مصر وإيران ومستقبل الجغرافيا الاقتصادية للشرق الأوسط

      التعليقات على مصر وإيران ومستقبل الجغرافيا الاقتصادية للشرق الأوسط مغلقة

https://www.cmess.ir/Page/View/2023-08-12/7271
الكاتب: سيد حسين موسوي
الناشر: مركز الأبحاث العلمية والدراسات الاستراتيجية للشرق الأوسط
المترجم: الأستاذ المساعد خالد التميمي
في 2 حزيران 2023، نشر كل من “إميلي ميليكين” كبير محللي الدراسات الأمنية بالاتحاد الأوربي، و”جورجيو كافيريو” الرئيس التنفيذي لشركة جلف ستيت للتحليل، اللذان يقدمان تحليلات حول قضايا المخاطر الجيوسياسية، مقالًا بعنوان “مصر وإيران نحو التقارب”، إذ أكدوا فيه على أنَّ وقف التصعيد بين البلدين الأكثر اكتظاظا بالسكان في الشرق الأوسط, يعتمد أنموذجًا إقليميًا ودبلوماسيًا جديدًا. وجاء في مقالهم أنه كانت هناك محاولات عديدة لتطبيع العلاقات بين مصر وإيران في الماضي، إلا أن جميعها باءت بالفشل لأسباب مختلفة، ولكن هذه المرة مختلفة وهناك مصالح عديدة وراء هذا التطبيع.
ويقول خليل العنين، الباحث الأول في المركز العربي في واشنطن: إنَّ تراجع التوتر بين السعودية وإيران، هو المحرك لهذه التقاربات الإقليمية, إذ ترددت أصداء التهدئة بين إيران والسعودية في جميع أنحاء المنطقة، وخلقت جوًا من التفاؤل غير مسبوق. إذا تمكنت الرياض حقاً من تطبيع علاقاتها مع طهران، فلا يوجد سبب يمنع الدول العربية الأخرى بما في ذلك مصر من أن تحذو حذوها. ولا ينبغي أن ننسى أنَّ مصر وإيران تربطهما علاقات قوية مع روسيا والصين. ومن ناحية أخرى لا ينبغي إغفال جهود السلطان هيثم سلطان سلطنة عُمان، فقد خلقت رحلاته للتقريب بين البلدين رؤية للإنجازات الدبلوماسية، إذ قام العمانيون بدور الوساطة بشكل جيد.
ويبدو أنَّ دول الشرق الأوسط أدركت جيداً، أنَّ الولايات المتحدة لم تعد في وضع يسمح لها بممارسة هيمنتها الأحادية في المنطقة, ولعل هذا هو أحد أسباب ازدهار الدبلوماسية في المنطقة.
وتستفيد جميع بلدان المنطقة من هذا التقارب، عن طريق تخفيف التوتر في علاقاتها مع العالم العربي، والذي بدوره يمنع أمريكا وإسرائيل من توحيدهما ضد إيران. كما يمكن لمصر أن تأمل في أن تتمكن إيران من القيام بدور الوسيط فيما يتعلق بحركتي حماس والجهاد الإسلامي في غزة، بسبب قربها من إيران، فضلا عن إيران وتركيا. وتعمل مصر أيضًا على تحسين علاقاتها مع العراق.
وعدّت الزيارة غير المتوقعة للسيد عمار الحكيم، رئيس تيار الحكمة الوطني العراقي إلى القاهرة، مطلع حزيران هذا العام ولقائه بالرئيس المصري، علامة على رغبة هذا البلد في التواصل مع الشيعة الحاكمين في العراق، وفي الوقت نفسه أظهرت أنَّ العراق ولاسيما الحركة الشيعية لهذا البلد تتجه إلى تحسين علاقاتها مع العالم العربي. إذ كشف وزير النقل المصري كامل الوزير في أحدث تحركاته، عن مشروع الممر العراقي الأردني المصري تحت عنوان “خط التجارة العربي”، وفي حال تنفيذه سيكون هذا المشروع ممرًا لنقل البضائع من شرق آسيا إلى الخليج العربي والعراق والأردن وأخيرا عبر طابا وصحراء سيناء إلى بندر العريش وبورسعيد في مصر والذي سيربط شرق آسيا بأوروبا. وزعم “الوزير” أن العراقيين، بتخليهم عن الطريق التركي، يطالبون بالمشاركة في ممر “التجارة العربية”، حيث تم توقيع بروتوكول هذا التعاون مع وزيري النقل في الأردن والعراق. ويبدو أنَّه يتم تشكيل خطط جديدة لإنشاء شبكات السكك الحديدية والطرق، وكذلك تطوير الموانئ في غرب آسيا والبحر الأبيض المتوسط، ومن هذه الدورة الاقتصادية العالمية ستنتقل آسيا إلى أوربا وأمريكا.
