التوظيف السياسي للجهاد من قبل التنظيمات الإرهابية الإسلامية المعاصرة

      التعليقات على التوظيف السياسي للجهاد من قبل التنظيمات الإرهابية الإسلامية المعاصرة مغلقة

أ‌. م. د. حيدر خضير مراد اليساري

باحث مشارك في قسم الدراسات السياسية / مركز الدراسات الاستراتيجية / جامعة كربلاء

شباط 2022م

   يعد الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام، وتحظى ممارسته بهالة من القدسية والإجلال، وهذا ما عملت النصوص القرآنية، والسنة النبوية الشريفة،على تأكيده وترسيخه في نفوس المسلمين، إلا أنَّبعض حقب التاريخ شهدت محاولات من بعض الجهات السياسية لاستغلال هذا المبدأ السامي،لغرض تحقيق أهدافها وغاياتها التي ليست من الدين في شيء. فقد ورث الأتراك مع المغول في الهند، الإمبراطورية الإسلامية بعد سقوط الخلافة، واستخدموا الجهاد كدافع مشروع لحملاتهم لغزو دول البلقان والهند(1). وقد حاول السلطان العثماني محمد الخامس، استخدام الجهاد كسلاح ديني ضد قوى التحالف، خلال الحرب العالمية الأولى 1914 – 1918م، إذ ناشد في 13 تشرين الثاني 1914مجميع المسلمين، الذين كانوا يعانون من السيطرة الفرنسية أو البريطانية أو الروسية، أن يعلنوا الجهاد على محتليهم من الكفار(2).

  وخلال العصر الراهن تقوم التنظيمات السلفية الجهادية، كتنظيم القاعدة، وتنظيم داعش، باستغلال مبدأ الجهاد المشبع بالرمزية الدينية والمشروعية الأخلاقية، لتسويغ وشرعنة عملياتها الإرهابية،وأفعالها الإجرامية بحق المدنيين الأبرياء، عن طريق التلاعب بالنصوص الدينية، وعبر قراءات سطحية اختزالية مبتورة للتراث الإسلامي المتعلق بمفهوم الجهاد(3)، الأمر الذي أدى إلى تشويه هذا المبدأ الإسلامي السامي، وإفراغه من محتواه النبيل،المتمثل بالدفاع عن النفس والأرض، وتحويله إلى وسيلة من وسائل القتل والإرهاب. وبعد كل المعارك والجرائم التي ارتكبها تنظيم داعش في العراق وسوريا باسم الجهاد الإسلامي، اكتشف الجهاديونالدواعش الذين قدموا من مختلف أنحاء العالم مع نسائهم وأطفالهم، أنَّ فكرة الجهاد مجرد ايديولوجيةجذابة تم توظيفها من أجل استقطابهم، خدمة لمشاريع دولية متصارعة حول النفوذ، بالشكل نفسهالذي تم توظيفها في الماضي، من طرف بعض السلالات الحاكمة المنتسبة إلى الإسلام، كالمغول والعثمانيين في حروبهم، لذلك نحن اليوم بحاجة ماسة إلى مراجعة التراث الفقهي الإسلامي المتعلق بالجهاد، وإعادة قراءة نصوصه، من أجل تنقية هذا المفهوم مما علق به من تصورات خاطئة وتأويلات مغلوطة، أدت إلى ربطه بالعنف والعدوان من دون أي مسوغ، فالجهاد، على العكس من ذلك، لا يقصد منه العدوان بل دفع العدوان، كما في قوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ(4)، وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ(5).

الهوامش:

(1) Kung , Hans, Religion, violence  and “holy wars”, International Review of the Red Cross, Volume. 87, Number. 858,2005,p.261.
(2) شوارتس، مارك فون لوبكه، الإمبراطورية العثمانية ودورها في الحرب العالمية الأولى، مقال منشور بتاريخ 28/7/2014م على شبكة المعلومات الدولية، وعلى الرابط: https://www.dw.com/ar/؛  دخول العثمانيين الحرب العالمية الأولى، ويكيبيديا، عن الانترنيت: https://ar.wikipedia.org/wiki/
(3) حمزي، حاتم، التوظيف السياسي للجهاد بين الماضي والحاضر، مقال منشور بتاريخ 20 كانون الأول 2017م، في جريدة هسبريسالإلكترونية المغربية وعلى الرابط:

https://www.hespress.com/writers/375293.html

(4) سورة البقرة، الآية 190.
(5) سورة التوبة، الآية 123.