م.د. حمد جاسم محمد الخزرجي
باحث في قسم ادارة الازمات مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء كانون الاول 2020
في يوم الجمعة 26/11/2020، اغتيل عالم الذرة والخبير في وزارة الدفاع الايرانية (محسن فخري زاده)، في العاصمة طهران، من قبل مجموعة مسلحة لم يكشف عنها، وكان رد الحكومة الايرانية ان هذه المجموعة مرتبطة بالمخابرات الاسرائيلية مع وجود عناصر داخلية متعاونة معهم، وهذه العملية ليست الاولى فقد تم استهداف عدد من العلماء الايرانيين العاملين في مجال الطاقة النووية، اذ تم اغتيال عدد علماء عاملين في مجال الطاقة النووية بين الاعوام 2010-2012، وقد حملت الحكومة الايرانية اسرائيل المسؤولية عن استهداف علماءها العاملين في الطاقة النووية. هذه العمليات تعد تطور خطير في ملف الصراع الامريكي الاسرائيلي من جهة وايران من جهة اخرى، وان عملية اغتيال العالم النووي (فخري زادة) تعد ضربة كبيرة لإيران قد تكون اقوى من اغتيال قائد فيلق القدس اللواء (قاسم سليماني) قبل سنة في العراق، لان هذا العالم النووي كان مطلوبا لدى اسرائيل، وهذا يعني ان مخابرات العدو الاسرائيلي تمكنت من تجنيد عملاء لها في ايران لتنفيذ المهمة وداخل العاصمة طهران، اضافة الى ان عملية الاغتيال طالت شخصية كبيرة كان لها دور في برنامج ايران النووي والصاروخي، لهذا فان تداعيات هذه العملية وعمليات الرد ستكون لها تأثير على المنطقة التي تعاني اصلا من التأزم وعدم الاستقرار، خاصة وان ايران وعلى اعلى المستويات اعلنت انها سوف ترد وبقوة على هذه العملية، وعلى المنفذين والمحرضين على السواء، فبعد يوم واحد من العملية صرح المرشد الاعلى وهو اعلى سلطة في البلاد ان الرد على اغتيال زادة سيكون قاسيا، كذلك خرج اغلب المسؤولين سياسيين وعسكرين متوعدين بالرد والانتقام، اضافة الى اجتماع مجلس الامن القومي الايراني برئاسة الرئيس (حسن روحاني) لتدارس تداعيات هذا العمل وكيفية الرد. ان اسباب اغتيال فخري زادة والعلماء النوويين قبله هي معروفة كذلك ان الاطراف المنفذة هي الاخرى غير غائبة، بل تصرح علنا انها تريد ايقاف البرنامج النووي الايراني باي كطريقة كانت، لا سيما وان الولايات المتحدة واسرائيل وبعض دول المنطقة اعلنت مرارا وتكرارا انها تقف ضد برنامج ايراني النووي، بل واطلقت التصريحات والتهديدات باستهداف منشاة ايران النووية مباشرة، واخرها تهديدات ادارة الرئيس الامريكي (دونالد ترامب) باستهداف منشاة نطنز النووية قبل انتهاء فترة رئاسته، وقد تم تحريك حاملة طائرات وسفن حربية وطائرات (بي 52) الى الخليج العربي، الا ان وجود معارضة داخلية لخططه ادى الى غض الطرف عنها، لهذا فان طريقة استهداف العلماء الايرانيين العاملين في مجال الطاقة النووية، وعمليات القرصنة الالكترونية او الحرب الالكترونية ضد هذه المنشاة ستكون هي الطريقة الناجحة في نظرهم لأنها لا تكشف هوية المنفذ من جهة، كذلك تقوم بعملها في الحاق اضرار بالمنشاة والبرنامج النووي الايراني. كما ان هذه العملية تمت بعد اربعة ايام من لقاء سري في مدينة نيوم السعودية على البحر الاحمر جمع ولي عهد السعودية (محمد بن سلمان) ورئيس وزراء اسرائيل (بنيامين نتنياهو)، ووزير خارجية الولايات المتحدة (مايك بومبيو) في 22 تشرين الثاني 2020، اذ تشير اغلب المصادر ان هذا اللقاء كان الهدف منه اجراء مشاورات بين الاطراف الثلاث للقيام بعملية ضد منشاة ايران النووية، تدفع ايران للرد والانتقام على اسرائيل او قواعد امريكية في المنطقة من اجل اتخاذها حجة لتوجيه ضربة امريكية الى ايران، وادخال المنطقة في فوضى، وهو ما تسعى اليه هذه الدول الثلاث لخلط الاوراق على ادارة (جوبايدن) الجديدة، ومنع اي تقارب ايراني امريكي مستقبلا يؤثر سلبا على الانجازات التي حققتها اسرائيل او على السعودية، فقد اعلن وزير خارجية ايران (جواد ظريف) في رده على عملية الاغتيال ان السبب من وراء الاغتيال هو زيادة التوتر في المنطقة مما قد يعطي ادارة (ترامب) ذريعة لتوجيه ضربة لايران. وهو ما يقود الى خلط الاوراق في المنطقة. وعلى الرغم من ارتفاع نبرة التهديدات الايرانية وعلى اعلى المستويات