باكستان وقدرتها على نزع فتيل الأزمة بين ايران والسعودية

      التعليقات على باكستان وقدرتها على نزع فتيل الأزمة بين ايران والسعودية مغلقة

 

م. حمد جاسم محمد الخزرجي

باحث في قسم ادارة الازمات

مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء

تشرين الأول 2019

لقد كانت العلاقات الايرانية السعودية ولا تزال تتأرجح بين التوتر والتقارب، وهذا يحدث بين مدة وأخرى تبعًا لأحداث المنطقة وتطورها، إلا إن هذه العلاقات قد أصابها التوتر منذ عام 2003 ولحد الآن هي تعيش في هذه الاجواء المتوترة، ويظهر إنها بعد أن شهدت نوعًا من التقارب بعد حرب الخليج الثانية عام 1991،عادت مرة أخرى إلى أجوائها المشحونة بالتوتر، و هناك عدة عوامل كانت السبب في حصول التوتر في العلاقات بين الطرفين منها:

  • الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 جعل أغلب الدول العربية ومنها السعودية توجه أصابع الاتهام لإيران بمد نفوذها في العراق، ودعم جهات سياسية في الحكومة العراقية، ووصل حد اتهام الولايات المتحدة بأنها سلمت العراق لإيران على حساب الدول العربية، في الوقت الذي كانت ايران تقول إنها قد قدمت المساعدات للحكومة العراقية، و وقفت إلى جانب العراق في مواجهة الارهاب.
  • ظهور البرنامج النووي الايراني في الساحة الدولية عام 2003، واكتشاف وجود برنامج سري لتخصيب اليورانيوم، قاد إلى حدوث توتر مع السعودية التي شعرت بأنه يمثل خطرًا عليها وعلى المنطقة، وإنه سيكون عاملًا لدعم نفوذ ايران في المنطقة، فضلًا عن إنه عامل ضغط على دول المنطقة وعلى الدول الغربية أيضًا، وقد استمر الموقف السعودي المعارض لاستمرار البرنامج النووي الايراني حتى بعد صدور تأكيدات ايرانية بأنه للأغراض السلمية، وعقد الاتفاق النووي بين ايران ومجموعة 5+1 والتي وضعت قيود عديدة عليه، بل كانت السعودية من المعارضين للاتفاق النووي ومن الداعمين للانسحاب الامريكي منه عام 2018.
  • اوضاع منطقة الشرق الاوسط التي سببت ما يسمى بثورات الربيع العربي عام 2011 ، و حدوث احتجاجات كبيرة وشاملة في عدة دول عربية انطلقت من تونس وشملت مصر وليبيا واليمن وسوريا والبحرين، وأخيرًا وصلت للسودان والجزائر، ويبدو إن هذه الاحداث قد ولدت نوعًا من المنافسة بين ايران وبعض دول الخليج العربي ومنهم السعودية على الدور في المنطقة، فقد كانت ايران تدعم حلفاءها في المنطقة ، و لاسيما في سوريا واليمن ولبنان، بينما كانت السعودية ترى في هذا الدعم بأنه تدخل في شؤون دول عربية هي من ضمن اختصاصاتها الحصرية التي لا يجوز لإيران التدخل فيها، ولهذا وجهت السعودية دعمها إلى جماعات مسلحة في سوريا ضد النظام السوري وايران، و اطلقت ما يسمى عاصفة الحزم عام 2015 ضد الحوثيين في اليمن، ثم وقفت بكل ثقلها مع النظام السياسي في البحرين ضد الاحتجاجات المطالبة بالاصلاح, مما خلق نوعا من الصراع الخفي أو الحرب بالوكالة بين الطرفين.
  • التدخل في الشؤون الداخلية، إذ وصل الأمر بين ايران والسعودية إلى حصول نوع من الدعم والتدخل في الشؤون الداخلية لطرف ضد الآخر، فقد حدثت عدة انفجارات في ايران، ورغم تبنيها من قبل المعارضة البلوشية أو العربية الاحوازية، والقاعدة، إلا إن الاتهام وجه إلى السعودية بدعم هذه التنظيمات لإثارة عدم الاستقرار في ايران، ولاسيما بعد تصريح ولي العهد السعودي (محمد بن سلمان) بان السعودية سوف تنقل المعركة الى داخل طهران. و في الاتجاه نفسه فإن السعودية دائما ما تقوم بتوجيه أصابع الاتهام إلى ايران بتقديمها الدعم المباشر وغير المباشر للحوثيين لضرب المنشآت النفطية والمطارات السعودية، وتحديدًا بعد حادثة ضرب شركة ارامكو السعودية، وتوقف نصف الإنتاج النفطي السعودي، والتي مثلت ضربة كبيرة للسعودية، وأظهرت ضعفها وعدم قدرتها على المواجهة مع ايران.

