الكاتب: عادل زين العابدين
باحث في مركز دراسات الشرق الاوسط (أورسام)
وهو باحث مشارك في قسم الدراسات الدولية/ مركز الدراسات الاستراتيجية
29 نيسان 2021
سربت الصحافة الامريكية خبر حدوث لقاء سري جمع عدد من المسؤولين الايرانيين والسعوديين في بغداد وذلك في مطلع نيسان/ابريل 2021، وحسب الأنباء التي تواردت حول الحدث ان الطرفين أوصلا رسائل ايجابية في امكانية ان تعود العلاقات الإيرانية السعودية الى طبيعتها بعد قطيعة دبلوماسية دامت لاكثر من خمس سنوات. يأتي اللقاء الايراني السعودي على الارض العراقية في الوقت الذي تتقدم فيه المفاوضات بين إيران والقوى الدولية حول امكانية رفع الولايات المتحدة الامريكية العقوبات المفروضة على ايران وعودة الاخيرة الى الاتفاق المشترك الذي جرى توقيعه في 2015.
في الواقع، إن نجاح التوسط العراقي في جمع المسؤولين الإيرانيين والسعوديين على طاولة المفاوضات بشكل مباشر تطور كبير ومهم في العلاقات الايرانية السعودية. خاصة إذا ما عرفنا ان محاولة العراق للتوسط بين ايران والسعودية ليست بحدث جديد، حيث ان رئيس الوزراء السابق عادل عبدالمهدي، اكد بعد مقتل اللواء الايراني قاسم سليماني مع نائب قائد قوات الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس في بغداد، أن المهندس كان يحمل رسالة الى الجانب السعودي. وهذا يؤكد مدى اهمية التقارب الايراني السعودي في المسائل التي تخص دول المنطقة ومن ضمنها العراق.
على الرغم من ان خبر حدوث اللقاء شغل حيزا واسعا في الاعلام العالمي والعربي الا انه تم نفيه من قبل الجانب السعودي وكذلك لم يتم تأكيد الحدث من قبل الجانب الايراني بشكل قاطع ولكن لم يتم نفيه ايضا.
على الرغم من اللغط الذي حصل حول حقيقة حدوث اللقاء من عدمه، توجد مجموعة من المؤشرات تؤكد حصول اللقاء بين الطرفين الاقليمين في بغداد. لقد نظر العديدين الى الانتشار الأمني للقوات الامنية العراقية في بغداد خلال مطلع شهر ابريل/نيسان الى أنه أحد مؤشرات حصول اللقاء بين الطرفين الاقليمين في بغداد. من جانب ثاني خلال الزيارة الاخيرة للسيد مصطفى الكاظمي الى السعودية تم توقيع اتفاقيات بقيمة 3 مليارات دولار، الاتفاقيات التي تم توقيعها بين العراق والسعودية غالبا لم تأتي بنتائج عملية، لذلك، ربما تكون الوساطة العراقية تأتي في إطار محاولة تقريب الطرفيين الاقليميين المتخاصمين من اجل جلب المزيد من الاستثمارات الخارجية لاسيما السعودية للعراق؟ من المحتمل جدا، أن اللقاء الايراني السعودي في العراق جاء نتيجة زيارة الكاظمي الى السعودية. خاصة ان السفير الايراني ايريج مسجدي في تصريح سابق أيد الوساطة العراقية بين بلده والسعودية. هناك ادعاءات بتحرك سعودي نحو إيران من خلال قطر وسلطنة عمان، وهذه الادعاءات تدعم امكانية حصول اللقاء في العراق، لانه اليوم يمتلك مقبولية بين العرب والايرانيين على حد سواء.
حدوث لقاء بين الوفد الايراني والسعودي في العراق ربما يدل على ان الجانبين يمكن ان يخطوا خطوات ايجابية على ارضية ممكن الالتقاء فيها، حيث ان العراق يرغب ويسعى منذ فترة طويلة على علاقات متوازنة مع كافة الاطراف الاقليمية، وربما محاولة حكومتي عادل عبد المهدي ومصطفى الكاظمي في الانفتاح على البلدان العربية تؤكد ذلك. التقارب الإيراني والسعودي في العراق، ربما يسهل عملية تسوية الازمة اليمينية وتشكيل الحكومة في لبنان، وتفسح المجال لعودة العلاقات السورية مع الدول العربية. خاصة ان العراق ليس بعيدا عن الازمة اليمنية والسورية واللبنانية، إذ أن هناك أطراف عراقية سياسية واجنحة مسلحة مرتبطة بها مثل محور المقاومة تحاول ان تتدخل في المسألة اليمينة، في حين أنها متدخلة فعلا في الأزمة السورية، فيما يخص لبنان هناك أطراف سياسية عراقية ذات نفوذ واسع في الحكومة العراقية، لديها ارتباطات وثيقة مع أطراف لبنانية مثل حزب الله وحركة امل. في الشهر الرابع من 2021، كان هناك حديث حول حصول اعتداء بطائرات مسيرة على الارضية السعودية انطلقت من الاراضي العراقية، وهذا من الممكن أن يكون أحد الدوافع لعقد الاجتماع في العراق.
