بقلم : م.م. زينب عطيوي
مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء
جهدتّ الحكومة الفرنسية في محاولة تظليل الرأي العام في فرنسا من خلال تغيير تسميات هذا القانون لمرات عديدة , بعد أن واجه مشروع هذا القانون معارضة كبيرة داخل فرنسا وخارجها, ولكنها في كل الأحوال كانت تهدف من تشريع هذا القانون إلى مكافحة ما تسميه بالتطرف الإسلامي. و قد تزامن مشروع هذا القانون مع قانون “الأمن الشامل” وهو قانون يؤثر بشكل سلبي على المسلمين المنحدرين من اُصول أفريقية , كما يوسع من صلاحية الشرطة في المراقبة وضبط الأَمن الخاص, ويَضع نصوصًا تجرم نشر صور أَفراد الشرطة أَثناء تدخلهم لحفظ الأَمن، و قد حضي مشروع هذا القانون بمعارضة كبيرة من قبل مُنظمة الأمم المتحدة والإِتحاد الاوربي وباقي المنظمات الحقوقية التي وصفته بأنه ضد قانون حقوق الإنسان .
و قبل مناقشة بنود هذا القانون قامت الحكومة الفرنسية بالعديد من الإِجراءات لمواجهة ما أطلق عليه بـ ( الانعزالية الإسلامية )، ولا سيما في الأحياء الفرنسية الفقيرة التي تهدف إلى انشاء مجتمع معارض تسوده الشريعة الإسلامية.
وقد اُدخلت العديد من التعديلات على هذا القانون, إِذ كان يسمى بقانون مُكافحة النزعات الإِنفصالية, وتمَّ تعديله إلى اسم قانون مكافحة التطرف الإسلامي وأصبح أخيرًا يسمى بقانون تعزيز المبادئ الجمهورية , والتي من المقرر أن يتم عرضها على البرلمان الفرنسي في منتصف عام 2021 للموافقة عليها .
و تضمن هذا القانون أربعة وخمسين بندًا , تهدف جميعها إلى مكافحة الإسلام ومحاربة مشاعر التطرف والكراهية المنتشرة عبر الانترنت, وتعزيز سيطرتها على المساجد والكنائس للحيلولة دون سيطرة المتطرفين, وفي مجال التعليم وضع القانون نصوصًا تهدف إلى مكافحة مدارس الجمعيات غير القانونية, ومنع تعليم الاطفال في المنازل ابتداءً من سن الثالثة، إلا في حالة وجود أَسباب تحول دون ذلك , ونصوص أخرى بشأن منع اصدار شهادات العذرية وتعزيز النصوص القانونية التي تمنع تعدد الزوجات والزواج بالإكراه.
تم اقرار هذا القانون على أَثر قضية إِغتيال المدرس صامويل باتي , عُقب عرَضه على تلامِذته رسوما كاريكاتورية مسيئة للنبي محمد (صلى الله عليه وآله) , وذلك خلال إلقاء محاضرته شرح فيها حرية الرأي والتعبير, ومقتل ثلاثة اشخاص آخرين في حوادث متفرقة في مدينة نيس الفرنسية , فضلاً عن إصابة عدد من الأَشخاص بجروح خطيرة إثر حادثة طعن بالقرب من مكتب إِحدى المجلات الفرنسية .
ولهذا نستطيع أن نقول من خلال ملاحظة الأَحداث والتطورات التي رافقت تشريع هذا القانون , إنه لا وجود لمعارضة حقيقية ضّد نصوص هذا القانون من قبل مُسلمي فرنسا , على الرغم من صرامة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الفرنسية قبل مناقشة بنود هذا القانون .
في حين نجدّ إِن هنالك عدد من الشخصيات البارزة في فرنسا قد عارضت مشروع هذا القانون , كزعماء بعض الحركات المعارضة للحكومة الفرنسية ومنها حركة تمرد الفرنسية التي انتقدت بشدة هذا القانون , و عدّته معاديًا للإسلام ويضيق من حرية الأَديان , وسيكون له آثار عكسية على فرنسا , وسيتسبب بمزيدِ من الاعتداءات على المساجد والكنائس .
أَما عن كيفية التمييز بين المسلمين المعتدلين المتدينين و من لديهم مشروع إسلامي متطرف، فقد أثار هذا القانون العديد من التساؤلات منها: هل يُمكن أن نعدّ هذه المظاهر معادية لقيم الجمهورية ام لا ؟ وما المعايير التي يمكن الاستناد عليها في ذلك ؟.
و للإجابة عن هذين التساؤلين نجد صعوبة في التفرقة بين الحالتين بشكل كبير , و لعل هذا الخلط سيفسح المجال لاستهداف المسلمين بشكل واسع وخطير.
من جانب آخر نجدَ ان هناك من دافع عن حقوق المسلمين في فرنسا معتبرًا أن هذا القانون يمثل انتقاصًا للحقوق وتضيقًا للحريات, كما يشير بقوة إلى توجه السلطة الفرنسية والأحزاب الحاكمة نحو التقرب من التيار اليمني والذي يشدد مناصروه إلى التدخل في حياة المجتمع للحفاظ على تقاليده .
وعلى النقيض من ذلك نجد إِنَّ التيار اليساري الذي يدعو إلى فرض المساواة بين أفراد المجتمع الواحد و إلى تغيير جذري للأنظمة والقوانين الحالية , قد عارض بشدة مشروع هذا القانون مشيرًا إلى إن الحكومة الفرنسية ستواجه تحديات غير مسبوقة بوصف إِنَّ مشروع هذا القانون قد منح للحكومة الفرنسية صلاحية التدخل في الدين الاسلامي على عكس الأّديان الاخرى التي منحتها حرية ممارسة شعائرها الدينية كلا بحسب طريقته وتوجهاته .
وذلك سيكون واحدًا من الأسباب التي تؤدى إلى خلق شعور بالظلم والتفرقة وعدم المساواة لدى المسلمين, كما يهدد مشروع هذا القانون بتقسيم الغالبية النيابية , و لا سيما إن الحكومة الفرنسية تمر في الوقت الحاضر بأزمة كبيرة من الأَفضل تجاوزها .