنَّ ما يصل إلى (100) ألف شخص، معظمهم من المدنيين، لقوا حتفهم في عمليات تطهير عرقي ممنهجة، في حين تشير مصادر كردية إلى أنَّ ما يقارب (182) ألف مواطن، ذهبوا ضحية لعمليات الأنفال. وفي نيسان/ أبريل عام 2008، صوّت مجلس النواب العراقي بالموافقة، على مشروع قرار اعتبار ما تعرض له الاكراد في شمال العراق، من مذابح وقتل جماعي يعد إبادة جماعية، أيضا رئاسة جمهورية العراق في القرار رقم 26 لسنة 2008، الصادر يوم 10-9-2008، اعتبار ما تعرض له السكان في كوردستان العراق، من مذابح، وقتل جماعي، هو إبادة جماعية بكل المقاييس، وقد حدّدت حكومة إقليم كوردستان يوم الـ (14) من شهر نيسان من كل عام، يوماً سنوياً لاستذكار ضحايا عمليات الأنفال.
تسعى الأسر التي تيقّنت من وفاة أقاربها في العملية، إلى البحث عن جثثهم في الصحراء والمحافظات الجنوبية، لإعادة رفاتهم إلى إقليم كُردستان. إنَّ أبسط حقوق ذوي الضحايا هو فتح المقابر الجماعية، وارجاع الرفات إلى مَواطِنها الأصلية، إذ في كل فترة يتمّ العثور على مقبرة جماعية جديدة، تُجدّد الآلام لدى الآلاف من أسر الضحايا، في حين ينتظر آخرون أقرباءهم، ولم يقطعوا خيط الأمل في إمكانية بقائهم على قيد الحياة، لاسيما من هم في عِداد المفقودين ومجهولي المصير، على الجهات الحكومية سواء في الحكومة الاتحادية، أو في اقليم كردستان تكثيف جهودها والتعاون بين السلطتين في الكشف عن مصير المفقودين خلال حملات الأنفال، وفي الوقت الحاضر ما زالت الأصوات تنادي وتدعو الحكومة العراقية، إلى تعويض ذوي الضحايا بشكل عادل، وبما يتطابق مع الدستور. فذلك لأنَّ هؤلاء الضحايا هم عراقيون، بغض النظر عن جميع المسميات الأخرى، ولاسيما أنَّ فئات مختلف من أبناء الشعب العراقي، قد حصلت على تعويضات نتيجة ما تعرض اليه خلال حكم النظام السابق، وبما أنّ الدستور العراقي لا يفرق بين العراقيين كافة، فمن العدل والانصاف سواء في الشرائع السماوية أو القوانين الوضعية، أن يعوض ذوي الضحايا سواء كان التعويض ماديًا أم معنويًا، إنَّ حملات الأنفال بشكل مختصر، هي: قتل جماعي وإبادة منظمة وفقاً لجميع المقاييس، وتنفيذ قرار المحكمة الجنائية العراقية التي عدت حملات الأنفال جريمة إبادة جماعية. إن مآسي العراق لم تبتدئ مع “الأنفال”، ولم تتوقف عندها.