أ.م.د. حمد جاسم محمد
قسم إدارة الأزمات
مركز الدراسات الاستراتيجية –جامعة كربلاء
كانون الثاني/ 2024
منذ اندلاع الثورة الإسلامية في إيران، وقيام الجمهورية الإسلامية فيها عام 1979، لم تخفِ دول عديدة إقليمية وعالمية، معاداتها للنظام الإسلامي الجديد في إيران، ومنها إسرائيل التي كانت تقيم علاقات دبلوماسية مع النظام الملكي (الشاه محمد رضا بهلوي)، وتحصل على مزايا عديدة بدعم أيضا من الولايات المتحدة الأمريكية، والتي كانت حليفًا قويًا لذلك النظام وداعمًا له. ولكن بعد الثورة الإسلامية تحولت إيران إلى داعم أساسي للقضية الفلسطينية، وعدَّت ذلك ركيزة أساسية لسياستها الخارجية، وهذا ما نصَّ عليه الدستور الإيراني، على اعتبار أنَّ المسلمين أمة واحدة، وعلى حكومة جمهورية إيران الإسلامية، إقامة كل سياستها العامة على أساس تضامن الشعوب الإسلامية ووحدتها، ونصرة المستضعفين في العالم، وقد دعمت إيران الإسلامية الفلسطينيين بكل المساعدات، سواء في المحافل الدولية أو المساعدات المادية وحتى التسليح، ووقفت إلى جانب القضية على الرغم مما تحملته من عقوبات دولية، وخسائر مادية وبشرية كبيرة من جرّاء الاستهداف، عن طريق عمليات التخريب، واغتيال عدد من المسؤولين، وعلماء الذرة الإيرانيين، والتفجيرات التي راح ضحيتها مئات الضحايا والجرحى، وأغلبها تتم قرب المزارات الدينية والمراقد وغيرها، وآخرها الانفجار المزدوج في مدينة كرمان الإيرانية، قرب ضريح قائد فيلق القدس اللواء (قاسم سليماني)، الذي استشهد عام 2020 في العراق، إثر غارة أمريكية استهدفت موكبه في مطار بغداد الدولي، هذا الانفجار أدى حسب الاحصائيات الرسمية، إلى استشهاد (103) أشخاص، وإصابة مالا يقل عن (211) شخصًا، أغلبهم من النساء والأطفال، حسب التصريحات الإيرانية فإنَّ الولايات المتحدة وإسرائيل كانا هما السبب في هذا الانفجار.
إنَّ العداء الإيراني الإسرائيلي والاستهدافات بينهما، كانت وما زالت مستمرة وفي أكثر من مكان في العالم. وقد أسست إيران عددًا من الحلفاء لها في المنطقة، بعضهم على حدود ما تسمى بإسرائيل، مثل: حزب الله الذي تمكن من هزيمة إسرائيل في عدة حروب، وانسحابها من جنوب لبنان، ودعم النظام السوري عن طريق دعمه في وجه المعارضة المسلحة، والتي بعضها يحصل على الدعم من الولايات المتحدة وإسرائيل علنًا، وإفشال مشروعهم في المنطقة، عن طريق القضاء على عصابات ما تسمى بداعش الإرهابية في العراق وسوريا. ودعمت ايران كذلك آخرين على بعد آلاف الكيلو مترات من إسرائيل، وهم أنصار الله الحوثيون، إلا أنَّه أيضا أصبح عامل ضغط مباشر عليها، وبالذات على ضرب الاقتصاد الإسرائيلي والدول الشركاء التي تقف معه. وعلى الرغم من الوجود البحري الكثيف للولايات المتحدة ودول أوربية، مثل: فرنسا والمملكة المتحدة، وعربية، مثل: السعودية والبحرين، إلا أنَّ العمليات العسكرية للحوثيين في البحر الأحمر، أصبحت تؤدي دورًا أساسيًا في دعم حرب الفصائل الفلسطينية في غزة، ضد إسرائيل وصمودها، بل هذه العمليات شلَّت التجارة الدولية في البحر الأحمر، ورفعت أسعار النقل والتأمين إلى أضعاف مضاعفة، كذلك مدة النقل عبر رأس الرجاء الصالح.
يعد هجوم حركة حماس في 7 تشرين الأول على إسرائيل، وتحقيق نصر استراتيجي بأسر مئات الجنود والمدنيين الإسرائيليين، وما تبعه من هجوم وحشي من جانب العدو الإسرائيلي على غزة، والذي أدى حتى الآن إلى استشهاد أكثر من (20) ألف، وجرح ما يقارب (50) ألف، وتدمير البنية التحتية والمنازل والمؤسسات الصحية في غزة، هذا الهجوم وما تلاه من علميات عسكرية، وتدمير هائل، ومجازر مروعة ما زالت مستمرة، وضعت إسرائيل والولايات المتحدة في حرج كبير أمام العالم، وخرجت مظاهرات عديدة في دول العالم ولاسيما دول أوربية، فضلا عن رفع دولة جنوب افريقيا قضية أمام محكمة العدل الدولية، حول الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق أهالي غزة، إضافة إلى ما تمتلكه المقاومة من أسلحة ودعم، يفوق ما تتوقعه إسرائيل، كما أنَّ التراجع العربي عن دعم القضية الفلسطينية، بل وقوف بعضهم، مثل الخليج العربية، إلى جانب إسرائيل، وفتح مجالهم الجوي أمام الطيران الإسرائيلي، كل ذلك وضع إيران موضع المتهم الأول في دعم الفلسطينيين، ووقوفهم علنًا إلى جانبهم، وهو ما جعل الحرب بالوكالة والخفية، تستعر بين إيران وإسرائيل في أماكن عديدة، تصل أحيانا إلى أراضي الدولتين، على شكل تفجيرات وعمليات اغتيال، وحرب سبرانية تطال المؤسسات والبنى التحتية.