الكاتبة: نينا شيا الباحثة المتخصّصة في حقوق الإنسان والدفاع عن الحرّيات الدينية
الناشر: معهد هدسون
ترجمة: هبه عباس محمد علي
مراجعة وتحليل: ا. م. د. حسين احمد السرحان
ايلول-سبتمبر2019
في الوقت الذي يكافح فيه من اجل تقليل دور الفصائل المدعومة خارجيا والتي تم الترحيب بها من قبل من اجل المساعدة في هزيمة “داعش”، يبدو ان العراق يرتكب خطأ اخر في السياسة، اذ يدرس البرلمان العراقي قانون جديد يمكن ان يقوض ديمقراطيته الهشة ويعرض الحرية الدينية وغيرها من الحقوق الأساسية للخطر.
ففي مطلع أيلول، سيصوت البرلمان العراقي على مشروع قانون المحكمة الاتحادية، ينص على امرين أولهما تعيين رجال دين في المحكمة الاتحادية، ثانيهما منح هؤلاء سلطة استخدام حق النقض ضد القوانين التي يرون انها تتعارض مع الإسلام – القوانين التي اقرها البرلمان العراقي المنتخب بشكل اصولي.
اذ تنص الفقرة الثانية من مشروع القانون على أربعة مقاعد جديدة للمحكمة العليا للعلماء الإسلاميين للعمل ليس كمستشارين بل كخبراء يتمتعون بحق النقض)الفيتو) لضمان حكم دستوري ينص على أنه “لا يجوز سن قانون يتعارض مع الأحكام المقررة في الإسلام “(المادة 2). ينص دستور العراق لعام 2005 أيضًا على حماية موازية للديمقراطية وحقوق المواطنين (المادة 2) ، مؤكدًا أن “الناس هم مصدر السلطة” (المادة 5). لكن مشروع القانون تضمن مادة تنص على: “تتكون المحكمة الاتحادية العليا من عدد من القضاة والخبراء في الفقه الإسلامي وعلماء القانون”. (المادة 92) – ولا يشترط أن يكون الفقهاء الإسلاميين ممن تلقوا تعليمهم في القانون المدني.
لا يزال يتعين على برلمانيي العراق تحديد من سيعين القضاة الإسلاميين وما الطائفة التي سيمثلوها، ومن جانبهم يرغب الاكراد في اختيار ممثلين منهم لان الولاية القضائية ستمتد الى إقليم كردستان المتمتع بالحكم الذاتي، اما الكتل الدينية في البرلمان فتصر على تحديد النصاب القانوني للقضاة الإسلاميين.
يمكن لهذه العوامل ان تخفف من تهديدات وجود رجال الدين في المحكمة الاتحادية العليا لكن لا تقضي عليها، فضلا على تلك التي تتمتع بسلطات اكبر من سلطات القضاة الاخرين، اذ سيتمكن رجال الدين من معارضة او تقويض الحرية الدينية، أو مساواة المرأة، أو ما تبقى من الحقوق الشرعية أو الدستور نفسه.
وقد اعرب نشطاء المجتمع المدني العراقي في اجتماع لهم في شهر حزيران عن مخاوفهم في ان يحوّل مشروع قانون المحكمة العليا الى سلطة دينية عليا، كما قدم المسيحيين العراقيين شكوى الى الحكومتين العراقية والامريكية بسبب قلقهم من هذا المشروع.
ويخلص النائب السابق والسياسي المسيحي جوزيف ساليوا إلى أن المسودة ستنشئ “نسخة طبق الأصل من النظام الإسلامي في إيران”. اذ قال في مقابلة أجريت معه مؤخراً نُشرت في قناة “بغداد اليوم” يتم استيراد الصيغة التي يتم النظر فيها الآن في العراق مباشرة من إيران، حيث يكون مجلس تشخيص مصلحة النظام مسؤولاً عن تعيين المرشد الأعلى، الذي يتمتع بسلطة مطلقة لفرض نظام “ولاية الفقيه”.
من خلال مطالعة الصحف الكردية، نرى ان الباحثة الدستورية ماجدة سنعان غرزي تتفق على ان تزويد المحكمة الاتحادية العليا بعدد من المصلحين تشبه الى حد كبير مجلس صيانة الدستور الإيراني. وتحذر من إمكانية ان يغير مشروع القانون هذا من وظيفة المحكمة، ويعزز الدولة الثيوقراطية على نحو متزايد حيث تكون للقواعد الدينية الأسبقية على النظام القانوني القائم .
