الكاتبان: جنا سيوغرن ، بيتر جول
الناشر: Center For Americans progress
ترجمة: هبه عباس محمد
تحليل: م.م.عبير مرتضى حميد السعدي
مع انتشار فايروس كورونا في جميع انحاء العالم، حذّر الصحفيون ومحللو السياسات فضلا على المؤسسات الدولية داخل الشرق الأوسط وخارجه من خطر الوباء على المنطقة المضطربة بالفعل. ومن المرجح ان تؤدي الصراعات العنيفة والازمات الاقتصادية، فضلا على الاضطرابات السياسية المستمرة الى زيادة تأثير الوباء. ومن الجدير بالذكر ان ضعف الحكومات وانعدام الشفافية جعل من الصعب تكوين فكرة واضحة بشأن مدى انتشار الفايروس؛ لكن تقريبا الآن كل بلد في المنطقة يقوم بتقديم احصائيات بشأن اعداد الوفيات والاصابات، وهذا امر غير مفاجئ بسبب قرب منطقة الشرق الأوسط من النقطة الساخنة في إيطاليا، فضلا على العلاقات الاقتصادية مع الصين.
ومن جانبها حاولت العديد من الدول مثل ايران ومصر التقليل من حجم المشكلة. ففي ايران على سبيل المثال تشكل الإصابات نصف الحالات المبلغ عنها، اذ بلغ عدد الوفيات حوالي ٥٢٠٠ شخص والإصابات ٨٣٥٠٠. اما الحكومة المصرية فقد قللت أيضًا من الحجم الفعلي لانتشار الفايروس، اذ زعمت في شباط 2020 أن هناك ثلاث حالات فقط ، لكن العدد الفعلي هو أكثر من 6000 حالة. وعلى النقيض من ذلك، اتخذت المملكة العربية السعودية تدابير وقائية شاملة على الفور تقريبا، لكن مع ذلك ثبت اصابة العديد من أفراد العائلة المالكة السعودية الضخمة، بما في ذلك حاكم الرياض. ولا تزال بلدان أخرى، مثل سوريا وليبيا واليمن، تعاني من النزاعات العنيفة ولا يمكنها اتخاذ أي تدابير وقائية. فاليمن لديها أقل معدل من الإصابات في المنطقة – ليس لأن الفايروس غير موجود- ولكن لأن الحرب الأهلية التي استمرت خمس سنوات جعلت من الصعب توفير مسحات الفايروس، وقد تؤدي محاولات وقف إطلاق النار في اليمن الى توفيرها ، لكن أعداد النازحين الكبيرة بسبب النزاع جعلتهم يفتقرون إلى القدرة على اتخاذ التدابير الصحية مثل التباعد الجسدي أو غسل اليدين بشكل متكرر، والتي يمكن أن تبطئ انتشار الفيروس.
كما يضيف احتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة تعقيدا اخر، فضلا على الصراعات المحتدمة في سوريا و ليبيا فضلا على تذبذب الاقتصاد العالمي وتراجع أسعار النفط الامر الذي يمنع دول الخليج الغنية مثل المملكة العربية السعودية من مساعدة الدول المهمة استراتيجيا والمتراجعة اقتصاديا مثل الأردن ولبنان، وستؤدي ردود فعل الحكومات المتعثرة الى زيادة السخط الشعبي منها حتى لو كان هذا السخط غير فعّال بسبب حظر التجول.
السجناء في خطر
فضلا على المخاوف أعلاه، هناك مئات الالاف من الأشخاص المحتجزين في السجون في جميع انحاء الشرق الأوسط ومن الصعب فرض التباعد الاجتماعي فيها ، فضلا على التعذيب وسوء التغدية الذي يسهم في اضعاف جهاز المناعة ويجعل السجناء اكثر عرضة لمضاعفات Covid-19.
وهذا الخطر لا يقتصر فقط على الشرق الأوسط فقط ، فهناك العديد من البلدان التي تضررت من تفشي هذا الوباء في سجونها ومنها الصين وكوريا الجنوبية واسبانيا. ولتفادي هذه الكارثة المحتملة دعت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الانسان (ميشيل باشليه) الى اطلاق سراح المجرمين الأقل خطورة ، ومن لا تثبت عليهم ادلة كافية، وبالفعل بدأت العديد من الدول بتخفيف الاحكام و الافراج المؤقت عن السجناء.
