أ.م. علي مراد النصراوي / قسم إدارة الأزمات
كانون الأول/ 2023
لا شكَّ في أنَّ الانتخابات هي إحدى أهم وسائل التبادل السلمي للسلطة، وقد اثبتت التجارب أنَّ الاختيار والانتخاب هو عبارة عن تفويض الشعب لشخص بالحكم بالنيابة عنهم، وهو ما يحدث في الأنظمة ذات الحكم الرئاسي، والذي يجري بموجبه انتخاب رئيس الجمهورية من قبل الشعب بصورة مباشرة، إلى جانب انتخابات تشريعية لانتخاب السلطة التشريعية لانتخاب من ينوب عنهم داخل هذه السلطة المهمة، من جانب آخر هناك الأنظمة النيابية التي يجري بموجبها انتخاب أعضاء البرلمان، الذين يقع على عاتقهم اختيار رئيس الجمهورية، والذي بدوره يقوم بتكليف مرشح الكتلة النيابية أو الحزب الذي حقق الاغلبية بتشكيل الحكومة، طبعاً الموضوع هنا مختلف من دولة إلى أخرى، أي هناك اختلاف بطرق إدارة الانتخابات وطبيعة النظام القائم.
أمّا موضوع العراق الذي شهد انتخابات عدة فضلاً عن استفتاء على الدستور، فبالرغم من الملاحظات إلا إنّها حققت تقدمًا ملموسًا في ازدياد الوعي الانتخابي، لكن عدم الاستقرار واستمرارية تغيير قوانين الانتخابات، دائماً ما تؤثر سلبًا في الناخب، وفي إعادة تشكيل الحكومات ما بعد الانتخابات، وحتى طبيعة التنافس والمخرجات، وربما قانون 9 لسنة 20 يعد مختلفًا عمّا سبق، لكونه اعتمد على الدوائر المتعددة والفائز الأكثر عددًا، وغيرها من الأمور التي اختلفت عن كل الانتخابات، إلا إنَّ التعديل الأخير لقانون انتخابات مجالس المحافظات، قد أعاد العمل بالنظام الانتخابي، الذي يعتمد على سانت ليغو القاضي بالقسمة على واحد فاصل سبعة، وهو ما لاقى اعتراض الكثير. وفي ظل المضي قدماً بأغلب اجراءات الاستعداد لإجراء الانتخابات القادمة لانتخاب مجالس المحافظات، تصاعدت دعوات المقاطعة وكان أبرز دعاة ذلك هم التيار الصدري، الذين حققوا الفوز بأكثر من (73) مقعداً في انتخابات مجلس النواب الاخيرة، قبل أن يقدموا استقالاتهم وينسحبوا من العملية السياسية. إلى جانب ذلك ظهرت بعض الدعوات للمقاطعة، باعتبار أنَّ تظاهرات تشرين وما حصل خلالها، كان أحد أهم مطالبها إلغاء عمل تلك المجالس، الذين عدّوها حلقة زائدة وتكلف ميزانية الدولة أموالًا طائلة، إلا إنّ الحكومة وبعض القوى السياسية ينظرون للموضوع بأنه استحقاق دستوري غاب لأسباب معروفة، ومن الضروري العودة لها حتى تمارس عمل الرقابة، وتشريع ما يخص عمل المحافظة.
وفيما يخص موضوع حجم المشاركة ونسبة من يشاركون في ذلك، لم يحدد الدستور العراقي ولا القوانين النافذة، أي حد معين أو سقف محدد لذلك وعلى حد سواء، أي مهما كانت نسبة المشاركة لا تؤثر في مخرجات الانتخابات. إلا إنَّ المقاطعين يعقبون على ذلك بأنَّ المقاطعة هي موقف سياسي ينم عن عدم الرضا، لذا إذا قلت النسبة ربما تفقد الانتخابات مشروعيتها على المستوى الشعبي، وايضاً إحراج للقوى السياسية بأنَّ هؤلاء المقاطعين يحتجون بعدم المشاركة، أي موقف سياسي احتجاجي، ومن ثمَّ هو حق متاح للجميع وليس حكرًا على جهة معينة، مع الإشارة إلى أنَّ كل المعطيات تشير إلى أنَّ الانتخابات ستجري في موعدها المحدد، بالرغم من دعوات المقاطعة حتى إن انخفضت نسبة المشاركة. يذكر أنَّ أكثر من (200) حزب سياسي وكيان وتحالف تتنافس للفوز بالانتخابات، موزعة على محافظات العراق باستثناء اقليم كردستان، وهذه الانتخابات تأتي في ظروف اقليمية غير مستقرة، لاسيما أحداث غزة ودخول بعض الفصائل في العراق على خط المواجهة، وتعرض بعض مواقعهم في العراق إلى استهداف أمريكي. ايضاً على مستوى الداخل، بدأت حملات الدعاية والدعاية المضادة ما بين القوى السياسية البارزة في خضم تنافس محتدم لاسيما في العاصمة بغداد، لكون من يحصد أغلبية الأعضاء يقوي موقفه، ويقطع شوطاً في تولي منصب المحافظ.