و بعد صراع وتنافس بين الدولتين، وتحمل كل من الطرفين كلف كبيرة ، فقد اعلن رئيس وزراء باكستان (عمران خان) خلال انعقاد دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2019 إلى وجود نوع من التكليف الامريكي السعودي له بالوساطة مع ايران لخفض التوتر في المنطقة، وإنه قد قبل هذا الدور من أجل نزع فتيل الحرب في المنطقة، وقد توجه رئيس الوزراء الباكستاني في زيارة لإيران يوم 13 تشرين الأول 2019 ومقابلته للرئيس الايراني (حسن روحاني)، والمرشد الأعلى (اية الله علي الخامنئي)، وتوجه إلى السعودية في 15 تشرين الأول والتقى بالملك السعودي (سلمان بن عبد العزيز) وولي عهده (محمد بن سلمان)، إذ أكدت ايران بأنها مستعدة للدخول في مفاوضات مع السعودية بوساطة أو بدون وساطة لإنهاء التوتر في المنطقة، وقد جاءت وساطة رئيس وزراء الباكستان لعدة أسباب فضلًا عن إنها تتمتع بعدة ايجابيات منها:

  • تتمتع الباكستان بعلاقات طيبة وقوية مع كل من ايران والسعودية، فهذه الدول مجاورة لإيران وتشترك معها في العديد من القضايا وإن أي توتر في المنطقة سيؤثر عليها وعلى استقرارها، كما إن باكستان تتمتع بعلاقات قوية مع السعودية، وهي من الدول الداعمة للسعودية ، ولا سيما إنها تمتلك أسلحة نووية ، ولهذا فهي تمثل للسعودية مركز حماية ضد ايران، و وسيط محايد وموثوق به في حل الخلافات بينهما ، هذا إلى جانب إن امن باكستان واستقرارها سوف يتأثر بشكل كبير جدًا بأي توتر يحدث بين ايران والسعودية.
  • وجود اتجاه خليجي باتخاذ موقف تقارب مع ايران والابتعاد عن التوتر في المنطقة، وهو ما يمثله الموقف الاماراتي والقطري والعماني، فقد ذكرت التقارير إن مدير الاستخبارات الاماراتي (طحنون بن زايد) قد زار ايران لعدة أيام لإجراء محادثات مع المسؤولين هناك، وهو ارفع مسؤول اماراتي يزور ايران بعد حوادث السفن في الخليج العربي، و الامارات العربية قد افرجت عن (700) مليون دولار من الاموال الايرانية المجمدة، وسمحت للمصارف الاماراتية بالتحويل المالي لإيران، وهذا التقارب الايراني الخليجي الجديد هو يعني وجود حاجة ملحة من جهة الطرفين للتهدئة، وبناء استقرار المنطقة.
  • لقد وصل التوتر في المنطقة إلى مرحلة الخطر ، وعلى وجه التحديد بعد استهداف السفن في ميناء الفجيرة الاماراتي، واستهداف منشآت ارامكو النفطية السعودية، وعدم حصول دول المنطقة على الدعم من دول الغرب مثلما هو متوقع من هذه الدول، فقد أصبحت دول الخليج العربية تخشى من تخلي الولايات المتحدة عنها كما حصل مع اكراد سوريا والهجوم التركي على شمال سوريا ، كذلك استمرار استهداف السفن الايرانية في المياه الدولية من جهات غير معروفة لإثارة التوتر بين ايران ودول الخليج العربي، هذا إلى جانب إن العقوبات الامريكية على ايران قد سببت مشاكل اقتصادية لإيران ووصلت إلى مرحلة البحث عن طريقة لخفض التوتر في المنطقة وإنهاء العقوبات‘ ومنع الانزلاق إلى الحرب المدمرة، و لهذا فقد اتجهت الاطراف كافة إلى البحث عن طرف ثالث يكون وسيطا مقبولا لإنهاء التوتر وعودة الهدوء للمنطقة.
  • الاتجاه الدولي العام بدأ يدعو إلى البحث عن الاستقرار وتخفيف التوتر في المنطقة، فقد اتجهت الولايات المتحدة إلى الانسحاب من سوريا من أجل حل سياسي للأزمة السورية، كذلك عدم تحرك الولايات المتحدة عسكريًا ضد ايران رغم التهديد المستمر، فقد كان الاتجاه السائد في المنطقة بأن الولايات المتحدة سوف ترد على ايران لإسقاطها الطائرة الامريكية المسيرة، وعندما تم استهداف منشآت ارامكو النفطية السعودية، الا إن ذلك لم يحصل، بل كانت التصريحات تتجه إلى التهدئة والدعوة للتفاوض، و ان الدول الاوربية كانت ولا زالت تدعوا الى التهدئة وانهاء التوتر في المنطقة التي تعد حيوية ومهمة للاقتصاد العالمي، وهو ما دفع كل الاطراف إلى البحث عن مخرج لأزمات المنطقة والقبول بالوساطات الدولية.

