أ . م . حيدر خضير مراد
مركز الدراسات الاستراتيجية
قسم الدراسات الدولية
أذار 2021م
منذ عصور موغلة في القدم والحكام وأرباب السلطة السياسية يستغلون الدين لتبرير العدوان على الشعوب واغتصاب اوطانها لخدمة اغراضهم السياسية وتدعيم سلطانهم وتحقيق مطامعهم ، التي ليست من الدين في شيء .
وخير مثال على استغلال الدين لخدمة الأغراض السياسية وتحقيق المطامع الدنيوية أنما يتمثل في الحركة الصليبية في العصور الوسطى التي طرحت كقضية دينية يباركها الله ويحض عليها ويجزي بالثواب في الدنيا والآخرة من ضحى من أجلها ، حيث كان استخدام المبرر الديني شرطاً أساسياً لإنجاحها(1)، فلقد أثارت خطبة البابا أوربان الثاني في مجلس كليرمونت الكنسي عام 1095م/488هـ والتي دعت مسيحيي أوروبا الغربية لاستعادة القدس باسم الله استجابة واسعة النطاق من الناس من جميع المستويات الاجتماعية(2)، بعد ان طرحت هذه الحملة على أنها “حجة ” تهدف الى تحرير البلاد المقدسة من براثن الكفار ذلك الجنس الخسيس والمتوحش “الذي يعاني من الحقارة والانحطاط وتستعبده الشياطين والعفاريت ” على ايدي ” جنود المسيح ” الذين يطيعون ” اوامر الله والكنيسة المقدسة ” ويحملون “شارة الصليب ” رمزاً ” لأيمانهم” واستعدادهم ” للشهادة “(3)، وهكذا زحف الغربيون نحو البلاد المقدسة تحت شعار ” ارادة الله ” بعد ان زودت هذه النظرة الدينية بالقاعدة الفكرية الصلبة التي الهبت حماس الغربيين واقنعتهم بصواب قضيتهم ، وحملتهم على القتال والموت من أجلها(4).
وبذلك يتضح انه كان للعامل الديني دوراً رئيسياً في قيام الحروب الصليبية التي شنت على العالم الإسلامي خلال العصور الوسطى ، حيث قام ملوك اوربا بتلك الحملات العسكرية بمباركة الكنيسة الغربية ولبى الأوربيون نداء الملوك لهذه الحروب طمعاً في الملكوت الذي وعده به بابوات روما ، وهكذا تم استغلال المفاهيم والأفكار الدينية لتحقيق المطامع الاستعمارية لقوى الغرب الأوربي في المشرق الإسلامي ونهب ثرواته بحجة استعادة الأرض المقدسة .
وقد بدأت خطوات الاستعمار تدب من جديد في العصر الحديث مع بداية حركة الكشوفات الجغرافية التي قادها الاسبان والبرتغاليون ، الذين انطلقت سفنهم تمخر البحار وهي ترسم على أشرعتها شعار الصليب ، وقد أصدر البابا نيقولا الخامس مرسوماً في عام 1454م يعطي البرتغاليين حقاً في أراضي الكفرة على الساحل الغربي لأفريقيا ، وأكد ذلك البابا كالكستس الثالث عام 1456م ، ثم أصدر البابا اسكندر الثالث في سنة 1493م مرسوماً يمنح التاج الإسباني الحق المطلق في المتاجرة مع البلاد التي اكتشفت ، ووضع قيداً وهو ان تجلب تلك الشعوب الى المسيحية(5)، وهكذا كانت الحركة التبشيرية وليدة اطماع استعمارية صليبية ، عملت على خدمة الاستعمار وتجميل صورته القبيحة عند شعوب العالم الثالث خدمة لأغراض الدول الأوربية التي احتلت معظم بلدانه في اواخر القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين(6).
وخلال العصر الحديث استغلت القوى الاستعمارية ديانة أخرى لأجل ايجاد القاعدة الفكرية لانتزاع فلسطين من ايدي اهلها ، فبعثت من ركام التاريخ تعابير تفي بالغرض مثل ” ارض الميعاد ” و ” شعب الله المختار ” و ” العهد ” و “صهيون ” و”يهودا ” و ” السامرة ” و ” اورشليم ” ، وبذلك تم تشييد الهيكل الدعائي للحركة الصهيونية ، آخر الحملات الصليبية واشدها دهاء ، من اجل انتزاع هذه القطعة من بلاد الشرق العربي واخضاع اهلها(7)، وتشييد دولة اسرائيل عليها .
ومما سبق يتضح مدى استغلال الدوائر والجهات الاستعمارية لقضية الدين في تحقيق اهدافها واغراضها في استعمار البلدان واخضاع شعوبها واستنزاف خيراتها وثرواتها ، وهو يماثل ما تقوم به اليوم دوائر الغرب من استغلال قضايا الديمقراطية وحقوق الأنسان والدفاع عن حرية المرأة كحجج وادوات ضغط جديدة للتدخل في شؤون بلدان العالم الثالث والتحكم بمصير شعوبها .
الهوامش :
(1) العسلي ، زياد جميل ، مقدمة كتاب تاريخ الحملة الى القدس ( 1095 – 1127م) لفوشيه الشارتري ، ط1 ( بيروت : دار الشروق ، 1990م) ، ص13 .
(2) Dâ Curtsinger, Mersadi , The Struggle for the Conquest of Antioch : (1097-1098) Muslim and Christian Perspectives of a Critica Battle during the First Crusade ,( Hanover College, 2017),p.1.
(3) ينظر : الشارتري ، تاريخ الحملة الى القدس ، ص36 – 37 .
(4) العسلي ، مقدمة كتاب تاريخ الحملة الى القدس ، ص13 .
(5) الميداني ، عبد الرحمن حبنكة ، أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها ، ط1 ( بيروت : دار القلم ، 1395هـ) ، ص170- 172 ؛ عبد الوهاب ، احمد ، حقيقة التبشير بين الماضي والحاضر ، ط1 ( د. م : مكتبة وهبة ، 1401هـ) ، ص 129 .
(6) ينظر : تاريخ الاستعمار – ويكيبيديا الموسوعة الحرة ، الرابط على الانترنيت :
https://ar.m.wikipedia.org
(7) العسلي ، مقدمة كتاب تاريخ الحملة الى القدس ، ص13 .
الاستغلال السياسي للمبرر الديني في الحركات الاستعمارية
التعليقات على الاستغلال السياسي للمبرر الديني في الحركات الاستعمارية مغلقة