يمنح الدستور العراقي فرصة لرجال الدين الشيعة غير المنتخبين من قبل الشعب في تحديد مسار الدولة وفقا لرأي الكاتب. وفي وقت صياغته لدستور العراق كان المستشار الأمريكي نوح فيلدمان يروج لإمكانية الجمع بين الإسلام والديمقراطية كما ورد بالتفصيل في كتابه الذي يحمل عنوان “ما بعد الجهاد” بانه يمكن للديمقراطية أن تتأصل في البلدان ذات الأغلبية المسلمة، كما يظهر مؤشر فريدوم هاوس في السنغال. ولكن هذا الانفتاح أمام رجال الدين في المحكمة العليا كقضاة يتمتعون بحق النقض (الفيتو) يخاطر بجعل “القضاء العراقي مشابها الى حد ما لنظيره في إيران والسعودية وأفغانستان”.
يقوم القضاة الإسلاميون في إيران بتزوير الانتخابات من خلال إقصاء المرشحين الذين يفشلون في اختبارهم الديني، وفي المملكة العربية السعودية حكموا أن الديمقراطية نفسها “غير إسلامية”، اما في أفغانستان فكان أول إجراء رسمي للمحكمة العليا الأفغانية هو توجيه اتهامات بالتجديف ضد العضو الوحيد في حكومة الرئيس كرزاي بسبب انتقاده لحكم الشريعة، وبهذا نرى تعرض الأشخاص غير المسلمين الى الاضطهاد في هذه البلدان الثلاثة.
سيكون تجاهل وزارة الخارجية لهذه المخاف في ضوء سيادة القانون في العراق خطأ كبير لأن مثل هذه الأحكام يمكن تطبيقها من خلال التلاعب الطائفي، كما هو الحال مع قوانين التجديف في باكستان.
ومن جانبها تواصل الولايات المتحدة الاستثمار في دعم الديمقراطية للعراق، اذ أعلنت عن فرض العقوبات على قادة الفصائل المسلحة المسيئة والشخصيات السياسية في محافظة نينوى؛ وقد التقى السفير الأمريكي الجديد ماثيو تويلر بوزير العدل العراقي للتعهد بدعم حماية حقوق الانسان، وزار القادة في نينوى لاعلامهم بالتزام الولايات المتحدة بانفاق اكثر من ٣٤٠ مليون دولار لإعادة اعمار المناطق المتضررة وحماية الأقليات التي هاجمها “داعش”، لكن لايمكن لهذه الإجراءات ان تنجح اذا اتبع العراق نظام “ولاية الفقيه ” الحاكم في ايران.
لذا فالتساؤل هو هل يتمكن الدبلوماسيون الأمريكيون من الدفاع عن الديمقراطية والحرية الدينية وغيرها من الحقوق الأساسية؟.
التحليل:
بالغت الباحثة في توصيف نظام الحكم في العراق على كونه قريب جدا من ايران اذا ما تم اعتماد رجال دين كأعضاء في المحكمة الاتحادية العليا. ومع ذلك يؤشر فقهاء القانون والنظم السياسية ان الدستور العراقي الدائم لعام 2005 النافذ اسس لهوية غير واضحة للدولة العراقية ولذلك يرى البعض ان النظام السياسي لا يخلوا من اهمية الاخذ بنظر الاعتبار الدين الاسلامي كدين لأغلبية الشعب العراقي.
بالنسبة للمحكمة الاتحادية العليا في العراق، اغفلت الباحثة كيفية تشكيل المحكمة الاتحادية دستوريا. اذ نصت المادة 92 /ثانيا على ” تتكون المحكمة الاتحادية العليا، من عدد من القضاة، وخبراء في الفقه الاسلامي، وفقهاء القانون، يُحدد عددهم وتنظم طريقة اختيارهم وعمل المحكمة بقانونٍ يُسن بأغلبية ثلثي اعضاء مجلس النواب”. وفي الوقت الذي اشارت فيه الكاتبة الى اختصاصات خبراء الفقه الاسلامي على انهم لديهم صلاحية نقض اي قانون يسن من قبل مجلس النواب في اشارة الى عزم مجلس النواب طرح مشروع قانون المحكمة للمناقشة. يبقى الخلاف المتواصل بين القوى السياسية على آلية التصويت على الاحكام بأن تكون بالاجماع، فضلا عن اصرار اقليم كردستان في الحصول على حصة من الخبراء في الفقه الاسلامي من الاقليم، معوقات اساسية قد تحول دون اقرار القانون.
رابط المقال الاصلي:
https://www.hudson.org/research/15216-is-iraq-set-to-follow-iran-and-curb-religious-freedom