أ.م. د. حمد جاسم محمد
قسم إدارة الأزمات
مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء
أيار 2022
منذ انطلاق منظمة الأمم المتحدة عام 1945، وحتى قبلها، انبرت العديد من دول العالم إلى صياغة مئات الاتفاقات والمعاهدات الدولية، التي تخص حقوق الانسان، وتهدف إلى تحقيق العدالة الدولية، وأنشأت محاكم دولية تنظر في هذه القضايا، مثل: المحكمة الجنائية الدولية، وقد كان لها بعض الدور في العديد من مناطق العالم، التي شهدت نزاعات داخلية وحروب اقليمية، بل تم تقديم بعض قادة دول العالم، وبعض الأفراد، أمام المحكمة الجنائية الدولية من أجل تحقيق العدالة. ولكن على الرغم من كل هذا العدد من المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية، إلا أنَّ أغلب قراراتها كانت انتقائية، واصطبغت بالصبغة السياسية والمصالح الخاصة والصراع على مناطق النفوذ، أكثر مما هي لتحقيق العدالة وانصاف الضحايا، بل وصل الأمر إلى سيطرة دول معينة على هذه المنظمات والتحكم في قراراتها.
ولو عدنا هنا إلى المقارنة بين ما يحدث في فلسطين لأكثر من (74) عاما، وبين ما حدث في أوكرانيا منذ (80) يوما فقط، وما صدر من قرارات وتطبيقها، لرأينا ازدواجية المعايير وتغليب المصالح الخاصة، ومحاولة استخدام حقوق الانسان من أجل غايات ومصالح ضد دول أخرى، إذ إنَّ الجرائم التي يرتكبها العدو الاسرائيلي ضد الدول العربية عامة، ولاسيما الشعب الفلسطيني منذ عام 1948 إلى اليوم، تجاوزت مئات الآلاف من الضحايا وملايين المشردين، بل وصل الأمر إلى ارتكاب المجازر ضد الشعب الفلسطيني، كما في مجزرة صبرا وشاتيلا، يضاف إليه ضرب اسرائيل لعشرات القرارات الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية وحقوقها، وعدم الالتزام بها، إذ لم نشهد أي التزام أو الزام أو إجبار لإسرائيل، من قبل مجلس الأمن و الأمم المتحدة، من أجل تطبيق القرارات الدولية، وآخر هذه الجرائم، وهي ليست آخرها، هي اغتيال الصحفية شيرين أو عاقلة في يوم 11 أيار 2022 في مخيم جنين، وقد انكرت اسرائيل في بادئ الأمر مسؤوليتها عن الحادثة، إلا أنّها، وتحت الضغوط من قبل الصحافة العالمية، تراجعت وفتحت تحقيقا عن الحادثة، وبالرغم من بشاعة الجريمة وتنفيذها بدم بارد، وانتهاكها كل المواثيق الدولية التي تقر بالحماية للصحفيين، إلا أنَّ ردة الفعل الدولية لم ترقَ إلى مستوى الحدث، أو في الأقل فرض نوع من العقوبات، التي تجبر العدو على الاعتراف بالجريمة وفتح تحقيق بها، بل وقفت عند الاستنكار والتنديد والدعوة إلى فتح تحقيق شفاف وعادل، وهي توصيات لو قورنت بحالة أوكرانيا لا تساوي قطرة في بحر، فعند انطلاق أول طلقة في الحرب الروسية الأوكرانية، انطلقت مئات القرارات ضد روسيا وفرض العقوبات الاقتصادية، والتي شملت مختلف نواحي الاقتصاد الروسي، بل وصل الأمر إلى تجميد عضوية روسيا من مجلس حقوق الانسان الدولية، على أثر حادثة بوتشا، والتي لن يتم التأكد والتثبت من الأوضاع الميدانية، من مصادر مستقلة عن هذه الحادثة للظروف الأمنية الصعبة، كذلك اتهام روسيا من قبل الرئيس الأمريكي (جو بايدن)، بأنها دولة راعية للإرهاب، وتزويد أوكرانيا بمختلف أنواع السلاح والعتاد، ومساعدات مالية وصلت إلى عشرات المليارات من الدولارات، يضاف إليه استخدام امكانات الدول الغربية وحلف الناتو لمساعدة أوكرانيا. هذا يبين بلا أدنى شك ازدواجية المعايير الدولية الخاصة بحقوق الانسان، ووقوف دول الغرب عامة والولايات المتحدة خاصة مع الكيان الاسرائيلي ودعمه، في جرائمه ضد الفلسطينيين وعدم محاسبته، بالرغم من كل القرارات والدعوات الدولية.
على الرغم من صمت العالم عن جرائم الكيان الاسرائيلي بحق الفلسطينيين، وعدم اتخاذ أي قرار ملزم ضده، منذ تأسيس الكيان الغاصب عام 1948، إلّا أنَّ ما يميز جريمة اغتيال الصحفية (شيرين ابو عاقلة)، أنَّها جاءت في وقت وجود تحرك دولي محموم في القضية الأوكرانية واتخاذه قرارات ضد روسيا وصلت إلى تعليق عضويتها في مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، وهو ما وضع نوع من الضغط على الدول الغربية، والتي بدأت تدعو بشكل خجول إلى إجراء تحقيق بالحادثة، كذلك صدور استنكار من قبل مستويات سياسية عليا في الدول الاوربية، فضلا عن اجتماع مجلس الأمن الدولي يوم 14 أيار 2022، واعتماده بيانا صحفيا كانت الولايات المتحدة قد وزعته على الدول الأعضاء، استنكر فيه المجلس مقتل الصحفية الفلسطينية (شيرين أبو عاقلة)، ودعا إلى اجراء تحقيق فوري وشامل وشفاف ونزيه في مقتلها، وأكَّد المجلس على الحاجة إلى ضمان المساءلة، ووجوب حماية الصحفيين بصفتهم مدنيين. كما أنَّ ما قامت به شرطة الكيان الاسرائيلي، من اعتداء على موكب تشييع الصحفية، والضرب المبرح للمشيعين، وسقوط جنازتها، هو الآخر كان له وقع مؤلم لدى شعوب العالم، والتي لم تستطع آلة الدعاية الغربية الامريكية، انكارها أو التغاضي عنها. لهذا فإنَّ حرب أوكرانيا ومقتل الصحفية الفلسطينية (شيرين ابو عاقلة)، قد يؤسس لظهور سياسة جديدة لحقوق الانسان، تنظر لكل الضحايا بعين واحدة، وظهور دعوات من الاتحاد الاوربي تدعو إلى البحث عن حلول جدية للقضية الفلسطينية، على أساس حلّ الدولتين وإنهاء هذه المعانات.