طريق التنمية الاقتصادي: الفرص والتحديات

      التعليقات على طريق التنمية الاقتصادي: الفرص والتحديات مغلقة

د. فراس حسين علي الصفار

باحث في قسم إدارة الأزمات

مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء

28 أيار 2023

      أُختتم في بغداد أمس السبت 27 أيار 2023 مؤتمر طريق التنمية، بحضور رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، وبمشاركة وزراء النقل أو من يمثلهم من دول: السعودية، وإيران وتركيا والأردن وسوريا والإمارات والكويت، وقطر، وعمان، فضلا عن ممثلين عن الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي.

وأكد رئيس الوزراء العراقي في افتتاح المؤتمر، الأهمية الحاضرة والمستقبلية لمشروع طريق التنمية، وترابط أسباب التكامل الاقتصادي لدول المنطقة، مع المصالح والشراكات التي سيعززها مسار الطريق، وكلّ المشروعات المرتبطة به، إذ سيكون حجر الزاوية لاقتصاد مستدام لا يعتمد على النفط، ويسهم في التكامل الإقليمي. والمشروع عبارة عن طريق وخط سكك حديد يصل الخليج بالحدود التركية بطول (1200) كيلومتر، يطمح العراق عن طريقه للتحول إلى خط أساسي لنقل البضائع بين الشرق الأوسط وأوروبا.

وقال برونو تريغتا نائب رئيس شركة PEG المصممة لمشروع طريق التنمية خلال مؤتمر صحفي: “تم اختيار مسار طريق التنمية بناءً على معطيات التضاريس، وإنَّ دراسة المشروع جاءت بناءً على استكمال دراسة الجدوى المسبقة لمشروع ميناء الفاو الكبير”. وأضاف أنَّ “المشروع عبارة عن فرصة مهمة للعراقيين كونه سيسهم في إنعاش الاقتصاد العراقي، وسيطور القطاع التجاري والاقتصادي والطاقة المتجددة في العراق، وسيسهم في نقل البضائع من الجنوب إلى الشمال بأقل وقت وتكلفة”. وأشار نائب رئيس الشركة إلى أنَّ “مسار خط النقل المشترك للمسافرين والبضائع، تم اختياره خارج المدن، ولا توجد أي أنفاق في الطريق”. وأكد أنَّ “المشروع لا يخدم العراق وحده فحسب، بل يخدم جميع دول المنطقة”[1]. ويعد المشروع إحياء لمشروع “البصرة – برلين” الذي كان قد اتفق عليه الإمبراطور الألماني فيلهلم الثاني، والسلطان العثماني عبد الحميد الثاني قبل أكثر من قرن من الزمان، بهدف ربط الشرق الأوسط بالقارة الأوروبية[2].

فرص المشروع الاقتصادية وتحدياته:

تشير المعلومات الأساسية عن المشروع إلى أنّه يمتلك العديد من الفرص التي يمكن تحقيقها والاستفادة منها في الاقتصاد العراقي، سواء على المستوى الداخلي متمثلة بحجم البضائع والسلع التي يتم نقلها ذهاباً وإياباً والايرادات المتحققة منه، فضلاً عن البنى التحتية التي يمكن انشاؤها، لاسيما أنَّ أغلب البنى التحتية في العراق متهالكة ومدمرة نتيجة الحروب والأعمال الإرهابية، وإنَّ إنشاءها يعود لسبعينيات القرن الماضي، كما يمكن أن يتحول الطريق إلى شريان حيوي للاقتصاد، إذ يمكن إنشاء مدن صناعية ومدن سكنية تحيط بالطريق، فضلاً عن دوره الأساسي الذي أنشئ لأجله، وهو إسناد ميناء الفاو الكبير الذي لا يمكن أن يتم بدون هذا الطريق، لاسيما في استيعاب آلاف الشاحنات القادمة من 25 دولة أوروبية ذاهبة باتجاه الخليج، وبالمقابل استيعاب السلع التي تأتي من الصين ومن الهند وشرق آسيا باتجاه أوروبا. كما أنَّ المشروع يحتاج إلى بنى تحتية سياحية، من مطاعم وفنادق ومقاهٍ وكراجات لوقوف السيارات وغيرها. أما على المستوى الخارجي فهناك العديد من المزايا، لعل أهمها ربط الشرق بالغرب عن طريق طريق الحرير، الذي يعد الأفضل من حيث التضاريس والوقت وتكاليف النقل، كما يمثل المشروع أداة مهمة للتكامل الاقتصادي بين دول المنطقة، كون المشروع يحتاج لمجموع الموانئ البحرية في المنطقة، لاستيعاب حركة النقل، مثل: ميناء جبل علي بالإمارات، وبندر عباس في ايران، ومبارك في الكويت، والميناء الأساسي ميناء الفاو الكبير في العراق.

أمّا حجم التحديات التي تواجه المشروع فإنّها تكمن في التوافق الداخلي على إنشاء المشروع، وإبعاده عن الفساد المالي، وسرعة إنجازه بالتزامن مع إنشاء مشروع الفاو والاستقرار الأمني، وأثره المباشر في المشروع، والتكاليف المالية وطريقة التمويل وغيرها من التحديات، بالمقابل إنَّ تحديات أمن المنطقة، والتوترات بين الفاعلين في العراق، والوقوف بوجه المشروع الصيني، يعد أبرز التحديات الخارجية.