إنَّ تحديد الطرق التي ستشكل في نهاية المطاف استراتيجية الصين الضخمة “الحزام والطريق”، يعتمد على حجم الاستثمارات، مع الأخذ في الاعتبار أنَّ مصر تعاني من أزمة اقتصادية حادة. كما أنَّ المشروعات من هذا النوع، والتي يتولى الجيش المصري معظم مقاولتها، تواجه نقصا في التمويل. وربما يكون من السابق لأوانه التفاؤل بمصير هذا المسار، لأنَّ مصر كدولة عربية أفريقية تواجه العديد من الأزمات المحتملة والفعلية. ويواجه الأمن القومي والجغرافيا السياسية في مصر تحديات في العديد من المجالات، مثل: مسألة الطاقة والبحر الأحمر ومسألة الأمن القومي والأمن البحري والخليج العربي ومنافسته قناة السويس في نقل البضائع إلى البحر الأبيض المتوسط ونهر النيل وسد النهضة، الذي يمتد إلى القرن الأفريقي والسودان وإثيوبيا والصومال وأوغندا والكونغو وكينيا ونيجيريا.
كما أنَّ قضية النظام الصهيوني ومقاومة الجهاد الاسلامي وحماس و قضية ليبيا، جميعها تحديات تواجهها مصر، والتي ينبغي أن يضاف إليها ايضا الأزمة الاقتصادية الداخلية، وديون البلاد البالغة (165) مليار دولار.
ومن أجل التخلص من العديد من المشكلات، اتخذ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي سياسة خارجية نشطة، وذلك عن طريق حضور المؤتمرات المختلفة، مثل: دول البريكس، ومؤتمر القادة العرب والصين في السعودية، ومؤتمر الدول العربية في الإمارات عام 2023، ومؤتمرات أمريكية وأفريقية تحاول تحسين موقف مصر، مع إقامة علاقات وثيقة مع روسيا والصين. واعترافًا بوجود العديد من التحديات الداخلية والخارجية في مصر، فهو يكرر باستمرار شعار “هذه التحديات تخلق الفرص”.
وهناك عامل مهم آخر في الحركات المرتبطة ببلدان غرب آسيا وشمال أفريقيا، وهو دبلوماسية التنمية التي تنتهجها الصين، والتي بثت حياة جديدة في التقارب الإقليمي، وخفضت التوترات بين بلدان الشرق الأوسط. تتمتع دبلوماسية التنمية الصينية بخطاب أقل غطرسة من نظيرتها الغربية، لأنَّها تركز في فكرة المنفعة المتبادلة، ومبادئ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدولة المقترضة والمستثمرة. وعلى الرغم من عدم وجود تقارير سارة من الدول الأفريقية، التي اقترضت من الصين، إلا إنَّه لا يمكن الادعاء بأنَّ دبلوماسية الصين التنموية خيرية وأخلاقية بالكامل، أو إنَّها لا تنتمي إلى منهج الواقعيين الذين هدفهم تحقيق فوائد أكبر، بل بالمقارنة لنمط الإقراض والاستثمارات في الغرب لديه وضع أفضل. وبطبيعة الحال فإنَّ الصين متهمة بخلق “فخ الديون” عن طريق تقديم قروض تتجاوز قدرة البلدان المتلقية على سدادها.
يتهم الغربيون الصين بأن تبادلاتها الاقتصادية مع الدول النامية، تتسم بدرجة عالية من السرية وغياب الشفافية وغياب المساءلة. وعلى الرغم من أنَّ النموذج الصيني واجه الكثير من الانتقادات من الغرب، إلا إنَّ العديد من المشاريع التي توفرها الصين هي مشاريع بنية تحتية، وإنَّ الدول المهتمة في تزايد وخاصة طرق النقل البرية، التي تجمع بين تطوير الموانئ والطرق والسكك الحديدية، لا يزال جاذبا لبلدان غرب آسيا وشمال أفريقيا.
ويبدو أنَّ دبلوماسية الصين النشطة في منطقة الشرق الأوسط، كان لها تأثير في علاقات العديد من الدول مع بعضها البعض، بما في ذلك تحسين العلاقات بين ايران والسعودية ومصر. وبالنظر إلى دول الشرق الأوسط العربية، فبالرغم من أنَّ الأمر لا يخفى على الولايات المتحدة وأوروبا، إلا أنَّه أمر واقع يحدث. كما أنَّ استمرار وتعزيز التقارب الجديد في المنطقة، يعتمد إلى حد كبير على الخليج العربي، وهو الممر المائي الذي تتمتع فيه إيران بأكبر قدر من النفوذ والقوة.