م.م.سندس عمران الطريحي
جامعة كربلاء / مركز الدراسات الاستراتيجية
كانون الأول/ 2023
شهد العهد الحديث تطورًا ملحوظًا في مجال التواصل، والذي يسمى السوشيل ميديا أو الشبكة المعلوماتية الدولية (الإنترنيت)، فهي من عجائب القرن العشرين، إذ ربطت شعوب العالم وأصبحت وسيلة للتعامل اليومي بين أفراد المجتمع، وبمختلف الطبقات والمجتمعات، وباختلاف الذهنيات والمستويات الفكرية (العلمية) لمستعملي هذه الشبكة، فظهرت ممارسات غير مشروعة، أظهرت الشبكة على أنَّها أداة لارتكاب المخالفات والجرائم حسب الحالة من استخدامها، إذ أدت إلى ارتكاب طائفة من الجرائم المختلفة العابرة للحدود، وهي تختلف عن باقي الجرائم التقليدية، لذلك سميت الجرائم المعلوماتية أو الإلكترونية أو جرائم الإنترنيت. أدى التقدم التكنلوجي وتطور التقنيات المتسارع، وظهور الفضاء الإلكتروني، وتعدد وسائل الاتصال الحديثة، كالفاكس والإنترنت عبر الأقمار الصناعية، إلى استغلال مرتكبي الجرائم الإلكترونية سواء بهجمات سبرانية، أو أي جرائم معلوماتية مقصودة دولية، أو جرائم لغرض الربح، ولم تقتصر على إقليم دولة واحدة، بل تجاوزت حدود الدول. وهي جرائم مستحدثة، من أنواع الذكاء الاجرامي، فهي من الصعب عدَّها جرائم تقليدية في القوانين الجنائية الوطنية أم الدولية.
أثيرت مشكلة التمييز بين الجرائم التقليدية والجرائم المعلوماتية، من حيث تكييف الجرائم المعلوماتية قانونيًا لتأثيرها ومساسها بالأفراد وحياتهم، عن طريق التسجيل من خلال استعمال الحاسب الآلي من قبل المنظمات الارهابية، وهي تشكل محلًا للاعتداء ووسيلة للاعتداء، فموضوع الجريمة الموضوعية عبارة عن بيانات الكترونية تتم عبر الشبكات المعلوماتية، فهي ذات طبيعة خاصة مميزة، لحداثتها وتقنيات استخدام الشبكة وتشغيلها، وخصوصية المال المعلوماتي، ولهذا يحتاج إلى التخصصات الأخرى ليس فقط القانون بل لابد من وجود خبراء بالحاسب الآلي والانترنت، ليتمكنوا من ايجاد الحلول للتحديات والمشكلات القانونية التي تثيرها شبكة الاتصال والمعلومات وجرائمها الإلكترونية، والتمييز بين العمل التحضيري، والبدء في تنفيذ الجريمة أدت إلى حدوث اشكاليات بالتكييف القانوني. فبعد أن كان مجال الاثبات ينحصر فقط في المستند الورقي، أصبح الدليل الرقمي، لذلك لابد من التطرق في مقالنا هذا إلى ثلاثة محاور، وهي: مفهوم الجريمة المعلوماتية وطبيعتها القانونية والتحديات الخطرة للجريمة الإلكترونية وضرورة التكامل الدولي لمكافحتها.
فالجريمة الإلكترونية عرفت بجوانب عدة حسب رؤية معرّفها، فمنهم من عرّفها بجانب فني، وآخر قانوني، وقسم نظر إليها على اعتبارها وسيلة ارتكابها أو موضوعها أو حسب المعرفة المعلوماتية أو التقنية لدى مرتكبيها، أو استنادًا إلى معايير أخرى. إنَّ أنسب تعريف للجريمة المعلوماتية هي جريمة بصورة فعل أو امتناع عن فعل غير مشروع للتقنية المعلوماتية، بهدف الاعتداء على أي مصلحة مشروعة سواء كانت مادية أو معنوية.
أمّا أشخاص الجريمة فتشمل طرفين: جاني ومجني عليه كأي جريمة، وأطرافها تختلف عن باقي الجرائم فمصدر وجود الأفعال وتوجيهها هو الانسان، فالأنسان الطبيعي هو الذي يهيئ استغلال الوسيلة المعلوماتية. وهناك سؤال يطرح نفسه، هل يعد كذلك أيضا عندما ترتبط شبكة المعلومات عمومًا بين حواسيب متعددة، يبدو أنَّ الأمر يختلف بعض الشيء، فالمؤسسات العامة والبنوك وغيرها، هي التي تحمل صفة الشخص المعنوي معرضة للاعتداءات عن طريق هذه الشبكة من المعلومات، فعلى الرغم من كل وسائل الحماية إلا أنَّها تكون غير مجدية، لأنَّه ثبتت عدم فعاليتها أمام قرصنة شبكة المعلومات، فتكوّن أشخاص الجريمة المعلوماتية. المجرم المعلوماتي: هو شخص يحمل مهارات تقنية، وصاحب علم بتقنية نظام الحاسب الآلي، ويجب أن يتسم المجرم بالخبرة بالمسائل المعلوماتية، ومعرفة بآلية عمل الحاسب الآلي وتشغيله، باعتبار أنَّ الإجرام ينشأ من تقنيات التدمير الهادئة، التي تتمثل بالتلاعب بالمعلومات والكيانات المنطقية. ولا يمكن لأي عقوبة أن تحقق هدفها، سواء ردع عام أم خاص، ما لم تضع شخصية المجرم، إذ لابد من إعادة تأهيله ثم يندمج بالمجتمع، باعتبار أنَّ اصلاح المجرم هو نقطة الارتكاز للنظام العقابي الحديث، فالإجرام المعلوماتي يعدّ إجرامًا للأذكياء مقارنة بالإجرام التقليدي الذي يميل إلى العنف، على الرغم من تصور الإجرام العنيف الموجه ضد النظام المعلوماتي، الذي يكون بإتلاف الحاسب الآلي.
وهناك مجرمون محترفون يسمون بالمجرمين، نظرًا لمهارتهم بالتحويل والنسخ والاضافة للمعلومات على البرامج وتفسير محتواها، وهذه الفئة الضخمة لا تستخدم الامكانات في ارتكاب الجريمة فقط، بل حتى في التهرب من محاولة كشف أمرهم أو بالعمل على إعاقة ما لحقتهم من خلل تضييع الأدلة الموجودة المؤدية إلى أدلتهم. فالفاعل الاجرامي قد يكون فاعلًا أصلياً أو شريكاً في ارتكابه للجريمة، فيكون الفاعل الأصلي المعلوماتي أحد العاملين أو مساعدة أشخاص آخرين سواء أكانوا فنيين أم مجرد وسطاء، وقد يكون الاشتراك سلبيا بالامتناع بيد أنه الأعم الاغلب.
أما المجني عليه في هذه الجريمة، فقد يكون كما في المجني شخصًا طبيعيا أم معنويًا بالرغم من أنَّ الغالبية العظمى تقع على الشخص المعنوي، مثل: المؤسسات والقطاعات المالية والشركات الضخمة، ولا يعتمد في اثبات الجريمة على المجني عليه، لكيلا تقل الثقة بالمؤسسة واحتمالية عجزها عن الردع.