ويتفاوت عدد المفرج عنهم في الشرق الأوسط ، ففي ايران تم اطلاق سراح حوالي ١٠الآف شخص و ٨٥ الف تم الافراج عنهم مؤقتاً لكن لم يتم تحديد موعد عودتهم الى السجون ، ويقدر القضاء الإيراني ان حوالي ٥٠% من الأشخاص المفرج عنهم هم من السجناء السياسيين. اما الحكومة المصرية من جانبها لا تسمح باجراء إحصائية لمعرفة اعداد السجناء على الرغم من ان التقديرات تشير الى ان عددهم حوالي ٦٠الف شخص ولا تتوفر في السجون المصرية شروط النظافة الشخصية. اما في سوريا وبسبب استمرار حالة الحرب الاهلية ، فلا يمكن للسوريين المحافظة على التباعد الاجتماعي او تقييد السفر الامر الذي يُسهم في الانتشار السريع للفايروس ، ومن جانبه اعلن الرئيس السوري بشار الأسد انه سيتم اطلاق سراح السجناء المتهمين بالقتل والخطف والفرار من الجيش باستثناء السجناء السياسيين و المتظاهرين.
كما اطلقت العديد من الدول في الشرق الأوسط سراح السجناء، ففي ١١ اذار في البحرين تم اطلاق سراح حوالي ١٤٨٦ سجين من خلال العفو الملكي فضلا على ٣٠٠ من السجناء السياسيين الذين اعتُقِل اغلبهم خلال فترة الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية عام ٢٠١١. وفي ٢٩ آذار في إسرائيل تم نقل حوالي ٥٠٠ من السجناء الذين اقتربت مدة انتهاء حكمهم الى الإقامة الجبرية، وفي ٣٠ آذار امر الرئيس التونسي قيس سعيد بالافراج عن حوالي ١٤٢٠ سجيناً.
من المهم ان تضع الحكومات خطة إنسانية فعّالة لأدارة السجون، اذ يعد التقليل من اعداد السجناء خطوة مهمة للحد من انتشار الفايروس ويجب إعطاء الأولوية في الافراج عن السجناء غير العنيفين والسياسيين سواء اعتقدت الحكومة انهم سيشكلون خطرا على امن الدول او لا وهذه مهمة صعبة في الشرق الأوسط، اذ لا تتمتع اغلبها بالحرية ماعدا تونس وإسرائيل. اما الأردن و الكويت و لبنان والمغرب التي تعتبر حرة جزئيا بحسب تصنيف فريدم هاوس.
ومع ذلك، فإن استراتيجية اطلاق سراح السجناء بعيدة كل البعد عن الكمال ومن الممكن ان تكون لها نتائج عكسية، ففي عام ٢٠١١ عندما قام بشار الأسد باطلاق سراح عدد من المتطرفين من اجل اثارة الفوضى وتشويه سمعة المعارضة الناشئة؛ انظم العديد منهم الى صفوف تنظيم القاعدة او الجماعات السلفية الأخرى التي حاربت القوات الأمريكية في العراق وسوريا. وفي عام ٢٠١٢ طور تنظيم “داعش” استراتيجية للهروب من السجون وتم استخدامها من اجل تعزيز اعدادهم لسنوات عدة، وفي ٢٩ آذار فر مقاتلوا “داعش” من السجن الذي يقع شمال شرق سوريا والذي تديره قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من قبل الولايات المتحدة. ولن تُفهم اثار هذا الامر الا في السنوات القادمة.
وفي النهاية، سلطت ازمة كورونا الضوء على نقاط ضعف الحكومات في الشرق الأوسط، ومنها عدم قدرتها على توفير الخدمات الأساسية التي تحتاجها شعوبها. كما هو الحال في الولايات المتحدة او أي مكان آخر، فإن الفايروس وضع أنظمة الرعاية الصحية الهشة تحت ضغط غير مسبوق. كما أسهمت الصراعات المستمرة في الحاق الضرر بانظمة الرعاية الصحية الوطنية وزادت من اعداد النازحين المعرضين لخطر الإصابة بالفايروس. وتعد سجون الشرق الأوسط اقوى شاهد على اخفاق حكوماتها اذ تلجأ الى قمع المعارضة واعتقال النشطاء السياسيين والصحفيين ووضعهم في سجون مكتضة .
فضلا على مشاكل حكومات الشرق الأوسط المزمنة؛ قد يقوض هذا الفايروس أي تقدم يمكن احرازه لمواجهة التحديات التي تمر بها هذه البلدان، لذا على هذه الحكومات -فور انحسار الازمة- ان تجري التغييرات اللازمة لتصحيح هذا العجز وتزويد شعوبها بالحوكمة الفعّالة التي تستحقها .
