تهديدات الحوثيين للبحر الأحمر: تأثيرها في التجارة العالمية وتحديات الشحن البحري

      التعليقات على تهديدات الحوثيين للبحر الأحمر: تأثيرها في التجارة العالمية وتحديات الشحن البحري مغلقة

م.د. عبير مرتضى حميد السعدي

 

قسم إدارة الأزمات

 

مركز الدراسات الاستراتيجية –جامعة كربلاء

 

 كانون الأول/ 2023

 

يعدّ البحر الأحمر من أهم الممرات المائية التي تربط بين مناطق آسيا وأفريقيا، وتسهم بشكل كبير في حركة السفن ونقل البضائع عبر الموانئ الإقليمية. يعد هذا الممر الحيوي أمرًا أساسيًا لأكثر من (12٪) من التجارة البحرية العالمية، إذ تعبر حوالي (400) سفينة تجارية جنوب البحر الأحمر.

ومع بدء هجمات الحوثيين اليمنيين على السفن التجارية في 19 تشرين الثاني، بدأت بعض كبار شركات الشحن والنفط العالمية تشعر بالخوف، فقد أعلنت شركات كبيرة، مثل: MSC وMaersk وCMA CGM Group وHapag-Lloyd، فضلا عن شركة النفط البريطانية BP، تعليق عملياتها في البحر الأحمر، وبعد هذا الإعلان، انخفضت حركة المرور عبر البحر الأحمر بنسبة (35%)، فقد أدرجت سوق التأمين في لندن جنوب البحر الأحمر ضمن المناطق عالية المخاطر، ويتعين على السفن إخطار شركات التأمين الخاصة بها عند الإبحار عبر هذه المناطق، وكذلك دفع قسط إضافي عادة لفترة تغطية مدتها سبعة أيام. فوفقًا لتقديرات شركة بريمار لوساطة السفن، ارتفعت علاوات مخاطر الحرب هذا الأسبوع إلى ما يتراوح بين (0.1%) و(0.15%) إلى (0.2%) من قيمة السفينة، من (0.07%) الأسبوع الماضي. وعلى الرغم من أنَّه سيتم تطبيق خصومات مختلفة، إلا أنَّ هذا لا يزال يترجم إلى عشرات الآلاف من الدولارات من التكاليف الإضافية لرحلة تستغرق سبعة أيام. ارتفع متوسط الأسعار اليومية للناقلات العملاقة، التي يمكنها حمل مليوني برميل من النفط الخام كحد أقصى، إلى أكثر من (60) ألف دولار يوميًا، مقابل حوالي (40) ألف دولار يوميًا الشهر الماضي.

على الرغم من عدم حظر التجارة بشكل كامل عبر البحر الأحمر، إلا أنَّ شركات الشحن وجدت مسارات بديلة، إذ يمكن لمعظم السفن اختيار المسار الأطول والأكثر أمانًا حول إفريقيا، لكن الحوثيين زادوا من تكلفة الشحن على مستوى العالم، مما فرض تكاليف إضافية على التجارة في وقت اندلعت فيه المشكلات في قناة بنما بالفعل. أصبح الشحن أكثر تعقيدًا والبنوك المركزية قلقة بشأن ارتفاع التضخم الجديد. إذا استمر “الحصار” الذي يفرضه الحوثيون، فإنَّ التكاليف التي يتحملها المستهلكون، والتأثير في الدول المحلية ستكون كبيرة.

تقوم العديد من الشركات الدولية بتحويل طرق الناقلات إلى طرق بديلة، مثل: طريق رأس الرجاء الصالح، بعيدًا عن البحر الأحمر، مما أدى إلى إضافة أوقات الرحلة وتكاليف إضافية. في حين تسعى الولايات المتحدة الأمريكية عبر وكالاتها، ومنها: وكالة الشحن التابعة للأمم المتحدة إلى تشكيل قوة عمل بحرية، فقد أكَّد جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي جو بايدن، أنَّ المحادثات مستمرة بشأن تشكيل قوة عمل بحرية، “لضمان المرور الآمن للسفن في البحر الأحمر”. في حين أشار كيتاك ليم، الأمين العام لوكالة الشحن التابعة للأمم المتحدة، إلى أنَّ الشحن التجاري لا ينبغي أبدًا أن يكون “ضحية جانبية للصراعات الجيوسياسية”، مضيفًا أنَّه حثَّ الدول الأعضاء على العمل معًا، لضمان “ملاحة عالمية آمنة دون عوائق”.

وفي حالة إغلاق البحر الأحمر على المدى الطويل، فإنَّ أوروبا والدول المطلة على البحر الأبيض المتوسط، سوف تتحمل العبء الأكبر من الضرر. كما أنَّ بعض البلدان في شمال أفريقيا، مثل: تونس والجزائر، معرضة للخطر بشكل خاص، لأنَّها تقوم بمعظم تجارتها الآسيوية عبر قناة السويس. وكذلك إسرائيل، فمع توقف حركة المرور عبر ميناء إيلات الجنوبي، الذي  على الرغم من  حجمه الصغير نسبياً، فقد جعل التأثير الإجمالي قابلاً للتحكم إلى حد ما. والخاسر الأكبر بسبب إغلاق البحر الأحمر هو مصر، التي تعتمد على رسوم العبور عبر قناة السويس، لتحقيق ما قد يصل إلى ربع عائداتها من العملة. وسوف يؤثر انقطاع حركة المرور عبر البحر الأحمر على المدى الطويل في أسعار الطاقة، لاسيما بالنسبة للمستهلكين في أوروبا. حوالي خمس حركة المرور عبر قناة السويس عبارة عن نفط، إما على متن السفن أو يتم إرسالها عبر مصر عبر خط أنابيب سوميد، حيث يتم شحن الحجم الإجمالي للنفط الخام، والمنتجات المكررة في كلا الاتجاهين، بحوالي (9) ملايين برميل يوميًا، حوالي (12%) من إجمالي التجارة البحرية. سيكون التوقف الكامل لشحنات النفط عبر القناة بمنزلة اضطراب كبير، ومن المرجح أن يعزز أسعار النفط الخام في عام 2024.

لذا تشير التقارير الدولية إلى أنَّ هذه التحديات قد تكون ضربة جديدة للاقتصاد العالمي، لاسيما بعد جهود مكافحة جائحة كوفيد-19، وتصاعد الأزمات الإقليمية. إنَّ تعطل سلاسل التوريد وارتفاع أسعار النفط والغاز، قد يكون لها تأثير كبير في الاقتصادات العالمية، مما يجعلها تحمل عبئاً اقتصاديًا استراتيجيًا يمتد إلى مختلف أنحاء العالم.