هل يصمد سعر الصرف امام تحديات الواقع الاقتصادية في العراق

      التعليقات على هل يصمد سعر الصرف امام تحديات الواقع الاقتصادية في العراق مغلقة

 

د. فراس حسين علي الصفار

رئيس قسم ادارة الازمات

مركز الدراسات الاستراتيجية- جامعة كربلاء

17 تشرين الأول 2020

شهد سعر الصرف الموازي (سعر السوق) في العراق اليوم السبت 17 تشرين الأول 2020 انخفاض في قيمة العملة مقابل الدولار ليبلغ 1273 دينار مقابل الدولار الواحد بعد ان كان يبلغ 1244 دينار يوم الخميس الماضي و1235 دينار في بداية الاسبوع نفسه، علماً ان السعر الرسمي ما زال عند مستوى 1190 دينار مقابل الدولار.

ويعد سعر الصرف من أهم مؤشرات السياسة النقدية لدوره الرئيس في الاقتصاد وما يحققه من استقرار وتنشيط للاقتصاد المحلي في حالة استقراره وعدم التذبذب بشكل شديد بسبب دوره في عمليات التبادل التجاري في العالم والتي تساوي مليارات الدولارات سنوياً، وان استقرار سعر الصرف لمده طويلة يساهم في تنشيط الاستثمار الاجنبي وبناء توقعات المستثمرين على سعر صرف متوقع ومن ثم تحقيق منافع متعددة للاقتصاد المحلي.

ويمكن عد سعر الصرف المؤشر الذي تتحدد من خلاله أسعار السلع والخدمات المحلية اتجاه السلع الأجنبية، وبيان مدى قيمة القوة الشرائية للعملة المحلية، وإن لسعر الصرف أنظمة مختلفة تعتمد درجة الأخذ بها على نوع النظام الذي تعمل به الدولة ودرجة الاستقرار الداخلي للاقتصاد، ودرجة ملائمتها في تحقيق التوازن لميزان المدفوعات سواء تم الأخذ بنظام سعر الصرف الثابت أم المرن أم المدار. وتمارس عوامل مالية ، ونقدية ، وتجارية التأثير على سعر الصرف، وان عجز الموازنة الحكومية له تأثير على سعر الصرف، عندما تواجه دولة ما عجزاً في موازنتها تتخذ طرق معينة لتغطيته كالاقتراض من القطاع غير المصرفي (الجمهور) الذي يُحدث ظاهرة التزاحم المالي ما بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص على الأموال المعدة للإقراض ، إضافة إلى الاقتراض من القطاع المصرفي كالمصارف التجارية  وذلك عن طريق منح الائتمان، ومن البنك المركزي من خلال الإصدار النقدي الجديد ، كما تتجه بعض حكومات الدول إلى بيع ملكية القطاع العام إلى القطاع الخاص وذلك بالتوجه نحو التخصيصية . وإن الاقتراض من الداخل قد لايكفي لتغطية العجز المالي ، فتقوم الدولة بالاقتراض من الخارج عن طريق المنح والمساعدات الرسمية والقروض الدولية بصورة مباشرة ، إما الصورة الأخرى غير المباشرة وذلك بطرح السندات الحكومية في أسواق الأوراق المالية الدولية التي ساعدتها عوامل الاندماج والتحرر المالي، والاستثمارات الأجنبية بنوعيها غير المباشرة والمباشرة على الأخذ بهذه الطريقة كونها تتمتع بميزات خاصة كالعائد الأكبر والمخاطر الأقل وخصوصاً في اقتصاديات الدول المتقدمة .

