م.د. بلسم عباس حمودي
جامعة كربلاء/ مركز الدراسات الاستراتيجية.
نيسان/ 2024
معنى التعجب: تعظيم الأمر في قلوب السامعين، لأنَّ التعجب لا يكون إلا من شيء خارج عن نظائره وأشكاله. والتعجب استعظام زيادة في وصف الفاعل خفي سببها، وخرج بها المتعجب منه عن نظائره، أو قلَّ نظيره، لأنَّ ما تكثر نظائره في الوجود لا يستعظم.
قال ابن السّراج: “والتعجّب كّله إنَّما هو ممّا لا يعرف سببه، فأمّا ما عرف سببه فليس من شأن الناس أن يتعجّبوا منه، فكلما أبهم السبب كان أفخم، وفي النفوس أعظم”. وذكر السيوطي: أنَّ المطلوب في التعجب الإبهام؛ لأنَّ من شأن النّاس أن يتعجبوا مما لا يعرف سببه، فكل ما استبهم السبب كان التعجّب أحسن.
والتعجب “شعور داخلي تنفعل به النفس حين تستعظم أمرًا نادرًا، أو لا مثيل له، مجهول الحقيقة، أو خفي السبب، ولا يتحقق التعجب إلا باجتماع هذه الأشياء كلها.
ولأنَّ التعجب انفعال يحدث في النفس عند الشعور بأمر يُجهَل سببه، لذا فهو غير جائز في حقه -تبارك وتعالى- لأنه لا يخفى عليه شيء، ومن هنا قال العلماء: إنَّ فعل التعجب في كلام الله المراد منه التعجيب، أي: جعل الغير يتعجب من ذلك الفعل، نحو قوله تعالى: ﴿فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ﴾(البقرة:175)، أي: فما أدومهم على عمل المعاصي، التي تؤدي بهم إلى النار، حتى لكأنَّهم بإصرارهم على عملها، يجلبون النار إليهم جلبًا، ويقصدون إليها قصدًا بدون مبالاة أو تفكر، فيكون المقصود تعجيب المؤمنين من جراءة أولئك الكاتمين لما أنزل الله، على اقترافهم ما يلقي بهم في النار، شأن الواثق من صبره على عذابها المقيم.
وللتعجب أساليب عدة، وهي تنحصر في نوعين:
أولا- التعجب القياسي (الاصطلاحي): وهو مضبوط بقواعد محددة، وله صيغتان قياسيتان، هما:
- ما أفْعَلَهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ﴾(عبس:17).
- وأفْعِلْ به، كَقَوْلِهِ: ﴿أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ﴾(مريم:38).
يقول ابن مالك في ألفيته:
بِأفعَلَ انْطِق بعدَ (ما) تَعَجُّبا أو جيءَ بِـ (أفعِل) قبلَ مَجرورٍ بِبا
وتِلـــــــو أفعَلَ انصِبَنَّــهُ: كَـ (ما أوفى خليلينـــــــــــا، وأصــــــدِقْ بِهِمـــــا)
وهذان وزنان يستعملان عند إرادة التعجب من شيء تنفعل به النفس. وذكر الدكتور محمد الأنطاكي أنَّك إذا أردت أن تتعجب من شيء ما، كجمال الربيع مثلا، فلك في ذلك تركيبان، هما:
1ـ ما أجملَ الربيعَ.
2ـ أجملْ بالربيع.
ولما كان التعجب انفعالًا يعرض للنفس، فتنفجر لغته من الفم، تحت تأثير ذلك الانفعال، ارتبط بتنغيم خاصّ للتعبير عن ذلك الانفعال، إذ ارتبط تركيب (ما أفعلَ!) بالنغمة الصوتية الصاعدة في بداية الجملة، ثم تأخذ هذه النغمة الصاعدة في نهاية الجملة. كما أنَّ (أفْعِلْ بِهِ) ارتبط بالنغمة الصوتية المستوية في بداية الجملة ثم تأخذ هذه النغمة وضع النغمة الهابطة في نهاية الجملة”.
ثانيا- التعجب السماعي (المطلق): هذا النوع لا تحديد له ولا ضابط، وانما يترك لمقدرة المتكلم، ومنزلته البلاغية، ويفهم بالقرينة، ومنه قولك: (لله درك!) و(يا لك) أو (يا له). وقد يتم التعبير عن التعجب من استعمال مادة (عَجَب) مصدرًا، ومشتقاته كـ(عَجِب وعجيب)، نحو قوله تعالى: ﴿إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ﴾(هود:72). وقد يتم التعجب بصيغة (سبحان)، التي تصاحبها قرينة تدل على أنَّ المقصود منها التعجب، كما في قوله تعالى: ﴿قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا﴾(الإسراء:93).
وفي أحيان أخرى يستخدم أسلوب الاستفهام في معنى التعجب بمختلف أدواته، ومنها الاستفهام المقصود منه التعجب، كقوله تعالى: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾(البقرة:28). واستخدم أسلوب النداء في سورة يوسف، من طلب المنادى إلى معنى التعجب، نحو قوله تعالى: ﴿قال يا بُشْرى هذا غلام﴾(يوسف:19).
وقد استخدم القرآن الكريم أسلوب التعجب بنوعيه القياسي والسماعي، لكن استخدام القرآن للتعجب القياسي بصيغتيه كان قليلا، مقارنة باستخدامه لعبارات التعجب السماعية، التي تحمل معنى التعجب والاستعظام، من طبيعة السياق الذي ترد فيه، وطبيعة حال المخاطبين، وذلك لأنَّها تكون أدق وأقوى في تحديد المعنى الأسلوبي المراد في الجملة.