فكرة المشروع:

تتلخص فكرة المشروع بربط موانئ العراق بخطوط سكك حديد مزدوجة، بموانئ البحر الأبيض المتوسط (ميناء مرسين التركي، ومينائي طرطوس واللاذقية السوريين, وسيكون ميناء العقبة الأردني في مرحلة لاحقة) ضمن اتفاقية مشتركة بين البلدان المعنية. إذ يتم, عند الحدود العراقية, ربط العربات المقطورة القادمة من ميناء الفاو الكبير, بكامل حمولتها, بقاطرة تركية أو سورية في رحلة الذهاب, لتواصل رحلتها دون انقطاع باتجاه موانئ البحر المتوسط, ويحدث العكس تماماً في رحلة الإياب.ويمكن أن تكون مصدرًا رئيسًا للمنافع الاقتصادية غير المباشرة, إذ يمكن لها أن تكون بمثابة الشواطئ البحرية, من حيث اتصالها بالعالم الخارجي, ومن ثم توفر الفرص لإقامة العديد من المناطق الحرة, المرتبطة بأسواق الاستيراد والتصدير بصورة مباشرة.

تكاليف انجاز المشروع ومدته:

إنَّ إنجاز المشروع سيبدأ من بداية العام 2024 وينتهي في العام 2028 بمدة انجاز قياسية، والتكلفة المالية للمشروع تصل إلى (17) مليار دولار، من ضمنها (10,5) مليارات دولار مخصصة لإنشاء سكة حديدية جديدة بالكامل من الفاو إلى فيشخابور، و(6,5) مليارات دولار ستخصص إلى الطريق البري. بطول إجمالي (1510) كم، منها (920) كم في العراق, وهو يمثل نسبة (61%) من الطول الاجمالي لها, كما يخطط أن تكون طاقة هذا الخط المزدوج من الفاو إلى البحر الأبيض المتوسط نحو (54) مليون طن سنوياً, كمرحلة أولى لغاية 2028, ثم تزداد في المرحلة الثانية إلى (70) مليون طن لغاية 2038، هذه الطاقات هي في الواقع تمثل حجم تجارة العراق المتوقعة خلال الأفق الزمني المذكور, وسوف تكون كافية لتلبية هذا الجانب حصراً.

في حين تشير إحصاءات التجارة الدولية إلى أنَّ الكلف المنخفضة لنقل التجارة الدولية عبر المشروع، يمكن أن تجذب من (170) إلى (180) مليون طن من بضائع الترانزيت العالمية سنويًا, ذلك فيما عدا تجارة الترانزيت للبلدان المجاورة للعراق. أي إنَّ مقدار الفجوة – لهذا الجزء من التجارة فقط – سيتراوح بين (100- 110) مليون طن سنويًا. وإذا ما نظرنا إلى التقديرات المتوقعة لتجارة الترانزيت, التي يمكن أن تمرّ عبر العراق, فإنَّ حجم هذه الفجوة سيكون أكثر من (400) مليون طن سنويًا, [ينظر الجدول (11)]. وهذا يدل بوضوح على أنَّ هذا المشروع, بما خطط له من طاقات, سيبقى قاصرًا عن تلبية طموح العراق من استغلال موقعه الجغرافي، بجعله ممرًا للتجارة الدولية[3].

أهمية النقل التجاري (الترانزيت) للعراق:

تتميز تجارة الترانزيت بكونها أحد الأنشطة الاقتصادية التي يمكن أن تأتي بمردود اقتصادي كبير, من دون أن تضيف أعباءً فنية ومالية كبيرة, وذلك كونها:

1- لا تتطلب تكنولوجيا متطورة.

2- لا تحتاج إلى عمالة عالية التأهيل.

3- مورد اقتصادي مستدام، قابل للتطور والازدياد.

4- محدودية المنافسة فيه، كونه يرتكز على هبات طبيعية.

إذ سيكون الخط التجاري الأمثل لمرور تجارة الترانزيت، بين كل من بلدان جنوب آسيا وشرقها وجنوب شرقها، وكذلك أوقيانوسيا (استراليا ونيوزلندا), ومعظم بلدان الخليج العربي وبلدان أوروبا وتركيا وسوريا والأردن ولبنان والولايات المتحدة وكندا من جهة أخرى, وذلك لما يتمتع به الطريق التجاري عبر العراق، من خصائص تكسبه الميزة النسبية في هذا المجال, ومن أبرز هذه الخصائص: قصر المسافة وملاءمة طبيعة التضاريس وانخفاض درجة المخاطرة.

الهوامش:

[1] (الشركة المصممة لـ”طريق التنمية” توضح تفاصيل ومميزات المشروع: يخدم جميع دول المنطقة) مقال منشور على الرابط: https://shafaq.com/ar/

[2] (طريق التنمية: فرصة لتطوير البنية التحتية في العراق وهمزة وصل بين الشرق والغرب) مقال منشور على الرابط: https://www.bbc.com/arabic/middleeast-65732210

[3] جعفر الحسني، (مشروع ميناء الفاو الكبير ــ البوابة الرئيسة لتجارة العراق الخارجية والقناة الجافة (دراسة تحليلية موجزة))، دراسة غير منشورة.