مع مرور الوقت، أدرك المواطن العراقي أنَّ هناك أمورًا كان يعدّها من المسلمات، أو يعدّها حقوقًا ثابتة لا يمكن المساس بها، من بين أهم هذه المسلمات توفر المياه بالكثرة والجودة أنفسهما على مر الزمن، سواء للزراعة أو الاستخدامات المنزلية أو الشرب، لكنَّها لم تعد كذلك.
إنَّ أزمة المياه، وإن كانت أزمة عالمية، إلا إنَّ وقعها على العراق كان الأشد لأسباب عدة، منها: غياب الخطط الكفيلة بوضع المعالجات الحقيقية لهذه المشكلة من زمن النظام السابق ولحد الآن، إذ إنَّ مشكلة شحة المياه فعليا ليست وليدة الساعة، بل بدأت بوادرها من منتصف ثمانينيات القرن الماضي، فضلا عن عدم وجود وعي كامل لدى المواطن العراقي بأهمية ترشيد استخدام المياه، واعتماد العراق على أساليب ري بدائية جدا تعود إلى البابليين والسومريين.
إنَّ عدم وضع الحلول الجادة طويلة الأمد من قبل الحكومة العراقية لأزمة المياه، سيؤدي عاجلا او آجلا، إلى نزوح سكاني كبير من القرى والأرياف، التي تعاني الآن من نقص حاد في مياه الشرب، فضلًا عن الاستخدامات الزراعية، وهذا الأمر سيؤدي فعليًا إلى تغيير ديمغرافي واسع، فضلًا عن انهيار القطاع الزراعي بشقيه: النباتي والحيواني، الأمر الذي سيشكل عبئًا إضافيًا على الموازنة العامة للدولة، عن طريق الاتجاه إلى استيراد معظم المنتجات النباتية والحيوانية، فضلًا عن الحاجة إلى توفير فرص عمل إلى الآلاف من أبناء القرى والأرياف النازحة، وهذا قد يعزز من مخاطر ارتفاع نسب الجريمة، وتعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية لاسيما بين أوساط الشباب، الأمر الذي سيجعل منهم قنابل موقوتة قد تودي بكل المجتمع، في حال أهملت مشكلة بطالتهم ولم تعالج بشكل حقيقي وجذري ومستدام.
إنَّ وضع حلّ حقيقي لمشكلة المياه في العراق، يجب أن يتضمن مسارين متوازيين، الأول: بذل جهود دبلوماسية مع دول الجوار، واستخدام كل وسائل الضغط الممكنة لدى الحكومة العراقية، من أجل إيفاء تلك الدول بالتزاماتها تجاه حقوق العراق المالية، بما في ذلك الاستعانة بالأمم المتحدة والمجتمع الدولي، وعرض الخسائر الكبيرة التي تعرض لها العراق، من جرّاء سياسات تلك الدول تجاه حصته المائية المقررة بموجب الاتفاقيات. والثاني: هو العمل وبكل جد وصرامة على تغيير أنظمة الري التي مضى على استخدامها أكثر من (5000) سنة، والاتجاه نحو الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة في الري، وإدارة ملف المياه بحيث يتم الاستفادة القصوى من كل الموارد المائية المتاحة قبل ذهابها إلى الخليج العربي، والتعامل بحذر، وبعد دراسات عميقة، مع المياه الجوفية وعدم إهدارها بأمور لا تعود بالنفع الحقيقي على البلد.
إنَّ استشعار الباحثين في مركز الدراسات الاستراتيجية لأهمية ملف المياه، والأخطار الكبيرة المرتبطة به، دفعهم إلى تخصيص هذا العدد من نشرة العراق في مركز الأبحاث الدولية لمناقشة هذا الموضوع. تناول المقال الأول أبعاد أزمة المياه في العراق، وكيف انتقلت من البعد المحلي إلى البعد الدولي، في حين تناول المقال الآخر واحدًا من أهم مخاطر أزمة المياه ألا وهو خطر الهجرة والنزوح وما يرافقهما من إشكالات خطيرة على المجتمع بشكل عام، وتناول المقال الثالث التحديات التي تواجه الحكومة العراقية الجديدة، ومن أهم تلك التحديات ملف المياه، وتناول المقال الأخير دور الاحتلال الأمريكي في خلق أزمة المياه داخل العراق.
لتحميل العدد كاملاً اضغط هنا