م. علي مراد العبادي / قسم ادارة الازمات
ليس بالأمر الجديد أن يخرج عدد من المحتجين في تظاهرات يطالبون من خلالها بحقوق معينة، ويظهر أن هذا الامر قد أصبح معتادًا عليه بعد سقوط النظام السابق عام 2003 ، إذ أخذت مطالب المحتجين تتراوح ما بين المطالب الخدمية، و السياسية، و الاقتصادية، والاجتماعية، وقد تكون مطالب نقابية أو طلابية، لكن السؤال هنا :
ما الجديد في تظاهرات العراق الأخيرة ؟
لعله يُمكن القول إنّ أغلب التظاهرات السابقة، و لاسيما تلك التي تنتشر بسرعة في المحافظات كانت تخرج تحت مظلة مطلب محدد، وبقيادة موحدة، وبتوجيهات قائد سياسي أو ديني، وتبقى تحت رعاية ووصاية ذلك الموجه لتنتهي عند اعطاء الأمر من ذلك الموجه بفض تلك التظاهرات، وهذا ما شهدناه في أغلب تظاهرات التيار الصدري أو بعض القوى السنية ، إلا إن الجديد في التظاهرات الأخيرة هو إنها اتسمت بغياب القيادة الموجهة لها، وهذا الامر جعلها تتصف بالقوة مرة والضعف مرة أخرى .
و يظهر إن عامل القوة فيها قد بدا في الخروج والتعبير الشعبي وعدم احتكارها من جهة معينة مما جعل أمر فضها صعبًا . وأما عامل الضعف فيها فكان خلوها من القيادة المنظمة لها، و لو كانت تحت قيادة موحدة لأصبحت أكثر توازناً في تحقيق أهدافها وذلك من خلال القائد أو الموجه الذي تتمكن الجماهير من الالتفاف حوله، ويتمكن هو بدوره من التفاوض مع الحكومة قاطعًا الطريق على الكثير من الجهات السياسية لركوب الموجة وتوجيهها باتجاه غاياتهم السياسية البعيدة عن مطلب الجماهير المتظاهرة .
من جانب أخر ، فإن احدى عوامل اختلاف التظاهرات الحالية عن سابقاتها هو إن أغلب الذين شاركوا فيها وكانوا الفئة الأكبر هم الشباب، و لاسيما الذين يسكنون في الاحياء الفقيرة ذات الاغلبية الشيعية ، فضلًا عن إنها نظمت وخرجت بعد دعوات نشرت من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا العامل قد اضعف من قوتها للنصف في اعقاب توجه الحكومة لقطع خدمة الانترنت .
الأسباب المباشرة وغير المباشرة
قد تكون من أهم الأسباب غير المباشرة التي خرج لأجلها الناس هي ذاتها في كل مرة، والمطالبة بتحسين الخدمات كالماء والكهرباء والمعيشة، والقضاء على البطالة ومحاربة الفساد والمحاصصة .
أما الأسباب المباشرة التي أدّت إلى زيادة زخم التظاهرات بهذه الحدة وخروجها عن المألوف وتوجهها باتجاه التصادم مع الحكومة فقد تمثل في فض اعتصام حملة الشهادات العليا بالقوة وما ظهر من مشاهد مؤثرة في عواطف الناس ،و الشيء الآخر هو حملة ازالة التجاوزات التي أقدمت عليها الحكومة ولاسيما إزالة التجاوزات السكنية، و مطالبة هؤلاء المتجاوزين بتوفير البدائل لهم قبل ازالة تلك التجاوزات .
و أما عن أهم سبب مباشر فيكمن في اقدام الحكومة على نقل قائد قوات مكافحة الإرهاب الفريق عبد الوهاب الساعدي إلى وزارة الدفاع، وتجميد عمله مما أدّى إلى ظهور حملة تضامن كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي .
وبالرغم من الاجراءات الحكومية في فض التظاهرات وما رافقها من عنف راح ضحيته العديد من أرواح المتظاهرين ومنتسبي الاجهزة الأمنية، و ما تبعه من قطع خدمة الانترنت وفرض حظر التجول في بغداد ومحافظات أخرى، و مع اعلان الحكومة والبرلمان عن حزمة من الاجراءات لتحقيق مطالب المتظاهرين، إلا إن البعض عدّها حلولاً ترقيعيه لا تلبي طموح المتظاهرين، وحتى بعد دخول المرجعية على خط الازمة والخطاب الذي جاء على لسان المتحدث باسمها السيد احمد الصافي والذي أكد على ضرورة تأليف لجنة مستقلة لمكافحة الفساد، وما تلا ذلك من دعوة الصدر لاستقالة الحكومة وتعليق نواب سائرون لعضويتهم في البرلمان ، لكن يبدو إن كل هذه الحلول لا تلبي طموح جموع المتظاهرين ولا ترضيهم .
من هنا فإن الحاجة لمراجعة شاملة لمكامن الاخفاق أمر ملح وجوهري، وذلك من أجل ايجاد الحلول الانية والمتوسطة والاستراتيجية، والتي ستكون بمثابة خارطة طريق لمشاكل المتظاهرين والعراق في الوقت نفسه، على أن تتصف بالمصداقية، وأن يلمس نتائجها المواطن وبعكس ذلك فربما تكون التظاهرات القابلة أكثر اتساعاً وتؤدي لما لا يحمد عقباه .