وعلى الرغم مما تتمتع به وساطة رئيس وزراء باكستان من قبول في المنطقة وخارجها، وذلك من أجل إنهاء التوتر بين ايران والسعودية، وبالتالي نزع فتيل أية حرب قد تقع في المنطقة،  إلا إن هناك عدة معوقات قد تقف بوجه هذه الوساطة،إذ ترى بعض الجهات الرسمية في منطقة الخليج العربي إن عقد أي اتفاق لإنهاء التوتر في المنطقة بهذا الوضع الحالي قد يكون في صالح إيران، اي اتفاق صفري، فإيران النووية، وذات الامكانيات العسكرية الكبيرة، والنفوذ الواسع في المنطقة العربية ولا سيما في دول جوار السعودية هي الرابحة الاولى من عقد اي اتفاق، و لهذا فقد تضع بعض الجهات العربية الخليجية العراقيل أمام أي اتفاق، أو تفرض شروط قد تكون عائقًا أمام عقد مثل هذه الصفقة لإنهاء التوتر.  من جهة أخرى فإن بعض المؤسسات المحافظة في ايران والتي لا تريد لتيار الرئيس (حسن روحاني) أن يكون هو من يعقد الاتفاقات وإنهاء التوتر في المنطقة، ولا سيما التيار المحافظ والحرس الثوري، ولعل هذا يعود إلى الانتخابات الايرانية التشريعية والتي ستجري عام 2020، وخشية التيار المحافظ من خسارة أغلبيته في مجلس الشورى، فنتائج الانتخابات التشريعية سوف تمهد للانتخابات الرئاسية الايرانية عام 2021، كما إن بعض الاطراف الدولية والاقليمية وتحديدًا التي تريد ضرب ايران واضعافها مثل الكيان الاسرائيلي سوف تستمر في الضغط على المؤسسات الامريكية ومنها الكونغرس من أجل أن تضع العراقيل في وجه أي تقارب ايراني خليجي، أو ايراني امريكي، ولا سيما إن هناك دور لاسرائيل في انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018.

إن نجاح الوساطة الباكستانية بين ايران والسعودية، وعقد اتفاق للسلام في المنطقة من عدمه مرهون بجدية الأطراف في الذهاب إلى مثل هذه الاتفاق، وبتطور الاوضاع في المنطقة، ولا سيما مع اضطراب الاوضاع وانطلاق الاحتجاجات التحريضية في أغلب جدول المنطقة، كما إن للعامل الدولي دور في نجاح أو فشل هذه المهمة، وفي موضوع وساطة باكستان فإن هذه المهمة تتوقف على مدى قدرة رئيس وزراء باكستان في اقناع الاطراف على تسوية الخلافات وإنهاء التوتر في المنطقة.