تقوية الحكم في الشرق الأوسط
على الرغم من صعوبة إيجاد حلول على المدى القريب، لكن يمكن ايجادها على المدى البعيد ؛ اذ لا يمكن للحكومات الاستمرار في اعتقال وسجن اعداد كبيرة من مواطنيها بهدف احكام قبضتها على السلطة، لان هذا الامر يشير الى خلل مستمر في الأنظمة السياسية للمنطقة. ان الكارثة المحتملة الحدوث في السجون ما هي الا نتيجة لانتهاكات حقوق الانسان التي استمرت لعقود من الزمن، لذا لا بد ان تتعلم الحكومات الاقليمية فضلا على صناع السياسة الدوليين دروسا من هذه الازمة ويقومون باجراء تغييرات جادة في أنظمة الحكم الخاصة بهم.
بالنسبة للولايات المتحدة، هذا الاعتراف يعني ان النقاشات السياسية قبل فايروس كورونا كانت تركز فقط على الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط متجاهلة أمورا مهمة بشأن طبيعة وهدف هذا الوجود. سلط فايروس كورونا وتأثيره على الشرق الأوسط الضوء على قصر النظر هذا؛ فالانظمة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية والإقليمية التي تعاني بالفعل من الضغوط الديموغرافية والاقتصادية تواجه الآن ضغوطا إضافية من الممكن ان تلحق ضرراً كبيراً بها.
ان التركيز فقط على عدد القوات الامريكية في الشرق الأوسط لا يضع بعين الاعتبار امكانية امتداد او انتقال التحديات المحلية التي تواجه الشرق الأوسط الى أجزاء أخرى من العالم وتؤثر عليها بشكل سيء، فأول الأشخاص الذين أصيبوا بفايروس كورونا من الامريكان و الكنديين اثناء قيامهم برحلات في نهر النيل في مصر، فعلى سبيل المثال، ان سياسة الولايات المتحدة التي تتبعها في الشرق الأوسط لمساعدة شعوبه في تشكيل مؤسسات سياسية واقتصادية واجتماعية قوية ويمكنها في الوقت ذاته حماية الامريكان من تهديد الامراض الوبائية التي تنتشر في الدول الضعيفة وغير المستقرة.
التحليل :
ظهرت جائحة كارونا لتكشف عمق المشاكل المؤسساتية والحكومية في دول العالم بشكل عام وفي الشرق الأوسط بشكل خاص، ومدى جدية وقدرة الحكومات في التعامل بعقلانية ومسؤولية مع تلك المشاكل في ظل الوضع المتأزم بالوباء، من مبدأ انها الراعية للمصالح وسلامة كافة افراد المجتمع الساكنين على أراضيها.
لذا التجأت حكومات الدول العربية الى وضع كافة الاجراءات الصحية والأمنية للتصدي للمرض، من خلال فرض حظر تجوال واغلاق الحدود وإيقاف اغلب الأنشطة الاقتصادية والتباعد الاجتماعي الا ان معدل الإصابات بالمرض بين افراد المجتمع تزايدت وبمعدلات مرتفعة ويعود ذلك الى اسباب عدة: منها ضعف المنظومة الصحية، قلة الوعي المجتمعي في اغلب البلدان العربية، والمشاكل الاقتصادية والسياسية التي تمر بها اغلب تلك البلدان، والمستوى المعاشي المتدني الذي يحتم على افرادها كسر مبادى السلامة وعدم الالتزام بالتباعد الاجتماعي ،….الخ.
لذا بينت ازمة كارونا ضعف الحكومات العربية في توفير البيئة الامنة ( السياسية والاقتصادية والصحية) وعدم قدرتها على توفير الخدمات الكفيلة بذلك. فالصراعات السياسية المستمرة تسببت في الحاق الضرر بالانظمة الخدمية جميعها واهمها النظام الصحي مما تسبب بتفاقم اعداد المصابين بفايروس كورونا، مع التوقع بازدياد الاعداد في الأشهر القادمة .
لذا يتوجب على حكومات العالم بشكل عام والحكومات العربية بشكل خاص النظر لازمة جائحة كارونا بجدية وعدم الاستخفاف بأرواح الشعوب، ولابد من وضع كافة الإجراءات الكفيلة بتصحيح الوضع القائم سواء الوضع الاقتصادي او السياسي او الإقليمي .