الكاتب:أبو الفضل بازركان
الناشر: مركز الأبحاث العلمية والدراساتالاستراتيجية في الشرق الأوسط
ترجمة: أ.م خالد حفظي التميمي
4- عجلة النظام الجديد في المنطقة لصالح إيران بعد الانسحاب الأمريكي:
كان للولايات المتحدة الأمريكية وجود عسكري جاد وواسع النطاق في المنطقة منذ (20) عامًا، منذ أن غزت أفغانستان والعراق بعد 11 أيلول بهدف احتواء إيران. خلال هذه السنوات فشلت الولايات المتحدة في اتخاذ أي إجراء لتغيير سلوك إيران وإلحاق الهزيمة بها، من حملة الضغط الأقصى للعقوبات، إلى الانتشار العسكري على الحدود الغربية والشرقية والشمالية والجنوبية, إلى الوجود في الخليج العربي، وإجراء تدريبات عسكرية على حدود إيران أمام تهديدات عديدة “الخيار العسكري مطروح على الطاولة”، حتى اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني وما إلى ذلك، ولكن الآن بعد (20) عامًا وبينما تغادر أمريكا المنطقة إلا إنَّ إيران بقيت، ولم تتغير في سياستها الخارجية ولا ايضا في سلوكها، لكنّها انتصرت في جميع الحروب بالوكالة في المنطقة جنبًا إلى جنب مع محور المقاومة ضد أمريكا وحلفائها، وفي عصر النظام أحادي القطب تحدت الهيمنة الأمريكية في المنطقة بعمق استراتيجي، وطبقت على المنطقة نظامها المنشود في نصف المنطقة من أفغانستان إلى العراق وسوريا ولبنان واليمن. كما طورت إيران قوتها الصاروخية أكثر من أي وقت مضى،وأصبحت مؤخرًا واحدة من أهم القوى فيما يخص الطائرات بدون طيار في المنطقة. الآن ومع هذا الوضع، فإنَّالحكومات في المنطقة التي رأت أنَّ أمنها يعتمد على وجود الولايات المتحدة في المنطقة، وتغير بسبب انسحاب الولايات المتحدة، إذ شعرت بالخوف والفراغ الأمني، مما أجبرهم على تبني سياسات جديدة، بما في ذلك الاعتماد على المساعدة الذاتية والتحالفات الجديدة. في هذا الصدد يمكن تفسير جميع أنشطة دول المنطقة من التواصل مع الصين وروسيا، واقتراب العرب من تركيا وصولا إلى النظام الصهيوني.
لكن الجانب الآخر من هذه المواجهة هو أنه نظرًا لتاريخ بقاء إيران وقوتها وردعها، والموقع الجيوسياسي والجيواستراتيجي المهم جدًا والحساس لإيران في المنطقة،فإن الحكومات الأخرى في المنطقة على الرغم من تنافسهامع ايران على حساب التكلفة والعوائد الخاصة بها، إلا إنّها تفضل عدم السماح بدخول في حرب أو صراع مع إيران، وتميل إلى التهدئة مع هذه الدولة والتعاون معها بدلا من التصعيد. ويمكن رؤية هذا الوضع من خلال التطورات الجديدة في أفغانستان، ووصول حركة طالبان إلى السلطة، التي كانت دائمًا في منافسة مع إيران، إلا إنّها تفضل علاقات جيدة مع طهران، حيث تتمتع باكستان أيضًا بعلاقات جيدة مع طهران، حتى تركمانستان التي كانت علاقاتها باردة منذ سنوات مع طهران، الآن مع تغيير نهج الحكومة الجديدة في طهران، كان هناك تحسن ملحوظ في العلاقات، ويلاحظ ذلك ايضا مع جمهورية أذربيجان وتركيا، اللتين تتنافسان بشدة مع إيران في أزمة ناغورنو كاراباخ(قره باغ)، لكنهم الآن يريدون وقف التصعيد والتعاون مع طهران، حتى الامارات وعلى الرغم من تطبيع العلاقات مع النظام الصهيوني، إلا إنَّ كبير مستشاري الأمن القومي في البلاد سافر إلى طهران والتقى مع الأدميرال علي شمخاني وطلب توسيع العلاقات معها، وأيضا قطر، وسلطنة عمان، التي اصبح لهما علاقات مع طهران أوسع من السعودية، والتي وصلت إلى ذروة المنافسة بعد (8) سنوات من الهزيمة في حرب اليمن، وخروج صواريخ باتريوت من أراضيها، إلا إنَّهم طالبوا بتهدئة التوترات مع طهران فيمفاوضات بغداد. كل هذه التطورات بالإضافة إلى فوز بشار الأسد مؤخرًا في الانتخابات السورية، وتطبيع دول المنطقة العربية مع بشار بعد (10) سنوات من الحرب، كلها تشير إلى تحسن موقف إيران في المنطقة.