وهناك مجموعة من العوامل الرئيسة التي تؤثر على التغيرات والتقلبات في أسعار الصرف وتشرح الأسباب الكامنة وراء تقلبها :

  • معدلات التضخم: التغيرات في معدلات التضخم في السوق تسبب تغيرات في أسعار صرف العملة المحلية. اذ تشهد الدولة ذات معدل التضخم المنخفض باستمرار ارتفاعًا في قيمة العملة بينما تشهد الدولة ذات التضخم الأعلى انخفاضًا في قيمة عملتها وعادةً ما يكون مصحوبًا بأسعار فائدة أعلى. ويشهد العراق استقرار كبير في معدلات التضخم ما اثر على استقرار سعر الصرف .
  • معدلات الفائدة: تؤثر التغييرات في سعر الفائدة على قيمة العملة وسعر صرف الدولار. ترتبط أسعار الصرف وأسعار الفائدة والتضخم ببعضها البعض. اذ تؤدي الزيادات في أسعار الفائدة إلى ارتفاع قيمة عملة البلد لأن أسعار الفائدة المرتفعة توفر معدلات أعلى للمقرضين، ومن ثم جذب المزيد من رأس المال الأجنبي ، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الصرف، وتعد اداة سعر الفائدة من الادوات غير الفعالة في العراق نتيجة عدم الثقة بالقطاع المصرفي وعدم اقرار قانون حماية الودائع وارتفاع ظاهرة الاكتناز فضلاً عن المشاكل الاقتصادية التي تدفع بالمستثمرين المحليين الايداع والاستثمار بالدول الاجنبية ما يولد ضغط مضاعف على سعر الصرف للعملة المحلية نتيجة هذه التحويلات.
  • ميزان المدفوعات / الحساب الجاري للبلد: يعكس الحساب الجاري للبلد الميزان التجاري والأرباح على الاستثمار الأجنبي. وهي تتألف من إجمالي عدد المعاملات بما في ذلك الصادرات والواردات والديون وما إلى ذلك. يؤدي العجز في الحساب الجاري بسبب إنفاق المزيد من عملتها على استيراد المنتجات أكثر مما تحققه من بيع الصادرات إلى انخفاض قيمة العملة المحلية. ويعاني العراق من عجز في الميزان التجاري في بعض الاحيان بالرغم من حدوث فائض في كثير من المرات ويعود السبب لطبيعة السلع المصدرة والمستوردة فضلاً عن كمياتها فيعد المواد الخام ولاسيما النفط الخام هو السلعة الاساسية في التصدير وتشكل 95% من اجمالي الصادرات بينما تمثل السلع الاستهلاكية اغلب السلع المستوردة ما تنعكس بشكل سلبي قيمة العملة المحلية لاسيما عند تقلبات اسعار النفط العالمية فضلاً عن قيود الانتاج وفق اتفاقات اوبك+.
  • ديون الحكومة: الدين الحكومي هو الدين العام أو الدين القومي المملوك للحكومة المركزية. من غير المرجح أن تحصل الدولة التي لديها ديون حكومية على رأس مال أجنبي، مما يؤدي إلى التضخم. كما سيبيع المستثمرون الأجانب سنداتهم في السوق المفتوحة كلما زادت الاعباء المالية للحكومة. ونتيجة لذلك ستنخفض قيمة العملة المحلية. ويعاني العراق في الوقت الحاضر من ارتفاع في الدين العام وزيادة العجز الحكومي والذي بدوره يولد ضغوط كبيرة على قيمة العملة المحلية، وان اي تعثر في تسديد الالتزامات المالية لابد ان تنعكس في سعر الصرف الاجنبي.
  • شروط التجارة: فيما يتعلق بالحسابات الجارية وميزان المدفوعات ، فإن شروط التبادل التجاري هي نسبة أسعار التصدير إلى أسعار الاستيراد. تتحسن معدلات التبادل التجاري لأي دولة إذا ارتفعت أسعار صادراتها بمعدل أكبر من أسعار وارداتها. يؤدي هذا إلى زيادة الإيرادات ، مما يؤدي إلى ارتفاع الطلب على عملة البلد وزيادة قيمة عملتها. يؤدي هذا إلى ارتفاع سعر الصرف. يعد العراق من الدول التي لاتملك سلع دولية فيما عدا النفط ومن ثم دائماً ما تكون شروط التبادل التجاري سلبية لاسيما وان اغلب دول الجوار (ايران ، تركيا، سوريا) تم فيها انخفاض قيمة عملتها المحلية ومن ثم اصبحت سلعتها المحلية ارخص في ظل ثبات سعر الصرف في العراق
  • الاستقرار السياسي والأداء : يمكن أن تؤثر الحالة السياسية والأداء الاقتصادي لبلد ما على قوة عملتها. فالدولة ذات المخاطر الأقل فيما يتعلق بالاضطرابات السياسية تكون أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب، ونتيجة لذلك، تؤدي الزيادة في رأس المال الأجنبي بدورها إلى ارتفاع قيمة العملة المحلية. إن الدولة التي تتمتع بسياسة مالية وتجارية سليمة لا تعطي أي مجال للشك في قيمة عملتها. لكن الدولة المعرضة للارتباك السياسي قد تشهد انخفاضًا في أسعار الصرف. ويعد الوضع السياسي في العراق من اهم العوامل المؤثرة على الوضع الاقتصادي ومن ثم بشكل مباشر على قيمة العملة المحلية بالرغم من انتهاج البنك المركزي العراقي سعر صرف مدار للسيطرة عليه.
  • الركود: عندما يواجه بلد ما ركودًا ، فمن المرجح أن تنخفض أسعار الفائدة ، مما يقلل من فرصه في الحصول على رأس مال أجنبي. نتيجة لذلك ، تضعف عملتها مقارنة بعملة البلدان الأخرى. ويشهد الوقت الحاضر في العراق انخفاض كبير في النشاط الاقتصادي بسبب جائحة كورونا وانخفاض اسعار النفط العالمية ومن ثم يولد ضغوط على سعر الصرف.
  • المضاربة: إذا كان من المتوقع أن ترتفع قيمة عملة دولة ما ، فسيطلب المستثمرون المزيد من تلك العملة من أجل تحقيق ربح في المستقبل القريب. نتيجة لذلك ، سترتفع قيمة العملة بسبب زيادة الطلب. ويعاني العراق من ظاهرة المضاربة المستمرة نتيجة الظروف الاقتصادية السيئة ابان الحروب والحصار الاقتصادي اذ شهدت تلك الفترة انهيار في قيمة الدينار العراقي ومن هنا لازال المجتمع العراقي يستحضر تلك الصورة في تعاملاتهم مع العملة الاجنبية في ظاهرة يمكن تسميتها هلع الجمهور لأي تغيرات طفيفة في سعر الصرف وهو ما يتكرر في اي تغير في قيمة الدينار العراقي ويستغل المضاربون والوسطاء هذه الحالة لإحداث تقلبات كبيرة وغير مستقرة بدون اسباب اقتصادية حقيقية لتحقيق ارباح من عمليات المضاربة.

