أ.د. أحمد كاظم بريس
مدير مركز الدراسات الاستراتيجية
مقال شهر كانون أول_ 2023
بتاريخ 18/12/2023 جرت انتخابات مجالس المحافظات غير المنتظمة في إقليم، حيث شملت (15) محافظة عراقية، عدا محافظات إقليم كردستان، وهي أول انتخابات محلية بعد انقطاع دام (10) سنوات تقريبًا. شهدت هذه الانتخابات مقاطعة شريحة واسعة من أبناء الشعب العراقي، إذ بلغت نسبة المشاركة وحسب بيان مفوضية الانتخابات (41%) فقط، وكانت هذه المقاطعة مدفوعة بأسباب شتى، لكن أبرزها مقاطعة التيار الصدري، الذي سبقها بانسحاب أعضائه من البرلمان في العام الماضي، الأمر الذي سمح للإطار التنسيقي بتكوين أغلبية مكنته من تشكيل الحكومة الحالية.
على الرغم من المقاطعة الواسعة إلا أنَّ الانتخابات جرت بسلاسة تامة، وجو ساده الأمان سواء بالنسبة للمرشحين أثناء حملتهم الانتخابية، أو للمواطنين أثناء الإدلاء بأصواتهم. وهو أمر يحسب بشكل كامل للحكومة العراقية الحالية والقوات الأمنية، فضلا عن تعاون التيارات السياسية المشاركة والمقاطعة، عن طريق ضبط النفس وعدم الانجرار وراء دعوات منفردة، كان هدفها تفجير الوضع والوصول بالبلد إلى حافة الانهيار، عن طريق خلق حالة صراع بين الأشقاء من المكون الواحد.
إنَّ النتائج التي اسفرت عنها الانتخابات، أكَّدت بما لا يقبل الشك، بوادر التغيير الذي ظهر في الانتخابات السابقة لمجلس النواب الحالي، إذ برزت كتل ووجوه جديدة بدأت تسيطر على المشهد السياسي، في حين تراجعت كيانات سياسية عريقة لها ثقلها في الساحة السياسية العراقية وحتى الإقليمية، إلى المرتبة الثانية في عدد من المحافظات. وهنا تجب وقفة جادة من كلا الطرفين الفائزين بالمراتب الأولى، ومن تخلَّف عن الظفر بتلك المراتب، على الرغم من كل ما تم صرفه من أموال للدعاية الانتخابية، عن طريق عقد مؤتمراتهم السنوية، والالتقاء بملاكاتهم المتقدمة، يتم خلالها طرح تساؤل حول الأسباب التي أدت إلى فوز الفائزين، والأسباب التي أدت إلى تراجع الآخرين، ومحاولة الاجابة عنها بموضوعية، حتى تكون الدليل الأساس الذي يتم اعتماده لغرض الفوز بالانتخابات القادمة.
إنَّ الكتل التي اكتسحت باقي الكتل في محافظاتها، كـ(البصرة وكربلاء وواسط)، إنَّما جاءت بسبب ترؤسها من قبل محافظين استطاعوا أن يحققوا انجازات مهمة لأبناء محافظتهم، لم يلمسوا مثلها سابقا، الأمر الذي دفعهم ليس لإعادة انتخابهم فقط، بل اكسابهم أغلبية مقاعد مجلس المحافظة، الأمر الذي يمكنهم من تشكيل حكومتها المحلية، من دون الحاجة إلى عقد تحالفات مع كتل سياسية أخرى. وهذا أمر لم يحصل في أي انتخابات سابقة، وهذا يعني ضمنيًا انتصار الخدمات والإعمار على الشعارات والإرث السياسي للكتل السياسية من وجهة نظر المواطنين.
إنَّ نتائج الانتخابات المحلية قد تنعكس وبشكل كبير على نتائج الانتخابات البرلمانية القادمة، بمعنى لو استثمر الفائزون نجاحهم المحلي واستمروا به وعززوه، يمكن أن ينقلهم وبكل سهولة إلى قبة البرلمان، وتشكيل الحكومة الفدرالية القادمة. واذا لم يعد الخاسرون بالانتخابات المحلية حساباتهم، واتخاذهم قرارات قوية وحقيقية تعيد ثقة الشارع المحلي بهم، فإنَّ مصيرهم وبلا أدنى شك، هو خسارة المزيد من مقاعدهم تحت قبة البرلمان القادم.