التاريخ والسياسة

      التعليقات على التاريخ والسياسة مغلقة

 

أ . م . حيدر خضير مراد

مركز الدراسات الاستراتيجية

قسم الدراسات السياسية

تشرين الاول/ 2020

ان التاريخ يعكس لنا الماضي بكل جوانبه من ثقافة المجتمع واسلوب الحياة والفكر والتعليم والفن والعمارة واساليب الحكم والسياسة ، وأنه له صلة وثيقة بالعلوم الاجتماعية تنبع من زاوية ارتباط التاريخ بالمجتمع الانساني ، فالماضي هو تاريخ المجتمعات البشرية ، ونشاط افرادها فكرياً واجتماعياً وسياسياً ، وهو حقل غني ومتميز في المجهود الفكري والثقافي ووسيلة رئيسية لمعرفة الذات ، واداة كبيرة لكشف قابليات الأمة وطاقتها الابداعية ، إذ ان الاطلاع على التاريخ وعلى ما سطر فيه من احداث ووقائع سياسية وعسكرية بتمعن وعمق ذو فائدة ومنفعة كبيرة للإنسان ، فمن خلال إطلاعه عليها يتمكن من القيام بالاحتياطات الواجبة لإبعاد النتائج التي قد تترتب على نفس الاسباب ، كما أنه يستطيع ان يصنع بنفسه اسباباً ليحصل على نتائج يحتاج اليها للانتصار على عدو يواجهه ، او للتقدم والتطور في مجال من مجالات الحياة والحضارة .

فالتاريخ يمثل ذاكرة الجنس البشري بكامله ، كما انه ذو صلة وثيقة بالسياسة ، بل يمكن القول ان التاريخ هو مستودع السوابق السياسية ، فيما ينعكس بشكل خاص في لون التاريخ السياسي الذي غالباً ما يتناول تشكل وتطور دولة من الدول او أمة من الأمم عن طريق سرد وتحليل الاحداث والوقائع السياسية والعسكرية والاقتصادية التي مرت بها تلك الدولة او الأمة عبر مراحل تاريخها المختلفة ، اضافة الى ذلك ، فأن للتاريخ فائدة كبيرة في توسيع المدارك وتعزيز الثقة بمستقبل الأمة وذاتها وقدرتها على تجاوز الصعاب والمحن في ضوء الدروس والعبر المستنبطة من الماضي ، مما يساعد على تحديد وفهم كثير من مشكلات الحاضر ، وقد اوضح المستشرق الانجليزي هرنشو ذلك بقوله :

” ان التاريخ أكبر من ان يكون مجرد مدرسة تعلم فيها الطريقة السياسية ، انه الى جانب ذلك مستودع السوابق السياسية ، إن المشاكل التي تواجه الجيل الحاضر، قد طرحت على بساط البحث بشكل ما مراراً كثيرة فيما مضى  ، نعم إن التاريخ لا يعيد نفسه ، ولا يمكن ان يجعل بحيث يعيد نفسه ، إلاّ أنه ما من حادث يحدث إلاّ وهو يزيد في محيط كل حادث يترتب عليه بمقدار كونه علة في حدوثه… فكل إنسان يجد، عندما يبلغ سن النضج والاكتمال، أن تجاربه التي تعيها ذاكرته، ومبادئ السلوك التي يستمدها حكمه من التجارب المذكورة تعمل على هديه والتحكم به. وما يقال عن الفرد، يقال عن الجنس الإنساني مع ملاحظة هذا الفارق الهام، وهو أن الجنس الإنساني فاقد لما يتصف به الفرد من الشخصية والشعور الذاتي المستمر، وليس للجنس ذاكرة طبيعية، ولكيلا يفقد الثروة الضخمة المتجمعة من تجارب الماضي، وجب أن تنشأ له ذاكرة ، وذاكرة الجنس الإنساني هي التاريخ. فبالتاريخ يتوافر للجنس الانساني الشعور الذاتي… إن التاريخ هو مبدأ ” أعرف نفسك ” مضافاً إلى الجنس الانساني، وهو ضميره . وبهذا الشعور الذاتي يمكن للجنس الانساني أن يصبح، إلى حد ما، مسيطراً على مستقبله، وبدونه تستحيل عليه تلك السيطرة، وبواسطته يستطيع التحكم في مصائره وأن يمضي قدماً في طريق الرقي والفَلاح ” (1) .

ويضيف موضحاً علاقة علم التاريخ بالسياسة : ” إن التاريخ عبارة عن سياسة الماضي ، وإن السياسة تاريخ الحاضر ، فموضوع التاريخ والسياسة واحد ، وكلاهما يقوم على وقائع غير معينة ، وكلاهما يحاول أن يصل الى البواعث المحركة المستترة وراء ما للوقائع من حجب مشكوك فيها ” (2) .

كما ان التاريخ يمكن ان يكسب المجتمع تصور صحيح لما سيأتي بناء على ما مضى ، يقول المستشرق هرنشو في هذا الصدد ” يمكن الانتفاع به – أي التاريخ – في توسيع المدارك، وتعويد الناس الانصاف في الحكم ، ووضع الأشخاص والحوادث في وضعها الصحيح على مسرح الشؤون العامة ، … إن التاريخ حري بأن يكسبنا تصوراً صحيحاً لما هو عارض موقوت بالقياس إلى ما هو أبَدي باقٍ في حياة الإنسان ” (3) .

وبذلك يمكن القول ان كثيراً من المفكرين والباحثين ادركوا الفوائد الجمّة التي يمكن ان يكتسبها الانسان من خلال فهمه للتاريخ واعادة قراءته لنصوصه وتفسيرها وتأويلها ، ونحن اليوم وفي عصرنا الراهن بحاجة ماسة الى اعادة قراءة نصوص التاريخ من أجل الاستفادة منه في استنباط الدروس والعبر التي تساعدنا على فهم ومعالجة مشاكل الحاضر باعتبار التاريخ مستودع خبرة سابقة ، ومن خلال فهم واستيعاب ما بين سطوره .

الهوامش :

  • هرنشو ، علم التاريخ ، ترجمة : عبد الحميد العبادي ، ( القاهرة : مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر ، 1937 م ) ، ص 167 – 168 .
  • المرجع السابق ، ص 163 – 164 .
  • المرجع السابق ، ص 154 – 155 .