وتمثل العوامل السابقة الضغوط الدائمة على سعر الصرف بالرغم من حرص البنك المركزي العراقي على السيطرة على الاوضاع الاقتصادية من خلال سعر الصرف رغم التحديات والخسائر الاقتصادية الكبيرة.

الخلاصة

ستستمر الضغوط على سعر الصرف للدينار العراقي ما دام هناك انخفاض في اسعار النفط العالمية وقيود على انتاج النفط ضمن اتفاق اوبك + وركود في النشاط الاقتصادي وانخفاض كبير في اسعار الصرف للدول المجاورة فضلاً عن الدول الاخرى ومن ثم سيكون العراق سوق امثل لاستيراد السلع ولاسيما الاستهلاكية ، كما ان الاقتراض الداخلي والخارجي سيشكل ضغط متزايد على سعر الصرف فضلاً عن الدين العام الداخلي والخارجي السابق وفوائده والعجز المستمر في الموازنة العامة، وفي ظل عدم اجراء اصلاحات هيكلية حقيقية للاقتصاد وسعر الفائدة ستنخفض قيمة العملة المحلية خلال المدى المنظور وبشكل حتمي اذ لم تتغير الاسباب اعلاه وعليه يجب على البنك المركزي انتهاج سياسة نقدية حكيمة نابعة من تقيم صحيح لقيمة العملة المحلية ونشر الخطط المستقبلية لإدارة سعر الصرف لتجنب الاضطرابات والصدمات النقدية المفاجئة التي يصعب السيطرة عليه اذ حدثت بدون سيطرته نتيجة الانخفاض في الاحتياطات الدولية.