في الوقت نفسه، فإنَّ هذا التحول في النظام في المنطقة ليس في مصلحة أمريكا على الإطلاق، لأنَّ الأمريكي الذي حاول ترجيح كفة الميزان لمصلحة إسرائيل عن طريق إقامة سلام إبراهيم، والآن إذا أقام العرب وإيران علاقات متزنة فيما بينهم، هذا التوازن سيكون لمصلحة ايران، وهذا التغير يعود بالضرر على الكيان الصهيوني في المنطقة،وهذا يتناقض مع السياسة الأمريكية المبنية على أساسالحفاظ على تفوق وأمن هذا النظام في المنطقة. لذلك فإن زيارة بايدن للسعودية لها أهمية خاصة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل وقلب ميزان المنطقة نحوها.
تبحث أمريكا الآن عن “التوازن الخارجي” لغرب آسيا، بمعنى أنه بعد (20) عامًا من الوجود العسكري المباشر في المنطقة، والتكاليف الرهيبة والتي تقدر (وفقًا لترامب، بأكثر من ثمانية آلاف مليار دولار)، التي أنفقتها الولايات المتحدة في المنطقة, الآن مع وجود تهديدات أكثر خطورة في سياستها الخارجية نقصد احتواء روسيا والصين، يجب أن ينضم للتسوية حلفائها في المنطقة لتأمين مصالحهاوأهمها هو النظام الصهيوني. لكن هذا النظام بالتأكيد لن يكون قادرًا على القيام بهذه المهمة بمفرده، لذلك من خلال زيارة السعودية وتطبيع العلاقات بين هذين البلدين، يريد بايدن التأكد من أنّه يمكنه اعتماد السعودية كحليف له مرة أخرى.
5- أمريكا ليس لديها بديل مناسب في حالة فشل المفاوضات مع إيران:
في استمرار الجدل حول النظام الدولي، والأزمة الأوكرانية، ونمو الصين، والانسحاب التدريجي للقوات الأمريكية من المنطقة، وزيادة قوة الردع، ونفوذ إيران في المنطقة ومكانتها، وزيادة قدرات إيران النووية وتقنياتها ومعرفتها، لم يعد بإمكان الولايات المتحدة الأمريكية أن تكون هي نفسها كما كانت في الماضي، وأن تقول لإيران “إما الحرب أو المصالحة”. ولم يعد بإمكانها فرض مطالبها على إيران في المفاوضات عن طريق التهديد بالحرب (السياسة التي كان يتبعها في مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة عام 2015). في مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست صرح بايدن أن ترامب انسحب من خطة العمل الشاملة المشتركة دون أن يكون لديه بديل مناسب لإيران. كما صرح بايدن أن حكومته ستواصل العقوبات على إيران ببقائها في المفاوضات حتى توافق إيران على الاتفاق (بالطبع، اتفاق إيران يعني الاتفاق الذي يخدم المصالح القومية الأمريكية!).إنَّ تصريح بايدن هذا، والذي حظي باهتمام كبير من وسائل الإعلام، يعني أنَّ أمريكا حقًا ليس لديها خيار بديل مناسب لإيران في الوقت الحالي، وتفضل مواصلة المفاوضات مع إيران مع استمرار الضغط عليها. انها لم تفشل لذلك تكون هي الطريقة الوحيدة لاستبدال احتواء إيران في حالة فشل المفاوضات، عن طريق إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة،هي سياسة الموازنة البعيدة نفسها التي تم اقتراحها سابقًا، تحالف عسكري (جوي – بحري – دفاع – رادار) بين النظام الصهيوني وبعض الحكومات العربية في المنطقة. من وجهة النظر هذه ومن خلال السفر إلى السعودية، يسعى بايدن إلى إنشاء خيار بديل (الخطة ب) لإيران في حال احتمالية فشل المفاوضات لإعادة الاتفاق النووي.
