السلام مع “اسرائيل”

      التعليقات على السلام مع “اسرائيل” مغلقة

 

بقلم: م. مؤيد جبار حسن / مركز الدراسات الاستراتيجية- جامعة كربلاء

 

يعود تاريخ الصراع العربي – اليهودي الى اواخر القرن التاسع عشر ، فالحركة العنصرية التي اوجدها وتزعمها اليهودي النمساوي (هرتزل) قدمت افكارها لانقاذ الطائفة اليهودية من الاضطهاد ومعاداة السامية ، ورسمت لها خط العودة (كما يدعون) الى ارض الاجداد ( فلسطين ) لاقامة دولة صهيون الموعودة. تحقق الحلم بفعل التضحيات والخداع والقسوة والكثير الكثير من الاموال التي تدفقت من كل مكان. لكن عاد اليهود الى انتهاج ما كانوا يعانون منه ، عبر احتقار الشعوب تحت وهم شعب الله المختار وصادروا الحقوق ومارسوا أبشع انواع الفصل العنصري مع العرب الفلسطينيين.

اليوم الكيان الصهيوني دولة أسمها (اسرائيل ) بعد ان خاض معارك طاحنة مع العرب المحيطين به، واستطاع ان يهزمهم او في اسوء الظروف ان يعيد لهم ما احتله منهم . هذه “الدولة” تفتقر الى شيء واحد فقط ، لا تستطيع الحياة بدونه رغم جميع ما تمتلكه ، الا وهو السلام .

لاشك ان العرب ، دون استثناء ، هبوا وقتئذ لإنقاذ فلسطين من الاحتلال الاسرائيلي، سواء بالمال او الرجال. وبعد ان انجلى غبار الحروب ، كان لدينا عدة دول محيطة ب”اسرائيل” وقد عقدت الصلح وابرمت السلام معها ، واولها كانت مصر في عام 1979، الاردن 1994، كما ان (اسرائيل) تحتل اراضي واسعة من لبنان وسوريا .

اليوم تسعى ” اسرائيل” الى عقد صفقات السلام حتى مع الدول التي لم تطلق عليها طلقة واحدة ولا تجاورها اصلا، وسيستمر التصعيد في السلام لكي يطال الجميع ، وليس الهدف تلك الممالك الخليجية الصغيرة ، انها لا تعني لاسرائيل سوى خبر اعلامي كبير ودعاية عالمية، فهي بالتالي نظم تعوزها الشرعية لكونها أُسر تحكم منذ عقود، بمباركة الولايات المتحدة (الداعم الرئيس لاسرائيل).

السؤال ما هو هدف (اسرائيل) من حملات السلام الاجبارية ، فمصر والاردن تصالحوا معها ولبنان وسوريا في وضع مآساوي ليس بخصم لاسرائيل ، ودويلات الخليج اصبحت تتسابق مهرولة للسلام معها . فمن تبقى لكي تكون كل هذا المقدمات له ، من هذا الكبير الذي يستحق كل هذا العمل الدؤوب والتخطيط المحكم له؟، من الذي لم يهادن اسرائيل وأذاقها مرارة الهزيمة في عقر دارها ؟ من تشخص شواهد قبور جنوده الى الان في ساحات القتال هناك؟ أنه الدولة التي رغم كل ما مرت وتمر به من خراب ودمار وحروب ، لا زالت رقما صعبا ويحسب اليهود لها الف حساب ، ورغم جميع المطبلين للتعايش السلمي مع الاعداء والمجرمين ، ورغم جميع من يفاضل بين احتلالين اما الغرب او الشرق ، وكلاهما مرفوض لابن تلك البقعة المقدسة ، انه العراق العظيم ، وشعبه العربي الاصيل .

لذا على صانع القرار السياسي العراقي ، ان كان غيورا ذكيا ، ان ينئ بالبلاد عن تجاذبات الصراعات الاقليمية ذات الطبيعة الدينية والطائفية ، وينزوي ببلده الى كهف العزلة ليلعق جراحه الدامية ، فليس هذا بالوقت المناسب للمواجهة او جعل ما بين النهرين ساحة لمواجهات الاخرين. ولن يرض العراقيون ، بمجملهم، مهادنة اليهود حتى وان وافق قادتهم على ذلك.

وبالتالي فالقرارات المصيرية لا تحتاج قيادة حكيمة فقط وانما شعب حي وعلى قدر المسؤولية .