العراق يعتبر نقطة انطلاق مهمة لأن كل من إيران والسعودية تنظران الى العراق في إطار المنافسة الأقليمية التي تخوضها كلاهما في المنطقة، والجانبين لديهما رؤية مفادها أن كسب نفوذ وبناء علاقات مع العراق يعني طرد الاخر من العراق، في حين ان العراق يحتاج الى ان اجتماع الطرفين في ارضه في إطار المصلحة العراقية وذلك من خلال التعاون الاقتصادي. ومع إحتمالية تخفيف العقوبات الامريكية على إيران والسماح للعراق بدفع الديون الايرانية، ربما يدفع ذلك ايران الى عدم الاعتراض -من خلال حلفائها من القوى السسياسية والامنية المحلية- على توسع الدور الاقتصادي السعودي في العراق وذلك من خلال استثماراتها في مجالات الطاقة والزراعة والعقارات وغيرها من المجالات.
الحكومة العراقية تحاول ان لا تدخل في ملفات اقليمية شائكة بين إيران والسعودية وذلك لان التنافس الايراني والسعودي في المنطقة له إنعكاسات داخلية خطيرة، هذه الانعكاسات تارة تظهر على شكل صراع سني-شيعي وتارة اخرى على انها صراع قومي عربي-فارسي ففي كلتا الحالتين من الممكن ان تُحول العراق الى نقطة توتر في المنطقة بسبب هذه المنافسة. ولهذا السبب يسعى العراق في ان يُجلس كلا الطرفين معا من أجل ضمان الأستقرار الامني والسياسي في العراق. لكن إذا لم تكن المفاوضات الايرانية-السعودية في العراق فيما يخص المواضيع التي تخص العراق، عندها من الممكن ان يطول امد المفاوضات دون نتيجة حقيقية لان الأزمات الموجودة في المنطقة التي تخص السعودية وإيران لها ارتباطات دينية وتاريخية ودولية كثيرة، وحلولها بحاجة للكثير من الوقت. بما ان العراق قد قطعت شوطا كبيرا في الاستقرار الامني بعد الانتصار على داعش، وهو في مرحلة يبحث فيها عن اعمار ما دمره الإرهاب منذ ما بعد 2003، يقدم فرصة لكل من ايران والسعودية للحصول على امتيازات اقتصادية كبيرة.
لكي تنجح المفاوضات بين السعودية وايران على الاقل على المستوى العراقي يجب ان يكون العراق طرفا في المفاوضات بين البلدين، من الممكن ان يلعب العراق دورا كبيرا في انجاح المفاوضات لان العراق من الممكن ان يكون نقطة التقاء مصالح ايران والسعودية والعراق ايضا. لكن حسب المصادر الدبلوماسية، ان العراق يلعب دورا وسيطا فقط، وهذا يعني ان العراق لا يعلب اي دور في إذابة الجليد بين البلدين بما ينعكس ايجابا عليه. خاصة ان العراق كان قد تحول بعد 2003 الى ساحة صراع بين البلدين، على الرغم من انحسار هذا الصراع، لكن حتى يضمن العراق مصالحه مع الدول العربية وإيران معا يجب ان يكون طرفا في المفاوضات على الاقل فيما يخص الملف الامني. بالنسبة للعراق، فإن عودة العلاقات السعودية الإيرانية ضرورية فقط في إطار المصلحة العراقية، التجارب السابقة اثبتت ان الاطراف الاقليمية التي تربطها علاقات التنافس الثنائية كانت تتصارع في العراق. هذا يعني ان الحلول في المنطقة خاصة في العراق تكمن بالتكامل الاقتصادي مع الدول المجاورة. ولذلك ينبغي على العراق ان لا يكون وسيط مثل قطر او سلطنة عمان لان العراق بلد يعاني من تدخلات ومشاكل كثيرة لها ارتباط وثيق بإيران والسعودية.