طريقة إيران في التعامل مع آثار رحلة بايدن إلى المنطقة: ترتيب الشبكة (الأدوار):
إذا اتخذت إيران، في مجال سياستها الخارجية، وجهة نظرتستند إلى النظام الدولي الجديد، أي ترتيب الشبكة، فالترتيب على أساس النمط السلوكي للمنافسة والتعاون (التعاون: المنافسة + التعاون)، إذا وضعت من خلال ذلك تأمين مصالحها القومية، حتى تستطيع تقليص أو حتى تحييد معظم مؤامرات أمريكا والنظام الصهيوني بأقل تكلفة.حاليا، السعودية لها وضعها الخاص والرئيس بين الدول العربية الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. فمن ناحية انها لم تنجح في الحرب في اليمن منذ ثماني سنوات، وقد وصلت قوة أنصار الله اليمنية الآن إلى درجة أنهم يستهدفون الداخل السعودي وحتى أرامكو. ومن ناحية أخرى في مواجهة انسحاب أمريكا من أفغانستان والازمة في اوكرانيا، إذ ليس لديهم ثقة في دعم أمريكا. وبالتعاون مع القوى الدولية الجديدة، وهي: الصين وروسيا، تضطر إلى أن تتخذ موقفًا أكثر اعتدالا تجاه مصالحها في المنطقة، ولاسيما تجاه إيران وتجاه الصين، لأنَّ الصين على عكس الولايات المتحدة، تريد تحسين العلاقات بين إيران والسعودية، لتكون قادرة على تأمين مصالحها الوطنية في مجال الطاقة، وعبور الخليج العربي بشكل أكثر أمان. وأخيراً تعدّ السعودية أيضاً تطبيع العلاقات مع النظام الصهيوني، على الرغم من أنها تعدّ هذا العمل تماشياً مع تأمين مصالحها الوطنية. وفي الوقت نفسه نعلم أنّ القيادة هي للسعودية باعتبارها الأخ الأكبر للمسلمين السنة في العالم، وأنَّ قضية فلسطين سوف تتضرر بشكل خطير. لذلك على الرغم من تطبيع العلاقات مع النظام الصهيوني لا يمكن للسعودية أن تصبح حليفًا استراتيجيًا لذلك النظام. إذا أخذنا في الاعتبار كل هذه الشروط، يمكننا أن نرى إيران الآن في وضع أفضل بكثير مما كانت عليه في السنوات العشر الماضية، بحيث يمكنها الدخول في حوار وخفض التصعيد مع السعودية من موقع أقوى، وعن طريقالمفاوضات التي اجريت في بغداد، حيث استغرقت هذه العملية إلى الآن خمس جولات وربما تعقد الجولة السادسة قريباً. النقطة المهمة هنا هي أنه على الرغم من جميع المنافسات التي تجريها إيران مع السعودية، في مختلف المجالات الأيديولوجية والاقتصادية والنفطية والسياسية والعسكرية والإقليمية، ولكن في الوقت نفسه، في حساب التكلفة والعائد لضمان الوطنية والمصالح والتوتر، فك الارتباط مع السعودية يمكن أن يمنع السعودية من الاقتراب من النظام الصهيوني، ويقلل أو يحيد معظم التهديداتالأمنية في الخليج العربي. لذلك، فإنَّ تسريع المفاوضات في بغداد، وإعادة فتح السفارتين في طهران والرياض، قد يكون من أكثر الإجراءات فاعلية لإيران، ردًا على زيارة بايدن للمنطقة. بهذه الطريقة مع توفير الأمن القومي ضد التهديدات الحالية في الخليج العربي، سيتم توفير المصالح الوطنية أيضًا من الفرص التي تنشأ.
رابط المقال : https://www.cmess.ir/Page/View/2022-07-16/5139