بعد أكثر من (200) يوم من الحرب الروسية على أوكرانيا، التي بدأتها القوات الروسية في مسعى منها لبسط نفوذها على مناطق الساحل الشرقي، واستعادة جمهوريتي: دونستك ولوغانسك. فيما كانت بداية المعارك قوية جداً، وكان التوقع أن تجتاح موسكو قلب العاصمة كييف، على أثر الحشود التي دفعت بها، فضلا عن المعارك على طول الشريط الحدودي، ناهيك عن الصواريخ وهجوم الطائرات، إلا إنَّ الأمر قد تغير وبدأت القوات الروسية بالانسحاب التدريجي عن خطة اجتياح العاصمة، وربما السبب التعزيزات والدعم الغربي لأوكرانيا، أو إنَّ خطة بوتين تقضي بعدم الوجود العسكري البري على كامل أوكرانيا،خوفاً من حرب الاستنزاف التي يسعى الغرب إلى توريط روسيا بها، مع زيادة الدعم بمختلف الأسلحة الحديثة، فضلا عن خنق روسيا بالعقوبات الاقتصادية التي بدأت تأثيراتها تظهر، مع أنَّ روسيا قد قطعت امدادات الغاز عن كثير من دول أوروبا، وطالبتها بتسديد المستحقات بعملة الروبل الروسي.
مع كل مسوغات موسكو التي صاغتها لتسويغ الحرب، ومن ضمنها الاعتراف بجمهورتي: دونستك ولوغانسك وغيرها،والتهديد الذي كان يعتلي حدودها نتيجة نية أوكرانيا الانضمام لحلف الناتو، إلا إنَّ الكثير من الخبراء انتقدوا سلوك موسكو في هذه الحرب التي لم تحسم حتى الآن،والتي شهدت اخفاقات عسكرية كبيرة، وخسائر مادية وبشرية، ناهيك عن تمكن أوكرانيا خلال الشهر الأخير من استعادة أكثر من (6000) كلم، في هجوم معاكس على مدينتي: ازيوم وخاركيف، ومن الناحية العسكرية خسارة هاتين المدينتين تعني قطع خط الامداد الروسي نحو الشرق،وضياع بوابتها نحو البحر الاسود، فضلا عن ذلك تمثل إدامة الزخم المعنوي لأوكرانيا وزيادة الدعم الغربي لها، وربما ديمومة التقدم حتى جزيرة القرم. وبطبيعة الحال روسيا تعمل على تقوية أواصر علاقتها مع الصين وايران،وحسب ما يقال هناك صفقات سلاح ما بينهم لزيادة زخم روسيا، التي تعاني من تراجع على أرض الواقع الأوكراني.
في مقابل ذلك لدى موسكو أدوات عدة للحفاظ على مكاسبها هناك، وأولها ورقة الامداد الغازي نحو دول اوروبا التي بدأت تؤثر سلباً فيها، وأعلنت عدة دول بدء ترشيد استهلاك الطاقة، وقد شهدت عدة مدن اطفاء لمنظمات الطاقة الكهربائية لاسيما في المانيا وفرنسا، فيما اعلنت عدة شركات موردة للغاز عن استجابتها للتسديد بعملة الروبل الروسي، كما أنَّ أزمة الغذاء بدأت تظهر نتائجها على دول عدة، كذلك ارتفاع أسعار النفط عالمياً لأكثر من (100) دولار للبرميل الواحد، ما يمثل ضغطاً كبيراً حتى على الولايات المتحدة نفسها، وعلى حلفائها المستهلكين،وعلى السوق العالمي بصورة عامة.
ربما تلجأ روسيا للاحتفاظ بمناطق الساحل الشرقي، في مقابل الانسحاب من بقية المناطق، مع تقديم ضمانات بتخفيف العقوبات الاقتصادية، وهو أمر قد يحدث في ظل تراجعها في الميدان العسكري وزيادة الخسائر هناك، أمّا السيناريو الأخطر هو اللجوء للحرب النووية أو ربما ضربة استعراضية روسية، لإثبات قوتها وتفعيل عامل الردع، وهذا الأمر يقترب كلما فقدت روسيا موقعها على الأرض الأوكرانية.