بالرد على منفذي وداعمي العملية، لاسيما وان الاتهام وجه الى اسرائيل ومجموعة خلق الارهابية، الا ان تأخر الرد الايراني على هذا العمل يشير الى عدة اسباب داخلية واقليمية وخارجية تحول دون توجيه ضربة مباشرة كما حصل عام 2019 باستهداف قاعدة عين الاسد التي تضم جنودا من الولايات المتحدة، ومن هذه الاسباب: داخليا، ان عملية اغتيال العالم النووي ( وان كانت طبيعية في القياسات العالمية ويمكن ان تحدث في اي دولة)، الا انها من ناحية التوقيت والمكان تعد خرقا للأمن الايراني، فشخصية مثل (فخري زاده) يعمل باهم مؤسسة ايرانية وهي الطاقة النووية وهو مطلوب من قبل الولايات المتحدة واسرائيل، كذلك مكان العملية في العاصمة طهران وبطريقة الاغتيال المباشر تشير الى وجود قصور امني واضح في اجراءات حمايته، يضاف اليه عدم قدرة الاستخبارات الايرانية على كشف العملية قبل تنفيذها او على الاقل السيطرة على الموقف، كما ان اتهام اسرائيل بالعملية هي مجرد تكهنات وليس امر ثابت عليها، لهذا فان مؤسسات صنع اقرار الايراني تحتاج الى مدة من الزمن حتى يمكنها قراءة مجريات الحادثة كذلك اتخاذ وسائل ونوعية الرد، ومهمة الحكومة الايرانية في هذه المرحلة جمع المعلومات وتحليلها وكشف المنفذين وطريقة التنفيذ كذلك كشف اي قصور استخباراتي لتداركه مستقبلا. لهذا فان كل هذه ستكون عوامل ضاغطة على عدم التسرع والرد. ان التوازنات الاقليمية والدولية الموجودة، وعدم استقرار المنطقة تمنع ايران من القيام باي عمل انتقامي ضد المنفذين المفترضين، لان اي عمل مستعجل او غير محسوب العواقب قد يقود الى حرب شاملة في المنطقة ويعطي الولايات المتحدة والغرب الذريعة لمهاجمة ايران، اذ ان صانع القرار الايراني يدرك حجم المخاطر في المنطقة، ويبتعد عن الفخ الذي نصب له من اجل استدراجه للمواجهة، وهذه العملية تشبه عملية تصفية اعضاء سفارة ايران في مزار شريف الافغانية على يد حركة طالبان عام 1996، ورغم التحشيد الايراني على الحدود الا انها لم تدخل في مواجهات مع طالبان لإدراكها خطورة العمل والمؤامرة الامريكية ضدها. ان ايران تنتظر انتهاء مدة الادارة الامريكية الحالية برئاسة (ترامب)، ومجيء ادارة جديدة برئاسة (جو بايدن) وهي تطمح للتفاهم معه من اجل وضع حد للعقوبات الامريكية ضدها، حتى ان المسؤولين الإيرانيين في تصريحاتهم اشاروا الى ان هذه العملية هي فخ لمنع اي تقارب ايراني مع الادارة الامريكية الجديدة، لهذا فان اي رد ايراني قد يعقد الامور ويشدد الموقف الامريكي من ايران اكثر، وهي تريد استثمار انتقاد بعض المسؤولين الامريكيين لهذا العمل ومنهم مدير وكالة الاستخبارات الامريكية السابق (جون برينان) قد وصف العمل بالاجرامي والمتهور. لتكون فرصة للتقارب معهم وحل القضايا المختلف عليها مستقبلا. رغم ادراك ايران حجم العملية والمؤامرة عليها، وان الرد قد قود الى مواجهات مع الولايات المتحدة وعدم استقرار المنطقة، الا ان ردها القادم سوف يكون بنفس الطريقة، من خلال استهداف مصالح واشخاص امريكية واسرائيلية في المنطقة بطريقة غير مباشرة، لا سيما وان ايران قد نفذت سابقا عدة عمليات ضدهم في المنطقة وخارجها، كما انها قد تعبر هذه العملية فرصة للقيام بتوسيع برنامجها النووي في مجال التخصيب، وذلك ردا على هذا العمل، فقد اصدر مجلس الشورى الاسلامي قرار يلزم الحكومة بتقديم تقرير عن التزام مجموعة 1+4 (روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا والمانيا) حول الغاء الحظر المفروض على ايران في المجال النووي والعسكري والاقتصادي والانساني، وينص المشروع الى انتاج 120 كغم من اليورانيوم مخصب بنسبة 2%، واستخدام اجيال جديدة من اجهزة الطرد المركزي وتطوير مراكز انتاج الطاقة بالماء الثقيل، ورفع الحظر عن ايران، كما ان برنامج ايران النوي ومنذ انطلاقته لم يتأثر بغياب الاشخاص المشرفين او العاملين به، فهو يسير بوتيرة ثابتة، وان رفع القيود الدولية على هذا البرنامج ستكون في عام 2025، حسب الاتفاق النووي لعام 2015، لهذا فايران ترى ان عدم الاستعجال والرد وانتظار رفع العقوبات عليها هو الهدف الاساس لها من اجل تطوير برنامجها النووي.