الباحثة: م. هناء جبوري محمد
مركز الدراسات الاستراتيجية / جامعة كربلاء
أيار/ 2022
في كل المجتمعات هناك ظواهر حقيقتها معقدة، فنحن جزء من هذه المجتمعات نتأثر بشكل الحقائق، من غير أن تكون لدينا إرادة في دراية الأحكام والعادات والقوانين والأعراف. فالعادات والتقاليد هي الإرث الذي نورثه من الآباء والأجداد، الذين استمروا عليها حتى وجدنا أنفسنا جزءًا منها. وتلك التقاليد والعادات تنظم إنجاز الحاجيات الضرورية في حياتنا، وتوظف لأجل انجازها، ولهذه العملية عملية التنظيم والتوظيف الممارسة لتلك العادات والتقاليد، هناك قوة أو محرك نسميه المؤسسات، ولهذه المؤسسات دور متميز وأثر كبير في ساكني المجتمع، كما أنَّهم يضيفون عليها حياة وحركة. فالمؤسسات هي كتل أو مجاميع منظمة، ولكنها تفتقد إلى روح الحياة، فالمؤسسات هي بمنزلة بشر حيّ، وهي التي تحدد وتقرر طراز البناء. فدراسة المؤسسات شيء ضروري ومهم لفهم الأسلوب السياسي، فالدولة وهيكلية الدولة والجامع والكنيسة هي مؤسسات، والدولة هي الهرم الأعلى لتلك المؤسسات، والمعروف إنَّ الدولة هي أم المؤسسات، ولا توجد هناك أي قوة شبيهة بقوتها تمسك المجتمع وتوحده، وعلى هذا الأساس نتعرف على ما هي المؤسسات، وما هي عناصرها. فالمؤسسة هي التركيب الاجتماعي، وهي المنظم للمجتمع الإنساني، ومن هنا أصبحنا نتعرف على تلك المؤسسات في المجتمع، عن طريق التطبيق اليومي، فهي تحمل طابعًا خاصًا بها، فمنها المؤسسة الاقتصادية، ومنها المؤسسة الاجتماعية، والتربوية، والصحية وإلى آخره. وللمؤسسات تأثير ليس فقط على الظاهر الاجتماعية بل على السياسة والعلاقات التربوية، ومن هنا يمكن القول إنَّ الدولة التي فيها مؤسسات، هي أكثر تنظيم وإنتاج وتماسك، فهذه المؤسسات تقوم بتنظيم سير الحياة بكل مفاصلها. وبما إنَّ المؤسسات تتعلق بالسلطة فهناك فرق بين المؤسسات والعلاقات، فخصائص العلاقات وقتية أي ليست دائمة، أمّا المؤسسات فهي نماذج لعلاقات تصحح وتصلح، فأهم خصائصها الديمومة والثبات. ولا يكفي أن تكون المؤسسات قائمة، بل يجب أن تكون موجودة وحية في أذهان البشر، فالحضارات قائمة أو ماثلة في أذهان البشر، والسلطة ليست ظاهرة مادية بل فيها الجانب العقلي والمادي، وهي ارتضاء الناس للسلطة. فالمؤسسة هي مجموعة من الناس يحملون هموم الناس، ولديها توجه بموضوع خاص يشكل جزءًا مهمًا من المجتمع، وعليه كل هذه المؤسسات إذا تعاونت فيما بينها، وشرع لها حزمة قوانين تعطيها القوة التي من الممكن أن تدخل في سياسة الدولة، من أجل تحقيق ما يصبوا له المجتمع، فتكون دولة قوية جدا بعيدة عن العمل الحزبي أو الفئوي أو الانفرادي، تكون كل القرارات مدروسة من قبل ذوي الاختصاص والخبرة، وهذا يعطي ضمانات ببناء مجتمع مؤسساتي ودولة قوية، دولة المؤسسات تملك عناصر القوة. فقوة الدولة ليست بالسلاح بل بالتخطيط السليم من قبل تلك المؤسسات، فعلى سبيل المثال إنَّ الدول المتقدمة على الرغم من غياب العقيدة التي تقوم بدور مهم في تلاحم الناس، فهناك معياران: المعيار المادي والعقائدي، فنجد عند الدول الاوربية أنَّ المعيار المادي هو الأهم في بناء المؤسسات. وهنا نستطيع القول إنَّ الأفراد عنصر مهم في بناء المؤسسات، فكلما كان هؤلاء الأفراد مقتدرين من الناحية العلمية والاجتماعية، فحتما ستكون المؤسسات قوية وناهضة، فنجد أنَّ جميع الدول الغربية دول مؤسسات، حتى أنَّ بعضهم لا يملك جيشًا بل اقتصادًا قويًا وناجحًا، وعمل الدولة عمل مؤسساتي، كل مؤسسة تقدم بمجالها ما يخدم الدولة، دون النظر إلى العقيدة والمذهب أو الاتجاه السياسي. ومهما كان دور الموظف حافلا ً بالمعاني، فإنَّه واحد من أدوار كثيرة يؤديها الفرد ككائن اجتماعي. فدمج الانسان الواعي في تلك المؤسسات، يعطي مردودًا جيدًا وفاعلًا في بناء الدولة والمجتمع، ولابد أن تكون هناك تشريعات للمؤسسات، تنظم عملها لكي لا يذهب ذلك الحكم إلى المنحى الديكتاتوري، فكل مؤسسة قوانينها التي تشرع لها، والتي على ضوئها تعمل تلك المؤسسات، ومن ضمنها المؤسسات غير الحكومية، من اجل الوصول إلى الأهداف المطلوبة والموضوعة من قبل تلك الفئة السياسية، فدولة المؤسسات هي الخالية من الحزبية والفردية، ومن الأنماط الأخرى، مثل: القومية والسوفيتية والأحزاب الرجعية وغيرها، فرئيس الدولة والبرلمان ومجلس الوزراء والكنيسة والجامع وغيرها من المؤسسات، هي مؤسسات يجمعهم هدف واحد، هو بناء ذلك المجتمع وتلك الدولة بشكل صحيح وناجح.